أنت هنا

المليارات المبذولة بين الابتعاث التقني والابتعاث النظري
3 جمادى الثانية 1431
الهيثم زعفان
تسعى المملكة العربية السعودية من خلال نظام الابتعاث الخارجي، إلى اللحاق بركب التقدم ونقل الخبرات التقنية والتكنولوجيا العالمية إلى ربوع المملكة ومحافلها العلمية، وذلك حتى تتكرس الخبرات العلمية والعملية العالمية التقدمية على أرض الوطن، ويصير الوطن مشبع بمناخ تقني وعلمي متقدم يسمح بتطوير الإبداع، ورعاية النوابغ والمبدعين، ومن ثم تقدم الصناعة الوطنية، ورفعة شأن كافة المجالات التقنية والطبية والمعرفية في السعودية.
من هنا تحددت أهداف برنامج الابتعاث لخارج المملكة في الآتي:
1)    ابتعاث الكفاءات السعودية المؤهلة للدراسة في أفضل الجامعات في مختلف دول العالم.
2)     العمل على إيجاد مستوى عال من المعايير الأكاديمية والمهنية من خلال برنامج الابتعاث.
3)     تبادل الخبرات العلمية والتربوية والثقافية مع مختلف دول العالم.
4)     بناء كوادر سعودية مؤهلة ومحترفة في بيئة العمل.
5)     رفع مستوى الاحترافية المهنية وتطويرها لدى الكوادر السعودية. 
 
ومن هذا المنطلق التقدمي فإن أية ملاحظات نوردها هنا على نظام الابتعاث فهي من باب التناصح وتحقيق المصالح، وتقديراً في ذات الوقت لطلب العلم النافع وجلب التقنيات الحديثة لخدمة وتطوير أبناء المسلمين.
 لكن قبل التعرض للملاحظات الجوهرية دعونا ابتداءً نقترب من بعض الإحصائيات والأرقام المرتبطة بنظام الابتعاث، وذلك حتى نقف على حجم النظام وتكلفته المالية ومن ثم مردوده المأمول.
 
أولاً..... إطلالة إحصائية على نظام الابتعاث السعودي:
توضح وزارة التعليم العالي السعودي أن أعداد المبتعثين لخارج المملكة العربية السعودية ارتفع إلى 70 ألف مبتعث مقابل 14 ألف قبل 4 سنوات.
وبحسب نائب وزير التعليم العالي الدكتور علي العطية فإن تكلفة برنامج الابتعاث للسنوات الخمس الماضية وصلت إلى 15 مليار ريال، دون إضافة تكاليف إلحاق الزوجات والأبناء.
كما أفادت وزارة التعليم العالي أنها ستزيد عدد المبتعثين في الخمس سنوات المقبلة ليصل عددهم إلى 140 ألف طالبة وطالب، على أن يستقطب 70 في المائة من الدفعة الأولى منهم عند تخرجهم للعمل في الجامعات الناشئة في المملكة.
وتقسم الوزارة الدول المبتعث إليها إلى فئتين (أ) و (ب) حيث تمثل الفئة (أ) الدول ذات المعيشة الغالية مثل أمريكا، بريطانيا، كندا، أستراليا، بينما الفئة (ب) تمثل الدول ذات المعيشة المنخفضة مثل باكستان، ماليزيا، الهند، الصين.
وفي محاولة للوصول إلى التكلفة الإجمالية لبرنامج الابتعاث قدم الباحث السعودي المهندس "نايف بن سيف العريفي"، دراسة إحصائية بها عدة جداول إحصائية قامت على أساس أن عدد المبتعثين خارج المملكة 45 ألف مبتعث، بدورنا سنقدم بعض المؤشرات الإحصائية التي استند إليها الباحث، ثم نردفها بحسابات جديدة مبنية على إحصائيات وزارة التعليم العالي الحديثة، والتي تحدد نسبة المبتعثين بـ 70 ألف مبتعث ومأمول أن تصل إلى 140 ألف مبتعث.
في الجدول التالي قام الباحث بحساب التكاليف الشهرية للراتب لكل من المبتعث والمبتعثة مع محرمها والمبتعث المتزوج مع طفل والمتزوج مع طفلين ولم يتطرق إلى من معه أكثر من طفلين.
 
   الفئة
 
مبتعث أعزب
 
    مبتعثة مع   
     محرمها
   مبتعث وزوجته وطفل    
مبتعث وزوجته     
    وطفلين     
 
فئة (أ) بالريال
6929.15
12220.82
13647.9
15074.49
فئة (ب) بالريال
4512.49
7929.16
8887.49
9845.83
 
وقد قام الباحث بحساب التكلفة على أساس أن عدد الطلاب 45 ألف طالب، وافتراض أن مدة دراستهم هي خمس سنوات، مع أخذ راتب وسط لكافة المبتعثين وهو راتب المبتعثة مع محرمها دون أطفال، وبافتراض الباحث أن متوسط الرسوم التي تدفعها الوزارة للجامعات مقابل دراسة الطالب لفصلين دراسيين هي 53 ألف ريال، بناءً على تصريحات الوزارة، وعليه فقد قام الباحث بحساب مجموع التكلفة ليوضح في النهاية أن مجموع المنصرف على برنامج الابتعاث أكثر من 44 مليار ريال سعودي.
لكننا هنا سنحسب على أساس الرقم النهائي الذي أعلنته وزارة التعليم العالي وهو أن عدد الطلاب هو سبعين ألف طالب، وبمتوسط حسابي لرواتب المبتعثين شهرياً وهو عشرة آلاف ريال، مع تثبيت مدة الابتعاث خمس سنوات، وافتراض ثبات متوسط المصروفات الدراسية 53 ألف ريال، بغض النظر عن الزيادات السنوية المضطردة، وعلى ذلك ستأخذ الإحصائيات الشكل التالي:
 
عدد الطلاب
التكلفة الشهرية
التكلفة السنوية
مجموع التكلفة
70000
700000000
8400000000
42000000000
 
 
وإذا كان متوسط المصروفات الدراسية هو 53 ألف ريال فإن تكلفة الجامعات ستكون:
 
عدد الطلاب
التكلفة السنوية للجامعات
مجموع التكلفة بالريال
70000
3710000000
18550000000
 
وعلى ذلك تكون النتائج النهائية، وتكلفة برنامج الابتعاث السعودي هي:
 
تكلفة الرواتب الشهرية
تكلفة رسوم الجامعات
التكلفة الإجمالية للابتعاث
42000000000
18550000000
60550000000
 
أي أن التكلفة الإجمالية لبرنامج الابتعاث تبلغ أكثر من 60 مليار ريال، وإذا كان المأمول أن يصل عدد المبتعثين إلى 140 ألف مبتعث خلال خمس سنوات فمعنى ذلك أن التكلفة ستتضاعف إلى أكثر من 120 مليار ريال سعودي.
 فهل المردود على قدر المبذول؟ سؤال نترك إجابته لكافة أطياف المجتمع المراقبة لخطى تقدمه وتطوره.
 
ثانياً... الابتعاث التقني والابتعاث النظري
لا ينكر أحد أن الدول الغربية وبعض دول الشرق الأقصى كاليابان قد بلغت مبلغها من العلوم التقنية والطبية، وهناك فجوة واسعة بين الدول العربية وباقي الدول المتقدمة في تلك المجالات التقنية، من هنا نجد وزارة التعليم العالي قد حددت تخصصات الابتعاث في الآتي:
(الطب، طب الأسنان، الزمالة- الصيدلة- التمريض- العلوم الطبية: الأشعة، المختبرات الطبية، التقنية الطبية والعلاج الطبيعي- العلوم الصحية: التغذية، السجلات والملفات- الهندسة: المدنية، المعمارية، الكهربائية، الميكانيكية، الصناعية، الكيميائية، البيئية، الاتصالات والآلات والمعدات الثقيلة- الحاسب الآلي: هندسة الحاسب، علوم الحاسب، الشبكات... الخ- العلوم الأساسية: الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء- تخصصات أخرى: القانون، المحاسبة، التجارة الالكترونية، التمويل، التأمين والتسويق).
المدقق في التخصصات المسموحة السابقة يجد أن جلها يدور حول العلوم التقنية باستثناء تخصصات القانون، ومتعلقات الاقتصاد وهنا عدة وقفات نوردها كالآتي:
1-      من المعلوم أن كافة النظم القانونية والاقتصادية في البلدان الغربية إنما هي نظم وضعية وعلمانية، فهي تكرس الأهواء، ولها موقف معاد للدين، وعليه فإن تعمق الدارسين في تلك المجالات يكرس عندهم العلمانية، ويزيد من فجوة الارتباط عندهم بين الإسلام والتطبيقات العملية للأحكام الشرعية في المعاملات المالية والأحكام القضائية، لأن جامعات الدول الغربية التي ابتعثوا إليها لتحصيل العلم في القانون والاقتصاد، تنظر للدين بنظرة كنسية، ولا تعتقد في تنظيم الإسلام لشئون العباد الاقتصادية والاجتماعية.
2-      أنعم الله على المملكة العربية السعودية بنعمة تحكيم الشريعة الإسلامية، ومن ثم فهي تسعى لبسط الإسلام في كافة القطاعات العلمية والمعاملاتية، فنظم التعليم مرتبطة بالإسلام، والقضاء اليد الطولى فيه للأحكام الشرعية، ونظم الاقتصاد والمعاملات المالية منضبطة بالأحكام الشرعية، كما أن مستجداتها محل نظر الهيئات الشرعية المراقبة لتلك التعاملات المالية، وعليه فإن قيادات المستقبل الذين يتم ابتعاثهم الآن لتحصيل درجات متقدمة في الرؤية الغربية للقانون والاقتصاد، ستشكل عقولهم وفق الرؤية الغربية بما فيها من نظم وضعية تشريعية تزاحم الشريعة الإسلامية، ونظم اقتصادية ربوية تسير عكس مسار النظام المالي الإسلامي، ومن ثم سيصير هناك فريقان، فريق تنشأ على أرض الوطن على ضوء الكتاب والسنة والأحكام الشرعية الضابطة والمنظمة للتعاملات المالية والمسائل القضائية، وفريق آخر اجتهد في تحصيل نظم تزاحم الإسلام في تشريعاته وتنظيماته المالية والقضائية، وحينها سيحدث الخلل والصراع الشرعي والعلماني في المجتمع السعودي.
3-      المتأمل لتخصصات القانون والاقتصاد مقارنة بباقي المجالات التقنية يجد أنها أكثر التخصصات توفيراً لأوقات الفراغ فالدراسة أغلبها نظري، بخلاف التطبيقات العملية لباقي التخصصات التقنية في المعامل والمستشفيات والمصانع، والتي تستهلك معظم وقت المبتعث، وعليه فإن مبتعث العلوم النظرية لديه من الوقت الكثير ليدمره في استكشاف الوجوه المختلفة للحياة الغربية، ومن ثم تحدث الحوادث الفردية الخلقية التي تطالعنا بها الصحف العالمية والمحلية، وبسببها يشتد الهجوم على نظام الابتعاث. 
4-      في ضوء الإحصائيات الرقمية التي أوردناها في بداية المقال، ترى كم من المليارات ينفق في تحصيل علوم النظام السعودي في الأساس يعتمد في تطبيقاتها على أحكام الشريعة الإسلامية، ومن ثم فإن توجيه المليارات المعتمدة لتلك المعارف النظرية إلى الاهتمام بالعلوم الشرعية وعلماء الشريعة والقضاء الشرعي وتطوير المنظومة المالية الإسلامية في الداخل، سيأتي بإذن الله بنتائج فعلية ومباشرة على أرض المملكة وسيحفظ الهوية الإسلامية من الذوبان في هوجة الحلول القضائية والمالية المستوردة من الغرب بشقيه العلماني والكنسي.
5-      تأسيساً على ما سبق، فإن من تلقى دراساته العليا في القانون والاقتصاد بفرنسا وأمريكا وانجلترا وفق نظام الابتعاث، سيكون محل نظر كافة الآملين خيراً من الابتعاث، ومن ثم سيتم وضعه في المناصب القيادية في القضاء، والمؤسسات المالية، ليسير أمورهما وفقاً للقواعد الغربية للقانون والاقتصاد التي تعلمها في الغرب، والقائمة كلها على العلمانية والوضعية والأهواء الربوية.
 

من هنا يكون من الضروري إعادة النظر في بند ابتعاث العلوم النظرية في مجالات القانون والمعاملات المالية، لأن علماء الشريعة الإسلامية الذين تذخر بهم المملكة قد أوفوا تلك المجالات كافة حقوقها، مع التشديد على ربط كافة المبتعثين لباقي تخصصات الابتعاث التقنية بالخالق عز وجل وقدراته وإعجازه، وأن يحرصوا على تحصيل علومهم وهم مستحضرين في وجدانهم عقيدة التفكر في آيات الله وآلائه البديعة في الكون.