19 محرم 1432

السؤال

أنا ملتزمة ولله الحمد، وحافظة ومعلمة للقرآن، ولكن زوجي غير ملتزم ومدمن على متابعة الأفلام والمسلسلات الهابطة، وأنا تصيبني الغواية فأشاركه في هذه المحرمات، والمشكلة الأكبر أنه غير حريص على الصلاة ويفوتها أياماً وشهوراً ولا يعترف لي بتقصيره، وإذا ذكرته قال حسناً سأصلي ولا يصلي، متزوجة منذ 4 سنوات ولم أنجب أطفالاً ولم أر حرصه على ذلك، لا يستغني عن وجودي في حياته لكنني لم أستطع تغييره والتأثير فيه بل أجد في نفسي ضعفاً وتأثراً به، أستغفر ربي وأشعر بتأنيب ضمير، وغير راضية عن حالي وحاله؛ فما رأيكم؟

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

تبدو عناية الله سبحانه بخلق الإنسان على فطرة قويمة وقبول للاستقامة وميل للتوحيد لو بعدت عنه المؤثرات المختلفة التي تبعده عن الإيمان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ": يولد المولود على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه".
ثم كرمه سبحانه بفضائل شتى، يستطيع بها أن يبلغ أعلى درجات التقوى كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. فكل مؤمن به استعداد مناسب للاستقامة، مادام قد قَبل لا إله إلا الله وآمن بالله واحد لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله.
ولكن قد تحدث له انتكاسه أو هبوط لإيمانه فينقص إيمانه، فالإيمان يزيد وينقص. يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، والإنسان يصيب ويخطئ، وكثير من الناس يتبعون سلوكيات سيئة لا تليق بهم كمسلمين، وقد يكون في ذات الوقت يقوم بسلوكيات حسنة وأفعال طيبة.
وقد علمنا منهجنا الإسلامي أن نحب الشخص بقدر الطاعات التي فيه ونبغض ما به من معاص وآثام، فنكون متوازنين وعادلين في الحكم على الناس.
ولي على رسالتك بعض ملاحظات:
أولا: يتبين من حديثك حرصك على الالتزام والتدين والسلوك القويم وهذا مشكور لك محمود، وينبغي أن يكون أثر ذلك الالتزام إنارة البصيرة التي لديك في الاختيار لزوجك وشريك حياتك بحيث يكون قريبا من ربه وأن يكون هذا هو الميزان الأول للاختيار، فلكم أستغرب أن تختار الصالحة التقية الملتزمة شاباً بعيداً عن طريق الإيمان!
فهل لم تستطيعي أن تنتبهي لأحواله تلك في الفترة الأولى والبدايات؟ وهل لم تشترطي عليه إرضاء الله كشرط من شروط بناء أسرتكم؟!
ثانيا: الأمر الأخر يعبر عنه ما قاله عمر بن عبد العزيز " ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رُزق بعد ذلك خيرا، فهو خيرٌ إلى خير".
فإنك رغم التزامك وحفظك للقرآن وكونك معلمة له لم تستطيعي أن تجاهدي نفسك أمام ما تنتقدينه فيه، بل قد وقعت في نفس الفخ، فلماذا إذن تلومينه وأنت قد شاركته النقيصة؟! فنحن الآن أمام شخصين في أزمة وليس شخصا واحدا هو زوجك فلتنتبهي لذلك.
ثالثا: كثير من النساء وخاصة في أول بدايات الزواج قد تجد بعض الفروق بينها وبين زوجها، مثلا اختلاف فكر، ثقافة، أو اختلاف طباع، وقد تحدث بينهما المشكلات على اقل القليل وعلى الزوجة ألا تعتبر نفسها خصما لزوجها فتتحداه أو تعانده أو تصلب رأيها معه، حتى لو علمت أن رؤيتها أصوب، عليها أن تصل إليه بخطى هادئة وعليها التواضع له في الرأي، فإن ذلك يزيد من حبه لها ويكون المفتاح لاحترام رأيها بعد ذلك فبالتالي يخضع لطريقة نصحها إذ يحترم أخلاقها.
رابعا: لابد عليك من تجديد النية بأن تستعيني بالله قبل أي شيء أن يساندك في الأخذ بيد زوجك بأفضل وأحسن طرق النصح، كما إنني أرجو أن يكون النصح لزوجك ليس بطريقة اللسان، بل بطريق القدوة أولا، فتُنفذين الطاعة فيراها فيتأثر بها فيكون لكلامك وقع وأثر، وتقيه من الخجل أو التعالي اللذين قد يدفعانه إلى رفض النصح، فابدئي بنفسك الصلاة في وقتها عند سماع الأذان مباشرة، وحدِّثيه بحديث عن فضائلها في وقت مناسب.
ادفعيه نحو أصدقاء الخير والصلاح.. لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
كما إنني أحب أن تهب نسمة إيمانية في بيتك ببعض الطرق البسيطة التي تترك أثرا خفيفا على النفس.
فصوت القران في البيت بصوت هادئ جذاب مؤثر, وأيضا وضع بعض الأدعية فيه والاهتمام بتجهيز مكتبة إسلامية بالمنزل شاملة بعض الكتب المفيدة لك وله.
أيضاً من وقت لأخر - بخفة ولباقة اطلبي منك أن يؤم بك ركعتين في جوف الليل- وفيها ادعوا الله أن يعينكم على طاعته وقدموا التوبة لله، فباب التوبة مفتوح فهو الجسر بين العبد وربه يقول الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طـه:82]. خامساً: فيما يخص متابعته للأفلام ومن ثم تأثرك به سلبا، أقول إن الأمر يدور مداره على القلب وسلامته، فإن صلح صلح سائر الجسد وإن فسد فسد سائره، فالعلاج يجب أن ينصب على القلب أولا.
أما عنك أنت فلا تحرمي نفسك من نعمة الإحسان وكوني رقيبة على نفسك وجاهديها لطاعة ربك، فالله سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: من الآية69].
واعلمي أيتها الأخت أن النصر مع الصبر فعليك أن تتحلى بالصبر عند نصح زوجك يقول الله سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: من الآية155].
واعلمي أن كثيرا من الناس تثقلهم الهموم والأحزان والمشاكل والأعباء فيجدون أن أفضل الطرق للهروب إما النوم أو إدمان الأفلام والمسلسلات ففيها يندمج الإنسان ويعيش فاقد الوعي أثناء مشاهدته لها، وذلك نوع آخر من الهروب، هروب من الواقع الذي يعيش فيه. فعليك أختي أن تخففي على زوجك من المشاكل التي يعاني منها وأن تشاركيه في حلها.
أو تستحدثي معه أنواعاً من الترفيه المباح، والخروج عن نطاق المألوف، أو تبتكري أي نوع من أنواع الترفيه معه مما يحب، أو ممارسة أحد الهوايات الحسنة أو الخروج للتنزه معه بغرض التخفيف عنه، أو غير ذلك
عليك آن تكوني له كالطبيب يأتي إليه المريض وهو في شدة الأزمة والتعب وبمجرد أن يرى ابتسامة وجهه وكلمته المريحة "إن شاء الله سوف تكون على ما يرام" يخرج صافي الصدر ويتجدد عنده الأمل بعد شعوره باليأس من الحياة.
فكوني طبيبة زوجك، اغمريه بكل صور الحنان ولابد أن يشعر منك بألفة يحسها بجلوسه معك، يحب منك الحديث، ومعك الخروج فعندئذ تختلف المعايير في كثير من السلوكيات.
الأمر الأخير لك أن الحياة لا تقف على حال واحدة، وأنا أستبشر لك بدوام دعائك سوف يبدلك ربك بالخير العميم، فإن مع العسر يسراً.
لكنني لا أنسى في النهاية أن تضعي لعملك ذلك وقتا وخطوات، فإن رأيت التأثر ولو بسيطاً وضئيلاً فهو خير، وإلا فلا بد في وقت ما أن يعلم بأن ترك الصلاة داء لا يمكن معه استمرار حياة المؤمنين معا ولا حياة الأسر المسلمة معا.