تجديد الخطاب الدعوي (1)
5 جمادى الأول 1431
د. محمد العبدة

أحد خطباء الجمعة وقد تطرق إلى موضوع الأسرة المسلمة، عقد مقارنة مع الأسرة في الغرب، وبالغ في التشنيع على بعض المظاهر هناك؛ ككثرة الكلاب في المنازل وتدليلهم وكأنهم من أفراد الأسرة، أو أن الأم تأخذ أجرة السكن من ابنتها... ما يقوله هذا الشيخ موجود بعضه ولكن خطابه يوحي للمستمعين أن كل الغرب هكذا، ولو أن رجلاً من المصلين كان قد درس في الغرب أو عاش هناك فسوف يتأسف لهذه الطريقة في العرض، فمن المؤكد أن هذا الشيخ وأمثاله لا يعرفون الغرب على حقيقته، بعجره وبجره، بسلبياته وإيجابياته، وأيضاً لا يسألون سؤال المعرفة والعلم عن هذا الغرب، وكيف هي الحياة الاجتماعية هناك، حتى يكون الكلام عن علم وعدل، وأما عرض الموضوع بهذه السطحية فهذا لا ينبغي، ولا يكفي ذكر عيوب الآخرين كي يظهر ما عندنا من خير، كالذين يسفّون في تحقير العرب قبل الإسلام ليظهروا عظمة الإسلام وفضله، وهي طريقة مألوفة عند بعض الدعاة أو الخطباء.
نعم، هناك منظمات في الغرب تعمل ليلاً نهاراً لإفساد الأسرة المسلمة من خلال المؤتمرات العالمية أو من خلال التدخل في شؤون المسلمين الخاصة كالهجوم على قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية، ومحاولات تعديله ليناسب ما يريدون من تهديم الأسرة.

 

لماذا لا يكون الحديث أيضاً عن الضعف عندنا، عن الهزيمة النفسية عند بعض الأسر عندما يقلدون الغرب في تقاليدهم وثقافتهم في العيش، لماذا يستطيع تيار التغريب أن ينفذ إلى الأسرة، ولماذا لا يثق هؤلاء بدينهم وحضارتهم وتقاليدهم الإسلامية، مع الانفتاح على أي شيء صحيح يؤيده الإسلام، فالتكافل الاجتماعي موجود في كثير من دول الغرب ولا يوجد مثله في العالم الإسلامي، هذا التكافل الذي يستفيد منه الفرد والأسرة هناك، وهو في الأساس ليس بعيداً عن حس المسلم، فهو يذكره بما كان مطبقاً زمن الخلفاء الراشدين وكذلك في مؤسسة الوقف على مدار التاريخ الإسلامي ولو بشكل غير تام كما كان زمن الراشدين. المسلم يتذكر ذلك ولكنه مطبق عملياً الآن في الغرب.
هذا الشيخ لا يدري أن هناك عودة إلى الدين (دينهم هم) لدى طبقات من المجتمع الغربي، وهي ظاهرة مشاهدة والسبب هو الحاجة إلى الانتماء، ويؤلف (جوناثان بثنول) أستاذ الأنثربولوجيا في جامعة لندن كتاباً سماه (العودة إلى الدين) ويدافع عن هذا الاتجاه (نيكولاس ويد) في كتابه (غريزة الإيمان) وفيه يتكلم عن (جينات التدين) لدى الجنس البشري وهو ما نعبر نحن عنه بالفطرة المركوزة في الإنسان.
وهناك اتجاه أو حركة متنامية ضد العلماء العلمانيين، ويرى هذا الاتجاه أن الدين يساعد على تنظيم الحياة وإعلاء الكرامة الإنسانية وتماسك المجتمع(1).
وهل يعلم هذا الشيخ أن هناك تاريخاً طويلاً في الولايات المتحدة من القضايا المرفوعة لدى المحاكم احتجاجاً على مقرر (البيولوجيا) في المدارس الثانوية الذي يقرر ويؤيد نظرية (داروين) في التطور، وتبدأ سلسلة القضايا بمحاكمة المدرس (سكوبس) عام 1926م، وقد حاولت ولاية (تنيسي) تجريم تدريس النظرية الداروينية عام 1982م(2).
هل يحاكم في البلاد العربية من يدرس نظرية داروين أو من يستهزأ بالدين وبالكتاب والسنة؟!

_________________
(1) انظر: أحمد أبو زيد: العودة إلى الدين، مجلة العربي 4/2010.
(2) انظر: كتاب: لماذا العلم /38 سلسلة عالم المعرفة.