كثرة الحركة .. والخروج من شرنقة الأم
19 جمادى الأول 1431
معتز شاهين

كثيرا ما نسمع شكاوى من الأمهات والأباء معًا حول كون طفلهم أو طفلتهم كثير الحركة أوالنشاط ، مما يسبب لهم مشاكل بداخل البيت وبالخارج ، ويمنع الطفل أيضًا من التواصل مع أقرانه ؛ أو التفاعل الاجتماعي مع الأقرباء والأصدقاء نتيجة لصخبه وكثرة حركاته

 وكثيرا أيضًا ما نجد الوالدين يشتكون أن تلك الحركات الزائدة قد أثرت سلبا على مستواه في التركيز مما قد يؤثر على مستواه التعليمي عند دخوله المدرسة.

 

 

وهنا نحب أن نوضح أن كثيرا من الأمهات والأباء يخلطون بين كثرة الحركة العادية الطبيعية لطفل تلك المرحلة ( 3 – 5 سنوات ) ، وبين ما يطلق عليه ( اضطراب الانتباه مفرط النشاط ADHD ) والذي له تأثير على مستوى التركيز والانتباه لدى الطفل مما يكون له أكبر الأثر على مستواه التعليمي في المستقبل.

 

 
والأول طبيعي وعادي لطفل يحاول الخروج من شرنقة الأم التي عاش في كنفها لمدة عامين تقريبًا قبل أن يُفطم ، ويحاول استكشاف العالم من حوله ، فمثله مثل كولومبوس مكتشف العالم الجديد ، لذا فلنأخذ في اعتبارنا أن كل شيء يراه الطفل في عالمنا هو شيء جديد بالنسبة له يحاول اكتشافه ومعرفة ما وراءه ، ومنع الطفل من ذلك الأمر يؤدي لمشاكل في نموه العقلي ويقتل روح الإبداع والاكتشاف لديه .

 

 

أما الاضطراب الثاني فله أعراضه ومستوياته التي تحتاج إلى تدخل علاجي سلوكي ، وخصوصا أنه لا يمكن لنا الجزم بوجود ذلك الاضطراب لدى أطفالنا قبل دخول المدرسة حتى ولو صدر منهم ما يشبه سلوكيات نقص الانتباه.

وكثرة الحركة في تلك المرحلة دليل ايجابي غالبا يدل على النشاط والحيوية كما يدل على التفاعل مع المحيط المتواجد فيه وعناصره المختلفة , وفي الأثر ( عرامة الصبي في صغره ، زيادة في عقله عند كبره ) ، وعرامة الصبي أي كثرة حركته ونشاطه .

فالحركة الكثيرة في تلك المرحلة ( الطفولة المبكرة ) هي مشكلة عائلية في الأساس وليست نفسية نتيجة لصعوبة السيطرة على الطفل كثير الحركة. فلنحاول التعامل مع تلك المشكلة في صورتها الصحيحة ، فالهدف ليس الإقلال من نشاط الطفل أو تحجيمه ، فهذا غير مقدور من الناحية العملية وغير نافع بالنسبة لنفسية الطفل ونموه العقلي ، ولكن فلنجعل هدفنا هو محاولة توجيه ذلك النشاط أو كثرة الحركة نحو أنشطة مفيدة لنمو الطفل.

 

 

ان الاطفال بكل ما يفعلونه يجربون ويكتشفون ويحفزون ذكائهم بأنفسهم ، لأنهم لم يجدوا شيئا من حولهم يحفز ذلك الذكاء ، ويحاولون كذلك تنفيس طاقاتهم المسجونة بداخلهم ولكن بصورة لا تتناسب معنا نحن الكبار وإن كانت تناسب طبيعة تفكيرهم القاصر.

لذا هناك بعض النقاط التي يجب مراعاتها عند تربية مثل هؤلاء الأطفال ومنها :

 

 

يجب أولا علينا احترام قدرات وعقول هؤلاء الأطفال، فلا نسفه ما يفعلونه .

ثانيا : يجب تفهم السبب من وراء كثرة الحركة لدى الطفل ، فلنسأل الطفل لماذا تتصرف هكذا ، ونتفهم السبب من وراء تلك الحركات ، ونحاول تفاديه أو تجنبه بعد ذلك إن أمكن.

ثالثا: يجب علينا توفير الوسائل والأدوات التي تساعد على تنمية قدرات هؤلاء الأطفال ، مع محاولة إيجاد بدائل للأشياء الخطرة ، مثل إذا كانت طفلة وتريد دخول المطبخ واكتشافه ، نحضر لها لعبة بها أدوات المطبخ – وهي متوافرة في الأسواق - ، أما الطفل فألعاب مثل الميكانو وتكوين الكلمات كافيه لهم.

 

 

رابعا : الحرية هي شعار تلك المرحلة في التربية ، الحرية في التعبير عن مواهبهم - طالما لم تخالف شرعًا ولا عرفًا - ، الحرية في تحديد أوقات تنفيس تلك المواهب - مع مراعاة مواعيد الدراسة -.

خامسا : تهيئة البيئة من حولهم لكي تكون بيئة محفزة لنمو ذكائهم وتطوره ، فلنحاول توفير مثيرات تحفزهم على التعبير عما بداخلهم من طاقات إبداعية مثل ( صورة طبيعية ، زيارات لأماكن ومعارض ،اشتراك في مجلات.. ) ،

سادسا : على الوالدين عدم التعامل بصورة عنيفة او حادة من صياح أو عقاب بدني ونحوه مع تلك الحركات الزائدة ، ولكن ليحاول الأب أو الأم لفت نظر الطفل بلعبة يحبها أو نشاط أخر يحب عمله ، وينادى عليه بابتسامة ، ولا ينهاه عن كثرة الحركة ولا يأمره بالجلوس ، فإن ذلك سيعطي نتيجة عكسية.

 

 

سابعا : يمكن استخدام طريقة ( لوحة النجوم ) ، فإذا قام الطفل بعمل سلوك إيجابي نعطيه نجمة مع توضيح السبب الايجابي الذي دفعنا لأعطاءه تلك النجمة ، وإذا قام بعمل سلوك سلبي تسحب منه نجمة أو اثنتان حسب طبيعة ونوع السلوك السلبي ، مع أهمية توضيح السبب السلبي . ثم يعطى هدية أو مكافأة ( قطعة شيكولاتة أو أيس كريم ) إذا وصل لعدد معين من النجوم .

ثامنا : على الوالدين محاولة الاستزادة في كم المعلومات حول الذكاء وطرق التعامل مع كل نوع من أنواعها ، فللذكاء ثمانية أنواع وهي: الذكاء اللغوي، والبصري الفراغي، والحركي الجسمي، والمنطقي الرياضي، والاجتماعي، والذاتي، والطبيعي، والموسيقي. ويختلف التعامل مع كل نوع عن الثاني ، لذا وجب على الوالدين التعرف أكثر على طرق التعامل المختلفة تلك.

 

 

تاسعا : في حالة لو استمر ذلك النشاط المفرط مع الطفل لسن المدرسة ، مما سيؤثر على مستواه الدراسي ، لذا سنحتاج ساعتها إلى تشخيص وتدخل سلوكي ، فيما يعرف – كما ذكرنا -  بـ ( اضطراب الانتباه مفرط النشاط ADHD )  ، والعلاج لمثل تلك الحالات ليس بالصعب ولا بعيد المنال. ويبدأ ذلك بالتعاون بين المعلم والبيت ، فعلى الوالدين وضع جدول يومي روتيني محكم ومقيد ، يلتزم فيه الطفل باتباع خطواته ، حتى يبدأ في التعود عليها ، ويشجع الوالدين الطفل بالمكافأت والإطراء في حالة تنفيذه بشكل مرضي ، ويراعى في تلك البرامج أن تكون قواعدها محددة وواضحة وبسيطة وسهلة وقليلة العدد إن أمكن ، كذلك يراعى في فترة ما قبل النوم أن تكون فترة هادئة بعيدة عن المشاحنات المعتادة بين الوالدين وأطفالهم ، مع تجنب البرامج التلفزيونية ذات الطابع المثير أو العنيف ، كذلك على الوالدين تجنب اصطحاب الطفل في رحالات طويلة بالسيارة أو للتسوق.

 

 

عاشرا :  دور المعلم يكون في تفريغ الطاقة الحركية لدى الطفل داخل الفصل ، بإسناد بعض المهام التعليمية الإضافية له ، كذلك محاولة جذب انتباهه بكافة الطرق والوسائل التعليمية ، وأيضًا إعطاءه كما صغيرا من المعلومات أو القصص ، وتكون مطروحة بطريقة شيقة وفي وقت قصير، بالإضافة إلى إعطائهم أنشطة قيادية تساعدهم على التقليل من الحركة
وختامًا لنحاول السباحة مع التيار ولا نقف في وجهه فيضعفنا ، ولنرفع شعار
( توجيه .. لا تحجيم )