10 ربيع الثاني 1432

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي زوجي رجل ملتزم، وقد كان السبب في التزامي بعد الله، كانت حياتنا في قمة السعادة والتفاهم حتى اشترينا جهاز الإنترنيت منذ حوالي 5 شهور، في البداية لم ألاحظ شيئاً، لكن مؤخرا لاحظت أنه كلما رآني يقوم بإغلاق الصفحات التي يشاهدها، لم أشك أنه يتردد على المواقع الإباحية؛ لأنه في نظري لا يمكن أن يفعل ذلك فهو إنسان ملتزم بمعنى الكلمة يخاف الله، لكن وبالصدفة أردت أن أسجل في أحد المنتديات، فاستعملت إيميله بما أنني أملك كلمة السر، وعندما فتحت الإيميل لكي أفعل اشتراكي في المنتدى، صعقت من هول ما رأيت، إنه مشترك في منتديات إباحية لقد أرسلوا له رسائل من تلك المواقع، في الحقيقة لم أصدق ما رأت عيناي وأصبت بنوبة من البكاء، عند ذلك بدأت أبحث في المواقع التي يتردد عليها، ويا ليتني لم أفعل لقد وصل به الأمر إلى دخول مواقع الدردشة، أنا لم أكن أعرف ما يدور فيها عندما دخلت سمعت العجب العجاب، ناس كأنهم حيوانات بل الحيوانات تترفع عما يقومون به وما يتلفظون من الكلام البذيء.
في الحقيقة أنا في حيرة من أمري هل أخبر زوجي بأنني عرفت سره وهذا سيسبب له إحراجاً كبيراً ولن يستطيع أن يرفع رأسه أمامي بعد ذلك فأنا أعرف شخصيته، وحتى أنا لا أستطيع إخباره بنفسي، أحس بأن هذا سيكون صعبا علي وعليه، ولكن لا استطيع أن أتركه في هذا الطريق، لا أعرف ما أفعله، أحس بأن المشكلة أكبر مني ومن طاقتي، أنا حاليا لا أتركه أمام الإنترنت لوحده، حتى زيارة أقاربي تركتها، ولكن إلى متى فهذا ليس حلا.
أفيدوني أفادكم الله فأنا لا أنام من كثرة التفكير أحس بالمسؤولية، فأنا السبب في إدخال الإنترنت إلى البيت، فقد كان زوجي معترضاً عليه، جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أختي السائلة الكريمة، قرأت رسالتك الطويلة وشعرت بمدى الحزن الذي يعتلج نفسك وأنت تكتبين كلماتها، وتسردين تفاصيل مشكلتك، التي تعاني منها اليوم كثير من البيوت المسلمة، فلم يسلم منها إلا من حفظه الله بحفظه وحماه من هذا الداء العضال، الذي فتك بالجسم المسلم، وانتشر كوباء خطر لحق شره الصغار والكبار، الرجال والنساء..
وفي حالتك أختي الكريمة لن أتهمك بأنك كنت السبب فيما صار إليه زوجك، لأنه بطريقة أو أخرى كان يملك أن يدخل شبكة الانترنت خارج البيت، لهذا لا تعاقبي نفسك وتحمِّلينها وزر ما وقع فيه زوجك من أخطاء ومحرمات، بل هو وحده من يتحمل مسؤولية سوء استخدامه لهذه الوسيلة، ولا يمكن أن نعطِّل وظيفة الشبكة وما تحقِّقه من منافع شتى لمستخدميها، لمجرد أنه في فئة توظفها لإشاعة المفاسد، وارتكاب المعاصي والمنكرات بعيدا عن المسائلة والمتابعة القانونية والرقابة الاجتماعية.
إلا أنني أنصحك في حالتك أن تتَّبعي هذه الإرشادات، لعلها تساعدك في حلِّ مشكلتك، وتعينك في إنقاذ زوجك من هذا الإدمان الذي يفوق خطره إدمان المخدرات ومواد الكحول..
- أولا: قدِّمي لزوجك المساعدة النفسية، التي تفرض عليك أن تحافظي على هدوئك وحكمتك لحلِّ هذه المشكلة، والتخلّي عن ثورتك وغضبك، لأن الانفعالات النفسية وردود الأفعال الغاضبة كثيرا ما تلحق بأصحابها الضَّرر والأذى، كسيارة يقودها سائق متهوِّر بسرعة جنونية، فمصيره أن يضرّ نفسه أو غيره، وأنت الآن عرفت الحقيقة فحاولي أن تقودي سفينة حياتك قيادة رشيدة.
- ثانيا: لا تكوني جلادا قاسيا تعذِّبي نفسك باتِّهامها واتهام زوجك، ولا قاضيا جائرا يصدر حكم الإعدام أو السجن المؤيد، لمجرد أنه يرى المتهم مجرما يستحق ذلك العقاب، من غير تحرٍّ أو إعطاء المتهم حق الدفاع عن نفسه أو حقَّ الاستئناف، بل تعاملي مع زوجك كمريض، يحتاج عطفك وحنانك كأم رؤوم، وزوجة محبَّة وفية، ترى أنَّ من واجبها أن تسهر على راحة زوجها وإسعاده، وخدمته بكل ما تقدر عليه حتى يصحَّ ويشفى من مرضه ويتحرَّر من مشاكله ومتاعبه.
- ثالثا: زوجك يمر خلال هذه المرحلة بظروف صعبة، كأيِّ محنة أو ابتلاء شديد بعصف بحياتكما، فساعديه ليتجاوز هذه الظروف، ولا تتخلّي عنه مع أول تجربة قاسية تواجهكما معا، فهو اختبار لكما معا وعليك أن تنجحي أنت فيه أولا، ثم تظلّي بجانبه لينجح هو أيضا.
- رابعا: إياك واعتقاد العصمة في نفسك أو غيرك، مهما بلغت درجة إيمان الشخص وتقواه والتزامه وصلاحه واستقامته.. لأنه لا عصمة إلا لنبي، ومن منّا لا يخطئ، ومن منّا لا يعصى الله، ومن منّا لا يذنب، بل كلُّنا يعترينا الزَّلل ويصيبنا الخلل بدرجات متفاوتة، بحسب درجات إيماننا قوَّةً وضعفاً، وإلا ما محل باب التوبة والاستغفار إذا كنا معصومين ونفوسنا غير أمّارةٍ بسوء، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم المتدفق في العروق، ومن رحمة الله بنا أنْ فتح لنا باب التوبة في كل لحظة وحين، بل يكفي الواحد إذا تطهر وصلى ركعتين واستغفر الله أن يغفر الله له، ولو بلغت ذنوبه عنان السماء، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135].
فتخلَّصي من شعورك بالصدمة المؤثرة على نفسك، لاكتشافك لما يرتكبه زوجك، بل انظري للمسألة نظرة منصفة، ولا تنسي أن زوجك ليس نبيا معصوما، إنما يمتلك نفسا بشرية تصيب وتخطئ، تقوى وتضعف..
- خامسا: زوجك ساعدك في بداية حياتكما على الالتزام والاستقامة، والآن أتى دورك لتجدِّدي إيمانه، وتبعثي في قلبه شعلته، وتثيري في نفسه همة الإقبال على الطاعات، وتصرفي نفسه عن المنكرات، وتشجعينه على التزود بزاد التقوى والتزين بلباسه، وهذا يحتاج منك أن تكوني القدوة في أقوالك كما في تصرفاتك، وتجاهدي الشيطان الذي انتصر على نفس زوجك فأوقعه في شبكه وأسقطه في هذه المهالك، بأن تسدّي كل الثغرات وتقفلي كل الأبواب المشرَّعة التي يلج منها.
ولا تَدَعِي فرصة يختلي فيها زوجك مع نفسه أمام شبكة الانترنت، بل حاولي أن تجلسي دائما معه بنفس الحجرة، ولكن من غير أن تظهري أمامه أنك تراقبي تصرفاته، أو تشكي في أفعاله، أو أنك لا تثقين به، بل اجلسي بجانبه وأشعريه برغبتك في مؤانسته وصحبته، واشغلي نفسك بقراءة وردك القرآني مثلا، أو قراءة كتاب أو مجلة أو صحيفة مفيدة، أو مباشرة عمل من أعمالك داخل بيتك وأنت معه، وفي كل مرة حاولي أن تشغلي تفكيره بنكتة لطيفة، أو حكمة هادفة، أو خبر جديد في صحيفة أو جريدة يومية، أو استشيريه في أمر من أمورك، وأنت بذكائك عوِّديه على وجودك الدائم وصحبتك الجميلة له، وبين فترة وأخرى اسأليه هل يرغب في أن تهيئي له وجبة يحبها، أو مشروبا باردا أو ساخنا.. المهم حاولي أن تقضي معه وقتا جميلا، فلا يشعر بالضجر من وجودك، ولا الملل من حديثك، ولا تفضيل خلوته بنفسه.
- سادسا: لا تجعلي الفترة التي يقضيها داخل بيته بالنهار أم بالليل، تمر ساعاتها بطيئة وأنت معه، بل اجعلي اللحظات التي تكونان فيها معا ممتعة ومليئة بالفرح والسعادة، واطردي الكآبة والتعاسة ولحظات الفراغ والخرس عن حياتكما، وتخلصي من حقائب الأحزان، وأوقدي شموعا جميلة تضيء حياتكما، وزيِّني بيتك بباقات الورد ليفوح شذاها فيعطر أرجاء بيتكما، وباختصار اجعلي بيتك جنة..
- سابعا: أنت أمام منافسة شديدة مع نساء ومغريات يتعرض لها زوجك، إن لم يكن عبر شبكة الانترنت، ففي الشارع، أو عبر القنوات التلفزيونية، ولا يجد لها متنفسا إلا بولوج مواقع إباحية أو عبر منتديات هابطة، أو غرف دردشة ساقطة..
لهذا عليك أن تكوني قوية لتنتصري على إحساسه هذا، وتحاربي تلك الفتن التي يتعرض لها حيثما حلَّ أو ارتحل، بأن تكوني جميلة أنيقة في بيتك كعروس، تتابعين ما يحبه زوجك وما يتمنى أن يراه فيك، ويطلبه ليراه في أخريات، وتلبّي ما يحتاجه كرجل له رغبات مختلفة، وميولات خاصة، فتوافقي ذوقه الذي يناسبه وينسجم مع طباعه في اختياراته في الشكل والمظهر واللباس وطريقة معاملتك، وما من شأنه أن يسعده ويلبي طلباته واحتياجاته.,
- ثامنا: حاولي أن تكوني الوجه الجميل الذي كلما نظر إليه سرّه، والصوت الشجي العذب الذي كلما أنصت إليه أشجاه كبلبل مغرد، وسكنه الذي يسكن إليه ويعود إليه بشوق، فتهدأ نفسه وتستريح من عناء العمل وتعب الحياة ونصب العيش..
- تاسعا: زوجك أخطأ حينما ارتكب مثل هذه المعاصي في السر، ولكن أنت زوجته، لباسه الذي يستره ولا يفضحه، فغُضّي طرفك وسامحي عثرته، واستري زلاّته، وتجاوزي عن عثراته، وانْسِ إساءته وتذكري إحسانه، ولا تفضحينه حتى بينك وبينه بمواجهته بمعرفتك لحقيقة أمره وما يرتكبه، لأن الرجل يحب أن يظل دائما في عين زوجته أفضل وأعظم رجل، يحب دائما أن يكون سلطان البيت وهو القدوة والقائد، له التشريف والتقدير والاحترام، فلا تنقصي من قدره بكشف سرِّه وذكر مساوئه وهنك حجاب الستر الذي يستره أمامك، حتى لا يشعر بفقد مكانته في قلبك، وضياع ثقتك وافتخارك به، وانهيار كل المعاني التي يعتز بها أمامك، وانكسار الصورة الجميلة التي رسمها لك، وزيّنها في عينك.
بل حافظي على تلك الهيبة وذلك الإجلال والتقدير والصورة كما هي، لتستمر علاقتكما في جو يسوده الحب والمودة والرحمة.
وأنا واثقة من ذكائك وفطنتك في حل مشكلة زوجك، من خلال صبرك وصمتك وما قدمته كمساعدات أولية لعلاج مشكلته وإن كنت لا ترينها كافية لحلها، ولكن تأكدي أنك بمثابرتك واستمرارك في هذا التحدي والمواجهة والسعي الدؤوب لحلها، ستنجحين إن شاء الله.
وفي الختام استعيني بالله على قضاء حاجتك، وتقوي على ضعفك بسلاح الدعاء، ليزودك الله بطاقة كافية لمواجهة مشكلتك والنجاح في مهمتك، وإياك واليأس والتخلي عن واجبك ومسؤوليتك اتجاه زوجك مهما صدر منه.
أسأل الله العلي القدير أن يصلح زوجك وأزواج المسلمين جميعا وأن يصرف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفقك في مهمتك فتنجزينها على الوجه الذي يرضي الله.