24 ذو الحجه 1431

السؤال

أعاني من الشهوة الجنسية كثيراً، وقد انكويت بنارها، وما زلت أنكوي، لكني لم أقع في أية فاحشة، وإذا خلوت بنفسي مع الإنترنت أو غيره، أقلب الصفحات المحرمة يمنة ويسرة، وقد عانيت من هذا الواقع الذي لا يرضي الله كثيراً، لكني - ولله الحمد- أتوب بين فينة وأخرى.
والمشكلة أنني حافظ لكتاب الله، وأخشى أن أنساه؛ بسبب ما أفعل في الخلوات!!!.. فما الحل؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
على الرغم من أن استشارتك هذه تدمي القلب، وتبكي العين؛ لكونك (حافظ لكتاب الله)؛ فإن أجمل ما فيها: اعترافك بالذنب (إذا خلوت بنفسي مع الإنترنت أو غيره، أقلب الصفحات المحرمة يمنة ويسرة)، وحرصك على ألا تقع في الفاحشة وطلبك للتوبة (لكني- ولله الحمد- أتوب بين فينة وأخرى)، وخوفك من أن يعاقبك الله فينسيك حفظ كتابه الكريم (وأخشى أن أنساه؛ بسبب ما أفعل في الخلوات)!
ورغم أنك لم تبين لنا في استشارتك: كم عمرك؟، وهل أنت متزوج أم لا؟، وهل تعيش بمفردك أم وسط أسرة؟، إلا أن الغالب على حالك أنك في سن الشباب أو الدراسة، وأنك لم تتزوج بعد، وأنك تعيش وسط أسرة، وعليه فإنني أستعين بالله وأحدد ردي عليك في النقاط التالية:-
1- استعذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم: قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف/ 200 -201].
2- أكثر من الدعاء والتضرع إلى الله: واسأله سبحانه وتعالى أن يخلصك من هذه الذنوب؛ قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر- 60]، وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة - 186]، وقال رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يداه إليه أن يردهما صفراً خائبين".
3- داوم على الاستغفار: قال تعالى: (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر اللَّه يجد اللَّه غفوراً رحيماً). [النساء - 110]. وقال تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا اللَّه ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون). [آل عمران 135]. وعن أنس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال: سمعت رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ) يقول: قال اللَّه تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة رواه الْتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
4- لا تقنط من رحمة الله: فعن أبي هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال: قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ): "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب اللَّه تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون اللَّه فيغفر لهم" (رواه مُسْلِمٌ).
5- إن كنت تملك الباءة عجل بالزواج وإلا فالزم الصوم: ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". فإذا كان الصوم مسكن مؤقت للشهوة فإن الزواج قامع للشهوة المحرمة، لأنه يطفئ نارها في الحلال ويزيد أجر صاحبها. فقد قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ): "وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رَسُول اللَّهِ أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" (رواه مُسْلِمٌ).
6- تجنب الخلوة وانتبه لمكر الشيطان: فإنها تفتح الباب لدخول الشيطان، والانفراد بالعبد؛ وتزيين المعاصي وفعل المنكرات له، كما أن الشيطان يمكر على العبد فيهون عليه من أمر المعصية قبل الوقوع فيها، حتى إذا وقع في المعصية هول عليه أمر التوبة، (... إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [يوسف - 5]. وقال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم - 22].
7- أقلع عن الذنب وقاطع وسائل المعاصي: فإن المنطق يقتضي أنه ما دام الإنسان قد استقر في خلده أن معصيته لله مرتبطة بالدخول على شبكة الإنترنت، ومطالعة المجلات أو الصور الخليعة، أو مشاهدة الأفلام الإباحية، فقد أصبح واجبًا عليه أن يقاطع هذه الوسائل، حتى يشفى من مرضه، والحد الأدنى أن لايخلو بنفسه عندما يطالعها، والأفضل أن يجعل جهاز الحاسوب الخاص به أو الذي يستخدمه في ارتكاب هذه المعصية في مكان مفتوح مثل الصالة أو غرفة المعيشة وأن يجعل واجهته في اتجاه الناس، حتى يقطع الطريق على الشيطان، ويحاربه بنفس أسلوبه وهو المكر.
8- بادر بالتوبة والرجوع إلى الله: واطلب منه العفو والمغفرة عما مضى، وعده ألا ترجع إلى المعصية ثانية، وإذا غلبك الشيطان وعدت فجدد التوبة، وجدد الوعد لله بعدم العودة، وعلى قدر إخلاصك سيعينك الله على التخلص من هذا الداء.
9- اتخذ لك صديقًا صالحًا تذكرك بالله رؤيته: فأكثر من الجلوس معه، ذاكرا سويًا إذا كنت في مرحلة دراسية، أو اخرجا للتنريض سويًا، وأنصحك بممارسة إحدى الرياضات البدنية، فإنها مما يهدئ الشهوة ويكسر حدتها.
10- حافظ على أداء الصلوات في الجماعة بالمسجد: واتخذ لنفسك وردًا من القرآن الكريم (جزء كل يوم)، وكذا وردًا من الأذكار والتسابيح المشروعة والمأثورة عن النبي وأصحابه الكرام.
وختامًا؛ فإن الحل بيدك أنت، ولا يحتاج منك سوى وقفة جادة، وموقف حازم؛ نسأل الله (عز وجل) أن يصلح فساد قلوبنا، وأن يهد قلبك للاستجابة لنداء الشرع والعقل والمنطق، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.