عملية "باجرام" تقلب موازين القوى لصالح طالبان .. أوباما يدفع جنوده إلى حتفهم
10 جمادى الثانية 1431
عبد الباقي خليفة

مثلت عملية " باغرام " في 19 مايو 2010 م والتي أكدت حركة طالبان أنها أودت بحياة 60 من قوات الاحتلال الأطلسي وتوابعه ، بقيادة أمريكا في أفغانستان ، منعرجا جهاديا جديدا يؤكد الطبيعة التصاعدية للعمليات النوعية التي تقوم بها المقاومة في أفغانستان منذ 2001 م . فقد قام 7 من الاستشهاديين من الدخول إلى قاعدة باجرام تحميهم بعد الله مجموعة إسناد تتكون من 13 مجاهدا قام 4 منهم بتفجير أنفسهم داخل حشود من جنود الاحتلال وقتلوا 60 منهم بينهم عدد من الضباط وجرحوا العشرات . وفق رواية طالبان فيما تكتمت قوات الاحتلال عن خسائرها البشرية ، لكنها اعترفت بنجاعة استراتيجية المقاومة وتكتيكاتها المختلفة . لقد كان لطالبان في عملية باجرام ، ( باجرام، نوع من الزهور ينتج أفضل أنواع العسل في البوسنة ومنطقة غرب البلقان ) شهود عيان ، هم مجموعة الإسناد المكونة من 13 مجاهدا ، والذين أفادوا بأن " مخزنا كبيرا للوقود انفجر مسببا حريقا هائلا ألحق أضرارا كبيرة بالمباني الموجودة في قاعدة باجرام . بينما عادت مجموعة الاسناد إلى قواعدها سالمة . مما يعني أن العملية استشهد فيها 7 مجاهدين ، وهو ما اتفق حوله الطرفان ، المجاهدون وقوات الاحتلال الأطلسي وتابعيها .

 

لقد جرت العملية في ساعات الفجرالأولى ، وهي من ذلك النوع الذي أرعب الروس على مدى سنوات الجمر في أفغانستان ، حيث يعلم المجاهدون الأرض والتضاريس ، وهم ملوك الليل في وقت الحرب ، يسيطرون على كل أفغانستان في الليل ويتركون بعضها في النهار ، وبالتالي فإن عملية باجرام تذكرنا بآخر أيام الروس في أفغانستان عندما كانوا يفكرون جديا في الخروج من المستنقع الأفغاني ، وكانت قواعدهم العسكرية هدفا لهجمات المجاهدين ، وقد امتلأت قلوبهم رعبا ، حتى كان المجاهدون يلاحقون دباباتهم ويصعدون فوقها ويخرجون طاقمها فيأسرونه ، أويدمرون تلك الدبابات من خلال الكمائن الجاهزة ، إذا تعرض مهاجموهم لأذى من قبل برج الدبابة ومدفعها الرشاش ، حتى أصبح ذلك مصدر رعب لدى الطواقم التي كانت تفضل الاستسلام على الموت في داخل الدبابات .
ويبدو من وصف قوات الاحتلال لعملية باجرام ، مدى القوة التي أصبحت تتمتع بها طالبان داخل أفغانستان ، فقد وصفتها ب " الاشتباكات العنيفة استخدمت فيها الصواريخ والأسلحة الخفيفة والقنابل اليديوية " وإذا علمنا أن الاحتلال يتحدث عن مجموعات من المقاتلين البواسل مقابل حلف شمال الأطلسي بعدته وعتاده ، وبقوات من شرق أوربا وأمريكا واستراليا وكندا ندرك مسارات الأحداث وما يجري في أفغانستان .

 

هذه المجموعة المقاتلة التي تستمد العون في حربها ضد الغزاة من الله سبحانه وتعالى ، ثم من دعم شعبها الصابر المصابرهي التي تدوخ حلف شمال الأطلسي ، كما دوخت الروس من قبل ، ولا تخلو نشرة أخبار على المحطات التلفزيونية ، أو يصدر عدد جديد من جرائد العالم ، ولا تخلو نشرة الكترونية من أخبار المقاومة الأفغانية ، وجهاد حركة طالبان ، والحزب الاسلامي ، ومجاهدي مولوي حقاني . وفي كل الأخبار المتعلقة بجهاد الافغان ضد الغزاة المكون جيشهم من مساهمات أكثر من 40 دولة حول العالم ، يتحدثون عن " هجمات مقاتلي حركة طالبان الشرسة " وتزداد خسائر الحلف المادية والبشرية والمالية كلما زاد في عدد جنوده ، واعتماداته المالية لحربه القذرة في أفغانستان . كما هو الحال مع ألمانيا ، وبريطانيا ، وفرنسا ، فضلا عن ايطاليا التي طالب وزير دفاعها اينياتسو روسا بزيادة المخصصات المالية بينما يزداد الفقر في ايطاليا وتغلق المصانع أبوابها ويرمى عمالها في الشارع . فقد أعلنت ايطاليا عن عزمها ارسال 700 جندي إضافي إلى أفغانستان ، وارسال مركبات مصفحة لحماية الجنود الايطاليين الذين يعملون ضمن قوات الاحتلال ، وسيصل عدد الجنود الايطاليين في أفغانستان حتى نهاية العام الجاري نحو 4 آلاف جندي .

 

وإذا علمنا أن قاعدة باجرام تتمتع بتحصينات قوية وتحيط بها الاضواء الكاشفة والأسلاك المكهربة العالية وجدر خرسانية متينة ، فإننا ندرك أيضا بأن المقاومة الأفغانية نجحت في اختراق تلك التحصينات ، أكثر من مرة ، الأمر الذي أربك الاحتلال وزرع الرعب في قلوب جنوده مما رفع من حالات الانتحار والهروب من الخدمة العسكرية ، والاصابة بحالات الهيستيريا ، والاقدام على ارتكاب جرائم فضيحة عند العودة إلى بلدانهم . فقد هاجم المجاهدون قاعدة باجرام إبان وجود نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني في باجرام في 27 فبراير 2007 م ، وقتلوا 4 جنود من قوات حلف شمال الأطلسي .

 

لقد جاءت عملية باجرام بعد عملية جريئة في العاصمة الافغانية كابل قتل فيها 18 شخصا من بينهم 5 جنود أمريكيين . حيث كشفت وزارة الدفاع الأمريكية ، البنتاغون ، هويات الأمريكيين الخمسة الذين قتلوا في التفجير الذي استهدف مركزا للاستقطاب والتجنيد في العاصمة كابل . وأشار، البنتاغون ، أن من بين القتلى الخمسة ، ضابط برتبة عقيد ، واثنين برتبة مقدم ، وكشفت البنتاغون عن أسماء الضباط القتلى ، وهم العقيد جون ماكهيو ( 46 سنة ) من نيوجرسي ، والمقدم بول بارتز ( 43 سنة ) من ويسنكسون ، والمقدم توماس بيلكوفر ( 44 سنة ) من أوهايو ، ثم الرقيب أول ريتشارد يايمان ( 28 سنة ) من بنسلفانيا ، والمجند جوشو توملينسون ( 24 سنة ) وهو من لويزيانا . كما قتل في الانفجار ضابط كندي . وإلى جانب عدد القتلى من تحالف شمال الأطلسي ، دمرت 5 مركبات عسكرية أمريكية و13 سيارة مدنية .

 

لقد تزامنت هذه الخسائر لحلف شمال الأطلسي والمنضوين تحت قيادته في أفغانستان ، مع عودة الصراع مع حامد كرزاي ، حيث بدأ الحديث عن تخفيض حاد للقوات الأمريكية في أفغانستان بحجة عدم وجود شريك جدير بالثقة ، كما جاء على لسان مبعوث الامم المتحدة إلى أفغانستان سابقا ، بيتر جليريث ، " يجب على الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها أن تنظر في اجراء خفض حاد في حجم قواتها في أفغانستان لافتقارها إلى شريك جدير بالثقة في كابل " وحذر من مقتل المزيد من الامريكان " الذين سيجدون أنفسهم محشورين وسط حرب أهلية وهو ما سيزيد من صعوبة مهمتهم . فهل الحرب الأهلية هي ما تعمل أمريكا وغيرها على إحداثها في أفغانستان ؟ لا سيما وأن عدد قتلى قوات الاحتلال الأجنبية في أفغانستان منذ بدء العام الجاري قد تجاوز الميئتي قتيل ، حتى منتصف مايو 2010 م ، فقد قتل في 17 مايو جنديان ايطاليان في انفجار لغم يدوي الصنع عند مرور قافلتهما قرب هيرات غرب أفغانستان ، وأصيب جنديان آخران في الحادث . وفي نفس اليوم وبعد ساعات قليلة قتل جنديان آخران تابعان للاحتلال بقنابل يديوية الصنع في غرب وجنوب أفغانستان . ولم تحدد قوات الاحتلال هوية الجنديين القتيلين ، وهو ما دأبت عليه ، عندما يتعلق الأمر بهويات تثير بعض الحساسيات . كأن يكونا مسلمين من دول مغلوبة على أمرها . ويتوقع أن يزيد عدد قتلى الحلف في افغانستان عن حصيلة العام الماضي ، حيث قتل 520 جنديا من قوات الاحتلال وعد عام 2009 م الأكثر دموية . وتوقع زيادة القتلى هذا العام مرده إلى اعلان الاحتلال عن زيادة في عدد قواته في أفغانستان هذا العام لتصل إلى 150 ألف جندي وهو ما يسهل من مهمة المقاومة في قتل أكبر عدد ممكن ، كما هو الحال للصيادين المتعاملين مع قطعان الحمر الوحشية أوطيور الزرزور، فكلما كثر عددها كان امكانية إصابة الكثير منها أكثر وقوعا . لا سيما وأن أغلب القوات الجديدة من المرتزقة الامركيين . وهو ما توقعه رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الأميرال مايكل مولن " ينبغي توقع سقوط مزيد من القتلى في صفوف قوات الاحتلال وخصوصا الامركية " وقال " هذه المهمة ستكون أصعب بكثير مما كانت عليه قبل عام " وأضاف " لقد قلت لقواتنا بأن يستعدوا لمزيد من المعارك ومزيد من الخسائر لأن المقاتلين أصبحوا أكثر عنفا وأكثر تطورا وأكثر فعالية " وأشار إلى أن المقاومة " احفظت بكامل قوتها بعد معارك هلمند " وتمكنت من زرع ألغام جديدة بعد تنظيف حواف الطرق بوقت قليل . وهكذا نرى استراتيجية أوباما تدفع جنود بلاده إلى حتفهم مع سبق الادراك والمعرفة والاصرار ونية الانتحار .أو الاصرار والترصد كما يقال في القضايا الجنائية .