مفهوم الاعتدال ليس ألعوبة.. محمد حسين فضل الله نموذجاً!!
1 شعبان 1431
منذر الأسعد

رحل عن الدنيا قبل أيام العالِم الشيعي الشهير محمد حسين فضل الله، وأسهب كثير من الإعلام غير الشيعي في الحديث عن الرجل باعتباره رجل اعتدال وانفتاح أيما إسهاب!! بل إن قناة الجزيرة خصصت تغطية مباشرة لمراسم دفنه في الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت، كما احتفى غسان بن جدو بالمناسبة على طريقته، فأعاد بث حلقة قديمة من برنامجه الأسبوعي (حوار مفتوح) لأنها جمعتْ فضل الله والشيح يوسف القرضاوي منذ سنوات. وكم من علماء أعلام أكبر من فضل الله بالمقاييس الإعلامية انتقلوا إلى جوار ربهم فلم تهتم برحيلهم الجزيرة ولا غيرها!!

 

تلك ليست قضيتي في هذه المقالة، وإنما وددت التوقف أمام وصف الاعتدال الذي أسرف إعلاميون وأدباء وبعض المحسوبين على طلبة العلم في إسباغه على فضل الله في حياته ثم عقب وفاته بصفة أشد تكراراً وتركيزاً. وليست غايتي الأصلية تصنيف فضل الله ذاته، بل انتهاز هذه الفرصة لإطلاق دعوة موضوعية لضبط مفهوم الاعتدال فلا يغدو سُلّماً سائباً، يمتطيه من شاء، وجسراً لخداع الأمة بعبارات غائمة ومفهومات غامضة غير منضبطة.

 

فلقد انتقل العبث بمفهوم الاعتدال من دنيا السياسة إلى دائرة الدين، فقد كان التلاعب السياسي لتمرير خطط هدامة، ولقلب الحقائق، وتشويه الشرفاء، ونبز المقاومين، وتلميع المنبطحين والعملاء والجبناء وعديمي الإرادة..... أما العبث بالدين من خلال خلط الأوراق واللعب على الألفاظ وتحريف المفهومات عن مواضعها، فما من شك في أنه أشد ضرراً وأعظم خطراً فالتحريف في قضايا الدين يؤدي إلى كوارث رهيبة، وقد تمتد آثاره الوخيمة قروناً عديدة، مثلما جرى في كثير من البدع العقدية والتعبدية في الماضي القريب!!

 

لستُ أجحد أن فضل الله لا يتبنى كفريات قومه صراحة، فلم يتحدث مثلهم عن فرية تحريف القرآن، ولا سمعنا منه شتماً بلسانه للصحابة رضوان الله عليهم، ولا قدحاً في عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم.لكن التقية تسعة أعشار دين الإمامية وهو لم يصرح برفضه لها، فلعله يمارس التقية!!

 

صحيح أنه تصدى لأسطورة الرافضة القائلة باعتداء الفاروق رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها، وتعرض لأجل ذلك لكثير من أذى مراجع القوم في النجف وقم، فأوسعوه شتماً وقدحاً، كعادتهم مع كل من لا يسير وراءهم مغمض العينين مسلوب العقل أعمى القلب.

وصحيح أنه مستقل عن النجف وقم لكن السؤال عن اختلافه في العقيدة عنهما، وهو أمر لم يثبت باستثناء نفيه أكذوبة ضرب الصحابة الكرام لبنت نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.

 

ففضل الله ليس كآية الله البرقعي الذي صدع بالحق وتخلص من شركيات الرفض وبدعه الضخمة وانتمى إلى أهل السنة صراحةً.وهو ليس مثل موسى الموسوي الذي جهر برفض أركان الرفض الأساسية وإن ظل منتسباً إلى التشيع!!وليس كأحمد الكاتب الذي أثبت من خلال كتب الإمامية أن الحسن العسكري كان عقيماً ولم يعقّب، وبعبارة أكثر وضوحاً:إن إمامهم الثاني عشر الغائب في السرداء منذ12قرناً شخصية خرافية لأنه لم يوجد قط!!

إن الأجدر بنا أن نبيّن الحقيقة من دون إطلاق نعوت غير دقيقة!!

 

وأخيراً: ففضل الله لم يكن صادقاً مع نفسه في دعواه نصرة المقاومة دائماً ومبدئياَ.. ففي حلقة بن جدو المعادة، تهرب كثيراً من تحديد موقف مؤيد صريح للمقاومة العراقية، فقد وضع لها قيوداً عجيبة مثل دراسة الوضع قبل اتخاذ قرار بالمقاومة، ولجأ إلى المخاتلة ورفض الإقرار بأن المقاومة في العراق سنية محضة!! ولم يوجه ولو همسة نقد لتآمر السيستاني مع الاحتلال الصليبي للعراق وإفتائه رهطه بتحريم مقاومة الغزو الأجنبي الغاصب!!

 

فليس المهم في رأيي المتواضع أن أحكم على فضل الله بالاعتدال من عدمه، وإنما أشدد على ضرورة الانضباط قبل إطلاق الأحكام ولا سيما في وسائل الإعلام العامة!!