القاديانية تبعث من جديد
7 شعبان 1431
د. محمد يحيى

في فترة الستينيات والسبعينيات كان هناك تيار جارف من الكتابات في الصحف والمجلات الإسلامية يتعامل مع ظاهرة ما يسمى بالقاديانية وهي تلك الديانة الجديدة التي أحدثها شخص في الهند قبل ما يوازي حوالي القرن وادعى فيها النبوة وقال أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ليس هو آخر الأنبياء بل أن هذا الشخص الذي يسمى الميرزا أحمد القادياني نسبة إلى بلدته التي ولد فيها هو خاتم الأنبياء أو هو على الأصح نبي قد جاء بوحي جديد وبتفسيرات وأحاديث وعقائد جديدة لم تكن موجودة في القرآن، وكانت الكتابات في ذلك الوقت تحذر من انتشار هذه النحلة التي ساعد الإنجليز على نشأتها وروجوا لها في بدايتها وكان الحديث يدور عن أن أتباع هذه الديانة الزائفة المخترعة ينتشرون في مناطق محددة مثل منطقة شرق إفريقيا بل ويحاولون التغلغل في غرب إفريقيا ثم بعد فترة انقطعت هذه الكتابات ربما لأنها لم تجد صدى لها ولم تجد من الحكومات والمؤسسات الإسلامية الرسمية على امتداد ساحة العالم الإسلامي من يساعد على فضح زيف هذه المحنة وعلى إيقافها وعلى التصدي لها بالدعوة الإسلامية الصحيحة.

 

ومرت الأعوام وفي مطلع الألفية الميلادية الجديدة وبينما كنت أقلب بين قنوات على الأقمار الصناعية الأوروبية بل والعربية وجدت أن لهذه الفئة الضالة قناة تليفزيونية هزيلة تنشر دعوتهم وتروج لتحركات وأخبار من يسمونه بأمير المؤمنين أو هو رئيس هذه الطائفة.
وعلى مدى الأشهر والأعوام القليلة الماضية أخذت تلك القناة التليفزيونية تغير شكلها وتحاول أن تنتحل لنفسها سمات غريبة تتقرب منها إلى الجمهور العربي ومن ذلك مثلا استخدام أشخاص يتحدثون العربية باللهجة المصرية أو اللهجة السعودية والخليجية وإلباس هؤلاء الأشخاص زيًا عرف به علماء شبه الجزيرة العربية أو عرف به بعض الدعاة ممن يسمون بدعاة السلفية أو السنية الجديدة.

 

ومع إلباس مذيعيها هذه الأزياء التي يراد منها التمويه على الناس بأن من يتحدثون بهذه اللهجات ويلبسون هذه الأزياء هم من أبناء تلك البلاد الموثوق في علمها وفي عقيدتها فإنها تسرب من خلالهم أفكارًا حول القرآن وتفسيره وحول السنة تحاول فيها أن تهدم بمعاولها العقائد الإسلامية الثابتة ولا يكاد يمر برنامج إلا وفيه لمز وغمز وطعن في إحدى هذه العقائد أو إحدى الفرائض الإسلامية.

 

والقناة في حد ذاتها ليست مهمة بل ليست فاعلة ولا تأثير لها فيما أرى، ولكن الموقف الذي أزعجني هو أنه في الوقت الذي أقام فيه أصحاب هذا الباطل المتهافت قناة لهم ووجدوا في أنفسهم من الجرأة أو بالأصح من البجاحة والوقاحة ما يسمح لهم بإنشاء هذه القناة وما يسمح لهم بانتحال شخصيات علماء أو أصوات من البلاد العربية والإسلامية الموثوقة، فإننا في العالم العربي فوجئنا بخضم كبير من القنوات التي تسمى عادة بالقنوات الدينية وكثير منها للأسف لا يقدم سوى مواد هزيلة إعلاميا بل ضعيفة ومكررة ولا تنشغل ولا تتحمس للأمور الكبرى بل تكاد تبعد مشاهديها عن اهتمامات الحياة وكل ما يجري حولهم وكأنها أنشئت لكي تصيب المشاهد بنوع من انخماد أو ضياع الوعي في كثير من المجالات.. وللأسف أيضا فإنها عندما تتحمس لموضوع فإنها - في كثير من الأحيان - تتحمس للهجوم على المخالفين وتهتم بالصراعات الخلافية كما لو أن المسلمين قد فرغوا من كل مهماتهم وأنهوا كل مسؤولياتهم ولم يعد لديهم ما يهتمون به إلا الاقتتال والصراع الطائفي
يحدث هذا وقضية فلسطين بجوارنا تنادي علينا، وقضية أفغانستان، وقضية العراق، وقضية الهجمة العلمانية داخل بلداتنا ومدننا وبيوتنا، وهذه القنوات الفضائية التي قيض الله لها أموالاً ترعاها كما قيض لها مساحات على الأقمار الصناعية لا تهتم بهذه القضايا ولا تعالجها بل كما قلت تصب اهتماماتها على أمور ربما يقال أن الجهل بها أنفع من العلم بها.

 

ووسط هذا كله تطل علينا هذه القناة القاديانية البغيضة تجلس مطمئنة تروج لباطلها دون أن تهتز لها أجفان وهي ترى أن القنوات الإسلامية أو التي كان يجب أن تكون عيونًا للإسلام على أمثالها منشغلة بصراعات مذهبية ولا تهتم بخطر هذه القاديانية التي بعد أن كانت من السبعينيات من القرن الماضي الميلادي تهاجم شرق وغرب أفريقيا أصبحت الآن رائدة وشائعة في قلب أوروبا بل ويقبل الأوروبيون عليها لاستخدامها ضد الإسلام في عقر دارهم وقد شاهدت في هذه القناة مثلا في الفترة الأخيرة برنامجًا حول ألمانيا وكيف أن النحلة القاديانية قد أقامت لها مؤتمرًا حاشدُا في بعض المدن الألمانية تروج من خلاله لهذه البدعة بين الشباب الألمان كما تروج لها بين المسلمين من بعض البلدان الآسيوية الذين ربما ينخدعون بها أو الذين ربما لهم أصول فيها.

 

والمصيبة ليست في القاديانية وحدها، بل إن البهائية هي الأخرى نشطة ولها قنوات تليفزيونية في أمريكا وفي انجلترا ولها محطات إذاعية ولها أيضًا من النشرات والأعمال والنشاط "التبشيري" الشيء الكثير دون أن يهتم بها أحد لأن الجميع في العالم العربي الآن مشغول بفتنة مذهبية مضى وقتها منذ قرون طويلة وأصبح المشاهد لبعض القنوات هنا وهناك يجد فرحًا طاغيًا عندما يعلن أتباع مذهب ما أن مذهبهم الإسلامي قد اجتذب عشرات أو مئات من أتباع المذهب الإسلامي الآخر بينما القاديانية والبهائية وأشباههما من النحل المبتدعة تجز رقاب المسلمين جزًا وتجتزئ منهم العشرات أو المئات بين كل يوم وآخر دون أن يهتم أحد بهذا او يراعيه وربما نجد في إحدى الحوادث التي نشرت مؤخرًا في القاهرة دليلاً على بشاعة هذه التطورات حيث ذكر أن مدرسة مسلمة قد تزوجت شابًا شاميًا ثم تبين لها فيما بعد أنه ينتمي إلى المذهب البهائي وقام بالفعل بجذبها إلى هذا المذهب وتركت الإسلام لأجله بل وعملت على أن تخطف أولادها من حضانة جدهم وتضمهم إليها لتهاجر بهم ومعها زوجها إلى أستراليا لكي تنشئ أولادها على النحلة البهائية ولكي تعمل هي وزوجها على نشر هذه النحلة في أستراليا بين غير المسلمين وربما بين المسلمين أيضًا، فهل يتعظ الآن الكثيرون ممن يقومون على أمر الفضائيات الدينية في بلادنا، ويكفوا عن الانشغال بسفاسف الأمور أو عن الانشغال بالتطاحن والتناحر المذهبي الضيق ويركزوا اهتمامهم على هذه الأخطار الكبرى التي تحيط بإسلامنا داخل أوطاننا العربية المسلمة.