نحو تربية جنسية راشدة ( الـنمو الـجـنـســي )

( لسنا نقصد بسلسلتنا هذه أن نتشبه بالمناهج الغربية في تناول الثقافة الجنسية , ولا نتفق مع الغرب في غالب الجوانب التربوية المتعلقة بالتربية الجنسية , وإنما نرجو عبر هذه المقالات التي يكتبها الباحث بيان المطلوب ثقافيا في هذا الموضوع  مع بيان كيف بنى المنهج الإسلامي التعامل فيما يخص هذا الجانب من الحياة وكيف تميز عن غيره من المناهج العالمية , وكيف أن منهاجه الطاهر النقي هو الأفضل على الإطلاق في بناء المجتمعات الصالحة الخالية من السوء والفحشاء والمنكر ) ( موقع المسلم )

 

في غالب الأحيان يكون الاعتقاد السائد لدى الناس هو أن ما يتعلق بالجوانب الجنسية مرتبط فقط بسن البلوغ وما يعقبه من مرحلة مراهقة ، ولاوجود له فعال فيما هو غير ذلك سواء قبله أو بعده .

 ولكن تلك الغريزة مثلها مثل باقي الغرائز الإنسانية  ، تتواجد بداخل النفس البشرية  منذ بداية وجودها على ساحة الحياة .

ويمكننا أن نجمل النمو الجنسي في حياة أبنائنا في عدة مراحل وهم :

1.  من الولادة وحتى سن الثالثة
2. من سن الثالثة وحتى سن السادسة ( الطفولة المبكرة )
3.  من سن السادسة وحتى سن التاسعة ( الطفولة المتأخرة )
4.  فترة البلوغ ( المراهقة )

ونحاول أن نتعرف على أهم ملامح كل فترة بإيجاز

من الولادة وحتى سن الثالثة

لتلك المرحلة أهميتها الجنسية ، ففيها تتحدد الهوية الجنسية للطفل سواء ( ذكر أو أنثى) ، وقد يبدأ الطفل في تمييز بعض الفوارق بين الجنسين  ، وعلى نهاية تلك المرحلة يدرك أنه صبي مثل أبيه وأنه يختلف عن البنات وعن أمه ، ويبدأ الطفل في التعامل وفقا لهويته الجنسية ، فالصبي يقول ( أنا صبي ) ويتصرف وفقا لذلك وكذلك البنات .

كما أن للإحساس باللمس دور كبير في هذه السن ، فعن طريق هذه الحاسة يشعر الطفل بالقبول أو الرفض من قبل المحيطين به ، وخصوصًا مع أمه أثناء الرضاعة ، فالرضاعة هنا ليست وسيلة تغذية فقط ، ولكنها التحام عاطفي ووجداني بين الأم والطفل ، ومنع الطفل عن تلك اللمسات يؤدي لمشاكل نفسية تظهر لاحقا مثل ( مص الإصبع ) .

أما بالنسبة لدور الكلام في هذه المرحلة محدود جداً. يتعلم الطفل في هذه المرحلة عن طريق لغة الجسد واللعب فهو يتعلم بالتقليد والتكرار. وتتميز تلك المرحلة بالتمركز حول الذات بشكل كبير.

ولكن عامة في تلك المرحلة يكون نمو الأعضاء التناسلية سواء للذكر أو الأنثى نموًا بطيئًا مقارنة بنمو الأعضاء الأخرى ،  ويكون اهتمام الطفل في تلك المرحلة من العمر منصب على اكتشاف تفاصيل جسده ؛ ومن ضمنها أعضاءه التناسلية ، مثلها مثل باقي أعضاء جسده .

وهذا الاستكشاف لا يكون نابع من وجود رغبة جنسية لدى الطفل ، ولكنه ( استكشاف لمجرد الاستكشاف ) ، وقد يظهر ذلك الاستكشاف لدي بعض الأطفال الآخرين على هيئة لعب أخرى كالعبة ( الطبيب والمريض ). فالطفل في تلك المرحلة لا تظهر لديه أي رغبات جنسية تذكر ، وذلك نتيجة لعمل الغدد ( الصنوبرية والتيموسية )، والتي تعمل على تعطيل الغدد الجنسية حتى لا تنشط قبل فترة البلوغ .

وهذا خلافاً لما زعمه فرويد بأن أي شعور باللذة – أيًا كانت - هي لذة جنسية محضة ، ففرويد يدعي أن الطفل عندما يرضع من ثدي أمه فيرتوي ويشبع لذة الجوع ؛ فهو بذلك يشبع لذة جنسية لديه . لذا قد قام بتقسيم تلك المرحلة إلى ثلاث مراحل جزئية وفقا لمفهوم اللذة لديه :
- المرحلة الفمية : وتبدأ منذ الولادة وحتى نهاية السنة الأولى ، ويكون مصدر الإشباع الوحيد للطفل هو الفم فقط .
- المرحلة الشرجية : وهنا يكتشف الطفل قدرته على التحكم ببرازه ، ويبدأ الاهتمام بالنظافة الشخصية من قبله ومن  قبل الأهل .
- المرحلة القضيبية : وهنا يكون مصدر الاهتمام والشعور باللذة لدى الطفل هو القضيب
 
وهنا قام فرويد بإخضاع كافة الغرائز لغريزة واحدة فقط وهي الجنس ، وهذا هو الأساس الذي قامت عليه نظريته وهو تفسير السلوك الإنساني عامة من وجهة نظر جنسية بحتة ! مما جعل نظرياته موضع شك وانتقاد من قبل علماء النفس الآخرين وحتى تلامذته ، فلقد قام " يانج " – وكان أحد تلامذة فرويد وانقلب عليه – بنقد نقاط كثيرة في نظريته ، وتعد نقطة الخلاف الرئيسية بينهما حول موضوع ( اللبيدو ) ، إذ يعرفها "فرويد" من خلال المفاهيم الجنسية البحتة ، بينما "يانج" يعرفها على أساس أنها الطاقة العامة للحياة والتي يكون الجنس أحد جوانبها. وأتهمه بأنه يريد أن يسقط عقده النفسية وهوسه بالجنس على البشرية جمعاء.

وتقوم نظرية " فرويد " أيضًا على الإعلاء من شأن ( الهو ID ) - وتمثل الجانب المظلم والفوضوي من الشخصية – ، وأنه هو المسيطر على ( الأنا ego )  – المصلح والوسيط بين " الهو " والأنا الأعلى - ، و( الأنا الأعلى super ego )– الضمير والقيم العليا - . وبذلك يغلب الغرائز والشهوات على القيم والمثل العليا والتي تتمثل في ضمير الفرد . على عكس ما ترجوه الوجهة الإسلامية لعلم النفس والتربية الإسلامية عمومًا ، فهي تحاول إعلاء القيم والسيطرة على الغرائز والشهوات مع إيجاد منفذ صحيح وقويم للغريزة ( الزواج ) .

وبذلك لم تعد نظرية " فرويد" في التحليل النفسي تلقى قبولاً بوجه عام، وحتى في أثناء حياة "فرويد" انشق عنه عدد من العلماء مثل "يونج" و"أدلر" و"هورناي" و"فروم". وحتى من صاروا على نفس دربه من تلامذته ، قاموا بإجراء تعديلات جوهرية لكثير من مفاهيمه مثل " أريكسون " ، مما أفقد نظريته تلك بريقها الذي كان.

2- التطور الجنسي من سن الثالثة وحتى سن السادسة ( الطفولة المبكرة )

كما الحال في المرحلة السابقة يبقى النمو الفسيولوجي للأعضاء التناسلية للجنسين بطيئًا ، فإفرازات الهرمونات والغدد التناسلية محدودة ، ولا يكون هناك نمو كبير بالغدد التناسلية حتى سن المراهقة.

وهنا يبدأ الطفل في التألف مع الفروق الفردية التي ميزها في المرحلة السابقة ، ويكون هناك فضول معرفي ، تبدأ الأسئلة ذات الاهتمام الجنسي في الازدياد ... من أين يأتي الأطفال ؟

نجده كثير اللعب في عضوه ( بأن يلمسه أو يحكه بأشياء أخرى ) .. وترى بعض النظريات أن الطفل يمر بمرحلة تسمى ( الاستمناء الطفلي ) وهي تبدأ من سن 3-5 سنوات ، ويشعر الطفل فيها بدغدغة بسيطة في منطقة الأعضاء التناسلية عند ملامستها، وهذه الدغدغة تشعره بلذة جزئية، كالتي يشعر بها عند مداعبته تحت إبطه أو في بطنه.

من سن السادسة وحتى سن التاسعة ( الطفولة المتأخرة )

تتسارع وتيرة النمو الجسدي لدى البنات اكثر من البنين في تلك المرحلة ، فالبنات أكثر وأسرع في النضوج الجسدي من الأولاد ، أما الجانب الجنسي فيكون غير فعال ، ويتجه الطفل نحو النمو الاجتماعي بصورة كبيرة ويتحول من كائن متمركز حول ذاته إلى كائن اجتماعي ، ويعمل على تقوية وصقل الخبرات التي اكتسبها طوال السنوات السابقة.

نتيجة لاتجاه الطفل نحو المجتمع يبدأ تأثير المجتمع على تصرفات الطفل في ازدياد ، فالولد لا يمكن أن يلعب بالعرائس ، والبنت تجلس بطريقة معينة. وهنا أيضًا تبدأ أحاديث الرفاق مع بعضهم البعض حول الجنس والأمور الجنسية ، يشغل باله فكرة الحمل ويكفيه في تلك الفترة معرفة أن الطفل يجيء من بذرتين أحدهما من الأب والأخرى من الأم.

في سن 8 سنوات تبدأ الرغبة في الابتعاد عن الجنس الآخر في أثناء اللعب ، وتُظهر الفتيات ردود فعل تجاه اللمس أو اللعب مع الصبيان . وعلى نهاية المرحلة يصبح لدى الطفل انتباه بشأن الأمور الجنسية ، في تطور طبيعي لإنهاء فترة الكمون الجنسي وبدء الدخول لفترة البلوغ .

4- التطور الجنسي في فترة البلوغ ( المراهقة )

بداية أحب أن أوضح أن البلوغ جزء من فترة المراهقة وتكون في بدايتها ، فيمكن أن نعتبر ملامح البلوغ جرس إنذار لنا عن دخول الطفل لفترة المراهقة .

والبلوغ Puberty يعني نضخ الغدد التناسلية ، واكتساب معالم جنسية تنقل الطفل إلى الرشد ، وهو نتاج طبيعي لتطور عملية النمو لدى الطفل ، والغدد هي أهم عامل مؤثر في هذه العملية ، فتبدأ الغدة التيموسية في التوقف عن العمل مما يؤدي لعرقلة عمل الغدة الصنوبرية والتي تعطل عمل الغدد التناسلية لدى الذكر أو الأنثى ، مما يؤدي لما يمكن أن نطلق عليه ثورة في الغدد الصماء لجسم الإنسان .

 

ويمكن أن نقسم فترة البلوغ لثلاث مراحل :
- المرحلة الأولى ( ما قبل البلوغ ) : وتبدأ فيها المظاهر الثانوية للبلوغ                                                                                                         
وتظهر عند الذكر من خلال ( كبر حجم الأعضاء التناسلية / نمو الشعر في أماكن متعددة " العانة ، الشارب ، الإبطين " / تغير الصوت من صوت طفولي إلى صوت خشن مرتفع / اتساع الصدر وبروز العضلات )
وعند الأنثى ( نمو الشعر في أماكن متعددة / استدارة الثديين / وكبر الردفين / تغير الصوت من صوت طفولي إلى صوت خفيض وناعم )
- المرحلة الثانية ( المرحلة الوسطى ) : وفيها يبدأ عمل الغدد الجنسية
- المرحلة الثالثة ( اكتمال البلوغ ) : وفيها يبدأ أول حيض عند الأنثى ، وأول احتلام لدى الصبي ، وتكتمل وظيفة الجهاز التناسلي للفرد.

 

ويجب على الوالدين في تلك المرحلة ( المراهقة ) أن يدركا أنهما أمام ثلاث مراحل سيمر بهم طفلهم :
1- البلوغ ( وهو التطور الجنسفسيولوجي الطبيعي للطفل ، وهو جزء من مرحلة المراهقة – كما ذكرنا -  )

2- نمو الشعور الجنسي ( ويتمثل في عدة أمور :
- الفضول الجنسي : شغف للتعرف على حقيقة الحياة الجنسية ، ووظيفة الأعضاء التي نمت لديه
- الرغبة الجنسية : والنمو ( البلوغ ) يسبق الرغبة بحوالي 3 سنوات ، وهي تعني وجود دافع داخلي يظهره المثيرات الخارجية المحيطة.
- الانشغال بالأعضاء الجنسية : وتكثر الأسئلة حولها ، ويحتاج الوالدين للكثير من الخبرة .
 
3- النضج الوجداني : ويظهر على هيئة التعلق بفرد من الجنس الأخر .

وبذلك نكون قد حددنا بوضوح ملامح الخريطة الطبيعية للتطور الجنسي لدى الطفل منذ الولادة وحتى الرشد ، وذلك يمكننا من تحديد ماذا يقال للطفل حول الجنس ؟ وكيف يقال له ؟ ومتى يقال له ؟ وهو ما سنشرحه بالتفصيل في المقالات القادمة .