14 جمادى الثانية 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أرغب بالزواج.. ولكن تعرض أمامي مشكلتان؛ الاولى: ليس لدي مورد مالي، وافتقر إلى وظيفة؛ لأنه ليس لدي شهادة تعينني على الالتحاق بوظيفة ما. والثانية: وهي الأهم مشكلة الاختيار؛ حيث أجد صعوبة في تحديد المواصفات التي يجب أن تتحلى بها الفتاة التي أرغب في الزواج بها؛ رغم كثرة العروض التي يقدمها الأهل لي لكني متردد دائمًا.. أرجوكم أفيدوني بحل
وشكر الله لكم.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
لا شك أن الزواج شرعة كونية؛ رغّب فيها الإسلام، وحث عليها القرآن، ودعت لها السنة النبوية، وذلك لما وراءه من أهداف، وما يحققه من مقاصد، قال تعالى: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات- 49]، وقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ) [يس- 36]. وقد وصفه الله سبحانه وتعالى بالميثاق الغليظ؛ فقال عز وجل لزواج الذي سماه الله تعالى في القرآن (... وَأَخَذْنَ مِنْكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء- 21]. وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
وقد وضع الإسلام للزواج أهدافًا نبيلة؛ تأتي في مقدمتها: تأسيس الأسرة المسلمة التي هي الخلية الأولى للمجتمع المسلم والأمة المسلمة، حيث يعتبر الزواج البداية الحقيقية للبيت المسلم بأركانه التي أشار إليها القرآن في قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم - 21].
وإذا كان الأصل كما قال ابن حزم أن "الزواج فرض على القادر"؛ وهو في أيامنا هذه أفرض؛ حيث تنتشر الفتن، وتزاد المغريات، غير أن للزواج شروط في مقدمتها: توفر الباءة (وهي القدرة على النفقة التجهيزية والمعيشية)، وعليه فإنه ليس واجبًا في حق الفقير الذي لا يملك الباءة، ولا المريض الذي لا يملك القدرة الجسدية.
أما عن استشارتك فإنني أستعين بالله وأقول لك: مادمت لا تملك الباءة (كلفة الزواج و نفقات المعيشة) إذ ليس لديك مورد مالي، ومادم ليس لك راتب شهري تعيش منه، لأنك تفتقر إلى وظيفة؛ لكونك "ليس لدي شهادة تعينني على الالتحاق بوظيفة ما"، وما دمت لم تذكر في رسالتك أنك تحترف مهنة تتكسب منها (كهربائي/ سباك/ نجار/ لحام/ خطاط/....) فإنه من غير المنطقي أن تفكر في الزواج (الآن)؛ فلتنتظر حتى يتبدل حالك إلى الأفضل، لكن لا تجلس تنتظر أن يتبدل حالك دون جهد منكم(!)، كما أنصحك بالبحث أولا في نفسك لتكتشف إمكاناتك، وحتما ستجد ما تمتاز به عن أقرانك، ومن خلال هذا الشيء يمكنك أن تبحث عن فرصة عمل تناسب قدراتك وإمكاناتك.
أما عن مشكلة الاختيار؛ فقد أرشد الإسلام الراغب في الزواج إلى اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين القويم، والخلق الكريم، والمنشأ الطيب، الودود الولود، فققد روى أبو هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" (أخرجه البخاري ومسلم). وروى أبو داود والنسائي عن معقل بن يسار (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم".
ومن هنا فإنه ينبغي للراغب في الزواج أن يتمهل ويتروى في اختيار شريكة حياته وأم أولاده؛ فإذا وجد من يظن أنها هي فعليه أن يسأل عن دينها وخلقها، وأن يطمئن إلى حسن سيرتها واستقامة سلوكها، وقد وضع الإسلام عدداً من القواعد التي يختار المسلم زوجته وفقًا لها وهي:-
1- الدين: لأن الدين يعصم الزوجة من الوقوع في المخالفات الشرعية، ويبعدها عن المحرمات، فهي أكثر حرصًا على طاعة ربها، وأشد حرصًا على البعد عن معصيته سبحانه، لذا بالغ الإسلام في الحَث على اختيار ذات الدين؛ "فاظفر بذات الدين تربت يداك".
2- حسن الخلق: وهذا الشرط مرتبط بالشرط الأول وهو الدين، لا بد أن تكون صاحبة خلق رفيع، لأن دينها يمنعها من فحش القول، وبذاءة اللسان.
3- الودود: وهي المرأة التي تتودد الى زوجها، وتتحبب اليه، وتبذل وسعها في مرضاته، فتقبل علي زوجها تحيطه بالمودة والحب والرعاية وتحرص علي طاعته ليتحقق بها الهدف الأساسي من الزواج وهو السكن. قال تعالى: (عُرُبًا أَتْرَابًا) [الواقعة- 37).
4- البكارة: فالمعروف أن المرأة البكر مجبولةٌ علي الأنس بأول أليف لها، وهذا يحمي الأسرة من كثير من المنغصات، وهو ما دل عليه السَّر الإلهي في جعل نساء الجنة أبكاراً، حتى تكون المحبة بينهما أقوى والصلة أوثق.
5- الولود: أي المؤهلة إنجاب الأولاد، وهذه تعرف تخمينًا من أمرين هما: خلو جسدها من الأمراض التي تمنع الحمل، وهذا يرجع فيه إلى أهل الاختصاص من الأطباء الأتقياء، والثاني أن ننظر في حال أخواتها المتزوجات، فإن كنَّ من الصنف الولود فهي ولود إن شاء الله.
6- التكافؤ بين الزوجين: والمقصود به التقارب في السن والثقافة والنسب والحالة المادية، وذلك لدوام العشرة وحفظ مستوى الحياة الزوجية، وحدوث الانسجام بين الزوجين.
7- الجمال: والمقصود به هنا جمال الجسد وحسن المنظر، وهو مما تحصل به العِفة وإسعاد الزوج، كما ورد التحذير من الانخداع بجمال المرأة الظاهر، دون نظر إلى الجمال الحقيقي، والمتمثل في الدين ومكارم الأخلاق، وطيب المعشر، فقد روي عنه قوله: "لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين" (رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما).
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يرزقك عملا طيبًا تحصد منه مالا حلالا، وأن ييسر لك الزوجة الصالحة التي إذا نظرت إليها سرتك، وإن أقسمت عليها برتك، وإن غبت عنها حفظتك في مالك وعرضك وولدك. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.