كوسوفا بعد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية
14 شعبان 1431
عبد الباقي خليفة

حققت كوسوفا نصرا تاريخيا جديدا ، في معركتها من أجل تعزيز استقلالها وسيادتها ، وهي تسير بخطى ثابتة نحو استكمال استحقاقات البقاء كدولة ، والنمو ، والانضمام لبقية المؤسسات الدولية التابعة للامم المتحدة ، وللشراكة الأوروأطلسية حيث أعلن رئيس كوسوفا فاطير سيديو أن بلاده ستتقدم بطلب العضوية في الأمم المتحدة ، بعد كسب معركة الشرعية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي . وأكد سيديو يوم السبت 24 يوليو 1020 م بعد لقائه سكرتير الدولة الفرنسية للشؤون الاوروبية بيار ليلوش على حاجة ببلاده للمزيد من الاعتراف الدولي باستقلالها " نحتاج للمزيد من الاعتراف الدولي باستقلال كوسوفا، وأعتقد بأننا سنحصل على عضوية الأمم المتحدة العام القادم " وتنتظر الأوساط السياسية والاعلامية في كوسوفا اعتراف عديد الدول باستقلال كوسوفا بعد إقرار محكمة العدل الدولية بشرعية استقلال كوسوفا الذي أعلن في 17 فبراير 2008 م . وهو عبر عنه بيان البرلمان في بريشتينا يوم 23 يوليو 2010 م أي بعد اعلان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بيوم واحد . كما عبر البيان عن ترحيبه بدعوة البرلمان الاوروبي لاجراء حوار بين بلغراد وبريشتينا حول القضايا الفنية . وأكد على أن " محكمة العدل الدولية فتحت الباب على مصرعيه لمزيد من الاعتراف الدولي باستقلال كوسوفا.. وكذلك لطريق مضمون وآمن للاندماج في الشراكة الاوروأطلسية " كما أكد البيان على أن "الرأي الاستشاري التاريخي لمحكمة العدل الدولية ، من شأنه ارساء السلام والاستقرار في كوسوفا والمنطقة " .

 

دعوة للاعتراف الدولي : إلى ذلك دعا رئيس وزراء كوسوفا هاشم تاتشي دول العالم للاعتراف باستقلال بلاده ، ونوه بقرار محكمة العدل الدولية " كثير من الدول كانت تنتظر صدورالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ، وبعد اعلانه لم يعد ما يمنع هذه الدول من الاعترافب استقلال كوسوفا ، ونحن ندعوها للمبادرة في هذا الخصوص " وأعرب عن اعتقاده بأن عددا كبيرا من الدول ستعلن اعترافها باستقلال كوسوفا " ونحن ننتظر الدولة الأولى التي ستعلن اعترافها باستقلال كوسوفا بعد اعلان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية " .
وزير خارجية كوسوفا اسكندر الحسيني أرسل أرسل من جهته طلبا ل 120 دولة عبرالعالم يطلب فيها الاعتراف باستقلال كوسوفا . وشدد على أن " الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية والذي ينص على أن ،استقلال كوسوفا لم يخالف القانون الدولي ولم يخرق قرار مجلس الأمن 1244 ، وضع قضية الاستقلال في سياق جديد وفتح آفاقا واسعة للاعتراف الدولي الشامل " وأشار إلى أن بلاده ستبدأ حملة جديدة لتحقيق المزيد من الاعتراف الدولي . وكشف عن زيارة قريبة لنيويورك للقاء ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعقد أكثر من 60 لقاء بهذا الخصوص لتحقيق هدف زيادة عدد الدول التي تعترف باستقلال كوسوفا قبل حلول شهر سبتمبر ، أي قبل موعد انعقاد اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة .
كوسوفا من منظور أوروبي : من المنتظر بعد اعلان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ، أن يزداد عدد الدول التي تعترف باستقلال كوسوفا ، قبل انعقاد الدورة السنوية للامم المتحدة ، ليبلغ عدد الدول التي تعترف باستقلال كوسوفا أكثر من 120 دولة ، من أصل 192 دولة عضو في الامم المتحدة بينما لم يتجاوز عدد الدول التي تعترف باستقلال كوسوفا حتى اعلان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية 69 دولة من بينها الولايات المتحدة ، و25 دولة عضو في الاتحاد الاوروبي في مقدمتها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا تعترف باستقلال كوسوفا .

 

 

وأعربت المفوضة الأعلى للشؤون السياسية بالاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون عن اعتقادها بأن كوسوفا ستصبح عضوا في الاتحاد الاوروبي ، عندما تستكمل جميع الشروط التي تؤهلها للالتحاق بدائرة النجوم الاوروبية . ودعت لحوار بين بلغراد وبريشتينا كدولتين مستقلتين جارتين . وقالت اشتون قبل مغادرتها بريشتينا في أعقاب زيارة لمنطقة غرب البلقان شملت كل من البوسنة وصربيا وكوسوفا " على الرغم من أنه لم يتم حتى الآن اعتراف جميع دول الاتحاد الاوروبي باستقلال كوسوفا ( 22 من أصل 27 دولة عضو ) هناك اتفاق بين جميع دول الاتحاد على ضم كوسوفا ومنطقة غرب البلقان في المشروع الاوروبي " وتابعت " كوسوفا أوروبية وهي إلى جانب منطقة غرب البلقان تمثل أولوية بالنسبة للاتحاد الاوروبي ". وقد تمثلت نشاطات اشتون في كوسوفا في ثلاث نقاط ، هي الاجتماع بالمسؤولين الاوروبيين ، ولا سيما بعثة " يوليكس " وراء الابواب المغلقة ، ولقاء رئيس وزراء كوسوفا هاشم تاتشي ، استمر أكثر من ساعة ، وهو وقت تجاوز ما كان مخططا له ، وزيارة دير ديكاني التابع للكنيسة الصربية في كوسوفا . وأكدت اشتون عقب اللقاء مع هاشم تاتشي على أن " الاتحاد الاوروبي لديه موقف موحد من أن مستقبل كوسوفا في الاتحاد الاوروبي ، على الرغم من وجود 5 دول لا تعترف باستقلاله " وحول نظام التأشيرات الذي ألغي على مواطني صربيا ولا يزال ساري المفعول على مواطني كوسوفا قالت " سيتم إلغاء نظام التأشيرات على مواطني كوسوفا في وقت لاحق ، بعد استفياء المعايير " من و قال رئيس وزراء كوسوفا هاشم تاتشي ، أن بلاده " حريصة كل الحرص على الالتزام بالمعايير الديمقراطية وكل الاجراءات اللازمة التي تقرب كوسوفا من الاتحاد الاوروبي " وأعرب عن أمله في أن لا تستخدم معايير مزدوجة في عملية إلغاء التأشيرات عن مواطني كوسوفا . ويعد مسلمو كوسوفا والبوسنة وألبانيا المستثنون الوحيدون من نظام إلغاء التأشيرة عن مواطني غرب البلقان والذي بدأ سريان مفعوله في نهاية العام الماضي ، حيث يحمل صرب البوسنة وكوسوفا وكذلك الكروات والمقدنيون جوازات سفر الدول المجاورة التي تخولهم دخول دول الاتحاد الاوروبي ( منطقة تشينغن ) بدون تأشيرة دخول .

 

تباين المواقف : لم تتغير المواقف الإقليمية والدولية كثيرا بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ، فقد جددت صربيا رفضها الاعتراف باستقلال كوسوفا ، كما أعلنت روسيا أن موقفها الرافض لاستقلال كوسوفا لن يتغير، مجددة دعمها لموقف بلغراد الداعي لاستمرار المفاوضات بين بريشتينا وبلغراد حول مصير كوسوفا ، وهو موقف أكدت بريشتينا رفضها المطلق له قبل اعلان الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي وتعزز أكثر بعده .
لقد كشفت المواقف المتناقضة للصرب ، قبل وبعد صدور القرار ،عن حالة سريالية فريدة من نوعها ، فقد اتهمت الجهات الصربية ، المحكمة الدولية ،بالتسيس والانحياز ، بل بفقدان المصداقية ، وهي التي كانت تكيل لها المديح قبل اعلان الرأي الاستشاري ، فوزير الخارجية الصربي ماانفك يعلن في مؤتمراته الصحافية ، وفي زياراته الخارجية على أن قرار المحكمة سيكون لصالح صربيا ، ولذلك طلب من عشرات الدول في العالم ولا سيما الافريقية التي وعدها بالتسليح ، إلى التريث والانتظارحتى صدور قرار المحكمة الدولية ، ولكن بعد صدوره طلب من نفس الدول البقاء على موقفها لأن المحكمة الدولية مسيسة ؟!!!

 

ومما قاله يريميتش " بعد ظهر يوم 22 يوليو ستكون لحظة الحقيقة ، وبمثابة تحذير لأولئك الذين هم في بريشتينا الذين يعتقدون بأن الأعمال الانفرادية يمكنها أن تغير القانون الدولي " وتابع " قرار محكمة العدل الدولية سيكون نهاية نضال صربيا على هذا الصعيد ، لأنه سيحول بعد ذلك إلى الأمم المتحدة " وتوقع حصول صعوبات أمام بلاده في الامم المتحدة " سيكون الأمر أكثر صعوبة مما كان في السنوات السابقة ، وأعني الحصول على أغلبية الأصوات في الأمم المتحدة " . أما نظيره وزير خارجية كوسوفا ، اسكندر الحسيني ، فقد توقع زيادة عدد الدول التي تعترف باستقلال بلاده بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي ، وقال " ستزال آخر عقبة أمام الدول التي كانت تنتظر قرار محكمة العدل الدولية لاعلان اعترافها باستقلالنا " وتابع ردا على تصريحات يريمتش " نحن ننتظر موجة اعترافات جديدة ،وأنا شخصيا متفائل ، ولا أرى أي احتمال ولو بنسبة بسيطة ، أن يكون القرار لصالح صربيا ، حيث لا أحد يعتقد بأن المحكمة ستكون ضد حرية شعب من الشعوب ".
في حين أكدت واشنطن على دعمها لاستقلال كوسوفا وترحيبها بقرارالمحكمة الدولية . ودعت المجتمع الدولي لما وصفته ب " الوحدة " والاصطفاف وراء رأي المحكمة الدولية . وأجرى نائب الرئيس الامريكي جو بايدن بالرئيس الصربي لتأكيد دعم استقلال كوسوفا كدولة ديمقراطية متعددة الإثنيات . أما الاتحاد الاوروبي فقد أعرب على لسان مفوضة الشؤون السياسية والعلاقات الخارجية كاثرين أشتون عن استعداده لرعاية حوار بينبلغراد وبريشتينا حول انضمامهما للاتحاد الاوروبي واجراء تقارب حسن جوار بينهما ، رغم رفض تجديد صربيا رفضها الاعتراف باستقلال كوسوفا .

 

كوسوفا إلى الأمام : لقد مثل الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي ، صك الشرعية ، لاستقلال كوسوفا ، وحماه بعد الله ، من شهادة زور تهدد مستقبله ولو بعد قرون .وكانت محكمة لاهاي قد بدأت النظر في شكوى صربيا ضد اعلان استقلال كوسوفا في 1 ديسمبر من العام الماضي ، واستمعت لرأي 29 دولة حول العالم . ووقفت كل من روسيا ، والصين ، واسبانيا ، ورومانيا ، وقبرص ، والأرجنتين ، والبرازيل ، وفيتنام ، وبولوفيا ، وفنزويلا ، وروسيا البيضاء ، وأذربيجان ، إلى جانب صربيا . بينما تؤيد كل من ، ألبانيا ، وتركيا ، والمملكة العربية السعودية ، والأردن ، والولايات المتحدة الأميركية ، وبريطانيا العظمى ، وفرنسا ، وألمانيا ، وهولندا ، واستراليا ، والنرويج ، والدنمارك ، وفلندا ، وبلغاريا ، وكرواتيا ، استقلال كوسوفا . وقد أدلت كل من الولايات المتحدة ، وبريطانيا ، وفرنسا ، وألمانيا ، وهولندا ، واستراليا ، والنرويج ، والدنمارك ، وفلندا ، وبلغاريا ، وكرواتيا ، وألبانيا ، والاردن ، والمملكة العربية السعودية ، بمواقفها أمام محكمة العدل الدولية ، دفاعا عن شرعية استقلال كوسوفا . وقد نجح أنصار كوسوفا في حسم الموقف لصالحه مما فتح أبواب المستقبل الآمن على مصرعيه لشعب كوسوفا ودولته التي انتظرها طويلا . ودولته ليست كوسوفا فحسب بل ألبانيا التاريخية فقد أيد أغلبية السكان في كل من كوسوفا وألبانيا إعادة قيام دولة ألبانيا التاريخية على الحدود التي كانت عليها ، قبل تعرضها للغزو الروماني فالبيزنطي وحتى الصربي . ويعتقد واحد من كل ألبانيين ، وفقا ل" مرصد الأبحاث في البلقان " أن تاريخ توحيد الأرض الألبانية بات قريبا . وأيد 72،2 في المائة ممن استطلعت آراؤهم في كوسوفا قيام الوحدة بين ألبانيا وبلادهم ، فيما وصلت النسبة في ألبانيا الأم إلى 70،5 في المائة . كما يعتقد 47،3 في المائة من الألبان في كوسوفا ، و39،5 في المائة في ألبانيا أن الوحدة بين القطرين قريبة جدا . وقال 70،5 في المائة من سكان كوسوفا أن اعلان الاستقلال قبل عامين تقريبا ، كان عملا تاريخيا وضروريا من أجل انهاء النزاعات في البلقان بشكل قاطع . بينما قال 63،8 من سكان صربيا أن بلادهم لن تعترف أبدا باستقلال كوسوفا . وقال نحو 10 في المائة ( 9،7 في المائة ) من الصرب أن بلادهم ستعترف باستقلال كوسوفا ، عاجلا أم آجلا . وتوقع المؤيدون الصرب لاعتراف بلادهم باستقلال كوسوفا أن ذلك سيكون خلال 5 أعوام .