ثقافة : كيف

(لا تعطيني كل يوم سمكة ولكن علمني كيف اصطاد السمك) ينطبق هذا المثل على واقع المجتمعات المتحضرة التي أوجدت مكانة لنفسها على الصعيد الدولي، ونجحت في الحصول على مصادر جديدة للتنمية والرقي غير الموارد التقليدية كالنفط او غيرها..

فريادة هذه المجتمعات لم يأت من فراغ، وانما من الجدية والمثابرة والابداع والاجتهاد في جميع قضايا الحياة، حتى صاروا يسوسون العالم بأدمغتهم وأفكارهم سواء كانت نافعة او ضارة.

 ولعل اهم  نتاج ابداعاتهم هي معرفة الكيفية في انتاج أي شيء، حيث اتخذت من "المعرفة للجميع" شعارا لها، وعرفوا ان قيمتهم مرهونة بانتاجهم، وتيقنوا ان حياتهم متوقفة على الذكاء المعلوماتي.
لذا فإن معرفة الكيفية، والإبداع، والذكاء، باتت المحور الاساسي اليوم في المنظومة الحياتية للمجتمعات المتقدمة، وصارت أهميتها تفوق أهمية رأس المال، أو المواد، أو العمالة، لاسيما أن أرقام الأمم المتحدة تشير الى أن اقتصادات المعرفه تستأثر الآن 7 ٪ من الناتج المحلي الاجمالي العالمي وتنمو بمعدل 10 ٪ سنويا.

المتأمل في التجارب القائمة يجد أن الواقع المضيء والمستقبل المشرق يتمحور حول  الاختراع والابتكار أو بالاحرى يعتمد على "اقتصاد المعرفة". فثورة المعلومات أصبحت تشكل أساس الإنتاج بحيث زاد الاعتماد بصورة واضحة على المعلومات والمعارف حتى صار أكثر من 70 % من العمال في الاقتصادات المتقدمه هم عمال معلومات، فالعديد من عمال المصانع صاروا يستخدمون رؤوسهم أكثر من ايديهم.

لذا فإن مجتمعاتنا أحوج ما تكون في الوقت الراهن الى عمال معلومات وأدمغة معارف لا عقول حافظة وجوارح مستهلكة وبطون ممتلئة. فمعرفة الكيفية في انتاج أي شيء في هذه الحياة هو سلاحنا اليوم لمواجهة تحديات العولمة التي لا تعترف بالتاريخ، ولا تحترم الخصوصية ، ولا تقدر الحضارات.

إن المعرفة المطلوبة هي كيفية تطبيق المعلومات والمفاهيم على عمليات الإنتاج في اقتصاد المعرفة، فالعامل الذي يتعلم مرة واحدة مهارة على أساس المعرفة يكون قد تعلمّ في الوقت ذاته شيئا آخر مهمّا.. وهو أنه تعلّم كيف يتعلّم.. والطالب بالجامعة ليس ذلك الطالب الذي يكدّس المعلومات وانما الطالب الذي يكتسب مفاتيح العمل في عصرنا ليعمل بطريقة أكثر ذكاء..

في الحقيقة تستحق ثقافة "كيف" من مؤسساتنا ومعاهدنا ان تنشرها وتدرسها وتنميها في مجتمعاتنا الفقيرة علميا والمتقدمة ماديا وبشريا ،ولكن دون جدوى تذكر على الساحة الانسانية، وبالتالي فإن مسئولية الجميع تتركز في اخراج جيل فريد من نوعه قادر على استعادة مكانة أمتنا الاسلامية مرة اخرى من خلا قيادة البشرية بثقافة "كيف" التي أصلها الاسلام في الجيل القرآني الاول مصداقا لقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) الزمر
إن اقتصاد المعرفة ليس بجديد على الاسلام لما يمثله العلم من محور اساسي في أدبياته الاساسية، ولكن المشكلة الرئيسة تكمن في ابتعاد أبناء الاسلام عن المعرفة والعلم والمعلومة، وعدم متانة  العقول الاسلامية في ايجاد الكيفية المناسبة لعالم السعادة الحقيقي في العالم.

فاذا خرج المسلمون من سباتهم العميق ، واستغلوا أدمغتهم في بسط الخيرية في أرجاء الحياة، فستعيش البشرية حياة سوية بعيدا عن الحروب والصراعات والافساد، لأن الاسلام ببساطة يمثل حقيقة معرفة خالق هذه الاكوان. والله ولي التوفيق.