لماذا "تدعم" أمريكا الاستقرار في السودان؟!
28 ربيع الثاني 1431
د. محمد مورو

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والولائية في السودان التي بدأت في 11 أبريل هي بالطبع طريق أكيد لتحقيق مشروعية لنظام الرئيس السوداني عمر البشير وحزبه، فالواضح أنه سوف يكسب هذه الانتخابات ومن ثم يتحول من رئيس جاء بانقلاب عسكري إلى رئيس منتخب .

 

الكثير من اللغط والمواقف المتباينة في الحالة السودانية تحتاج إلى تفسير فالحركة الشعبية وهي شريك في الحكم حتى الآن، وإن كانت تنسق مع المعارضة أعلنت انسحابها من الانتخابات الرئاسية والولائية والبرلمانية في عدد من ولايات السودان، وهو الأمر الذي يتم تفسيره على أنه صفقة مع حزب المؤتمر الوطني ونظام البشير، بحيث يتحقق الفوز للبشير وحزبه في مقابل إجراء الاستفتاء على مصير الجنوب في العام المقبل بطريقة سلسة، أي تحقيق الانفصال، وبديهي أن هذا مطلب قيادات الحركة ولكنه يضر بأعضاء الحركة من الشماليين، الذين سيجدون أنفسهم خارج اللعبة السياسية، بعد أن راهنوا على وحدة السودان واعتبار الحركة حركة إصلاح للسودان كله، وليست مجرد حركة جنوبية تسعى للانفصال، ولكن هذا التفسير بدوره به بعض الفجوات، فلم يضر البشير وجود مرشح شمالي للحركة للرئاسة، لأنه لن يؤثر كثيراً على فرص الرئيس البشير في الفوز بالرئاسة، ووجود هذا المرشح الشمالي من الحركة سيعطي فوز البشير المزيد من المشروعية .

 

 

الحركات والأحزاب السياسية الأخرى مثل الأمة والاتحاد وحزب المؤتمر الشعبي، وقوى أخرى أقل قوة ترددت ما بين المقاطعة أو المشاركة الكاملة، أو المشاركة الجزئية، وهي أمور تؤكد أن هؤلاء أدركوا أن فوز البشير أصبح أمراً واقعاً، فمنهم من يريد عدم الخروج تماماً من الغنيمة رغم أن مشاركته تعطي البشير مشروعية أكبر، ومنهم من رأى أن المقاطعة تحفظ له ماء الوجه أمام جماهيره، وتحرم البشير في نفس الوقت من مشروعية أكبر في حالة مشاركتها في الانتخابات، وبديهي أن كل طرف له مبرراته، فالحكومة السودانية ترى أنها حققت أكبر قدر من ضمان حرية ونزاهة الانتخابات، وأن التأجيل لا مبرر له، والحركات المعارضة رأت أن هناك عيوباً في عملية الإعداد للانتخابات ترقى إلى مستوى التزوير، ومن ثم فإن من الضروري تأجيل هذه الانتخابات لاستكمال ضمانات معينة تسد تلك الفجوات .

 

المفاجأة أن الولايات المتحدة الأمريكية انحازت بصورة ما إلى رؤية حكومة البشير، رغم أنه من المفروض أنها تعادي نظام البشير، وأن الرئيس البشير شخصياً مطلوب للمحكمة الدولية بتهمة خطيرة منها القتل الجماعي وجرائم الحرب في دارفور وبديهي أن تلك الإرادة الدولية ما كانت لتصل إلى هذا لولا وجود نوع من الدفع الأمريكي في هذا الاتجاه .

 

كيف نفسر هذا التناقض الشكلي في الموقف الأمريكي، كيف نقرأ ما قاله المبعوث الأمريكي للسودان سكوت جريشن، من ضرورة إجراء الانتخابات السودانية في موعدها الذي تتمسك به حكومة البشير، وكان جريشن قد أكد بأن الانتخابات ستجري على أسس حرة ونزيهة وأكد دعمه لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر وأنه يثق بالمفوضية القومية للانتخابات، بل إن الرجل نصح أحزاب المعارضة السودانية بعدم الانسحاب من الانتخابات .

 

ماذا يعني أن يثق المبعوث الأمريكي في السودان سكوت جريشن بالمفوضية القومية للانتخابات التي تتهمها أحزاب المعارضة السودانية بأنها جسد تنفيذي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وماذا يعني أن ينصح المندوب الأمريكي أحزاب المعارضة السودانية على عدم الانسحاب من الانتخابات، معناه مباشرة أن الولايات المتحدة لا تهتم كثيراً بمسألة حرية ونزاهة الانتخابات وإلا فبماذا نفسر سلوكها في أفغانستان بشأن الانتخابات الرئاسية التي اعترف الجميع بمن فيهم الرئيس الأفغاني ذاته بتزويرها .

 

ويمكن تفسير المسألة، أن هناك حسابات أمريكية استراتيجية ترى أن إعاقة البشير وإثارة المساكل له أوحتى إزاحته عن السلطة سوف تؤدي إلى تفكك السودان، وأنه وحده القادر على تحقيق نوع من التماسك السوداني حتى لو انفصل الجنوب، وأن غياب تماسك السودان يعني الفوضى والاضطرابات ليس في شمال السودان بل في الشمال والجنوب أيضاً والشرق والغرب – وهو أمر خطير جداً بالنسبة لأمريكا، لأن هناك شبح التفكك في اليمن وتفكك حاصل في الصومال، الأمر الذي لو أضيف إليه السودان، فسيعني أن مساحة هائلة من الأرض والمياه لن تجد من يسيطر عليها، ومن ثم سوف تصبح ملاذاً وملجأ ومرتعاً للإرهاب، وإذا حدث ذلك فإن مليون جندي أمريكي لن يكونوا قادرين على السيطرة على تلك المنطقة التي تضم مساحة هائلة من السودان، والصومال واليمن وربما أريتريا وأثيوبيا وأوغندا والبحر الأحمر وباب المندب، وإذا كانت أمريكا ومعها المجهود الدولي كله لم تقدر على القضاء على القرصنة في السواحل الصومالية فما بالك إذا تحولت المنطقة إلى فوضى وقلاقل وصراعات وطوائف وأعراق، وهكذا فإن الدعم الأمريكي لنظام البشير، ليس حباً في سواد عيونه، بل خوفاً من انتشار الفوضى المرعبة وفراغ هائل سيتمدد فيه الإرهاب بسهولة، الأمر الذي سيكون كارثة بالنسبة لأمريكا .