17 محرم 1433

السؤال

شيخي الفاضل: السلام عليك؛ وبعد:
لي صديقة ملتزمة، ومن عائلة محافظة، تقول إن لها أختًا مريضة؛ حاولوا علاجها، والقراءة عليها لكنها تتحسن قليلا ثم تعود، والآن ساءت حالتها، وقل أكلها ونومها، وتشعر أنها ليست مع الناس، وأضربت عن الأعمال التي كانت تقوم بها في المنزل.
وفي الآونة الأخيرة اكتشفت أن أختها قد وقعت في مستنقع المعاكسات منذ ثلاث سنوات، ولما نصحتها أختها الثانية لم تبال، وحذرتها من حال والدها لو علم، ولكنها أجابت وبكل وقاحة: (أكيد أنه مسويها من قبلي)!!.
سؤالها هو: ما نصيحتكم لها كيف تتصرف؟، ومن أين تبدأ؟، وهل تخبر والدها أم ماذا تفعل؟ أفيدونا مأجورين قبل فوات الأوان، مع العلم أن المعاكس متزوج وله ولد، وقد اتصلت بها زوجته ودعت عليها، ولكن يبدو أنه ملك قلبها وعقلها فلم يحرك بها ساكنا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أختنا السائلة:
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكِ، وشكر اللهُ لكِ ثقتكِ بإخوانِكِ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
أشكر لك اهتمامك بأمر صديقتك، وانشغالك بالبحث عن حل لمشكلتها، وهكذا يجب أن يكون خلق الأصدقاء في أوقات الشدة والمحن؛ كما أن الصديق الحق هو الذي يصدق صديقه النصيحة، على أن يقدمها له – النصيحة- مغلفة في صورة جميلة، وبأسلوب لطيف، وألا تكون على الملأ فإن "النصيحة على الملأ فضيحة"، فجزاكِ الله خيرًا على اهتمامك بها وحرك عليها، وجعل ذلك في ميزان حسناتك يوم القيامة.. اللهم آمين.

أختنا الفاضلة:
تقولين في رسالتك إن لك "صديقة ملتزمة، ومن عائلة محافظة"، وأن "لها أختًا مريضة"؛ وأنهم "حاولوا علاجها، والقراءة عليها"، لكنها كانت "تتحسن قليلا ثم تعود"، والآن "ساءت حالتها"، و"قل أكلها ونومها"، و"أضربت عن الأعمال التي كانت تقوم بها في المنزل".
وتضيفين في رسالتك أن صديقتك قد اكتشفت في الآونة الأخيرة "أن أختها قد وقعت في مستنقع المعاكسات منذ ثلاث سنوات"، وأن أختها الثانية قد نصحتها لكنها "لم تبال"، وعندما حذرتها من وصول مثل هذا الأمر إلى مسامع والدها "أجابت وبكل وقاحة: أكيد أنه مسويها من قبلي"!!، وتختتمين رسالتك بقولك أن: "المعاكس متزوج وله ولد"، وأن زوجته قد اتصلت بها و"دعت عليها"!. ثم تتساءلين: "كيف تتصرف؟"، و"من أين تبدأ؟"، و"هل تخبر والدها أم لا؟"،
وأود قبل الشروع في الرد أن أوضح أن مشكلتنا في العالم العربي كله؛ حكاماً ومحكومين، أننا لا نتحرك ولا نهتم إلا بعد وقوع المشكلة!، وكأننا فقدنا حاسة "الاستشعار عن بعد"، رغم أن ديننا الإسلامي العظيم هو دين النظام والاستشراف ووضع الرؤى والتصورات قبل الإقدام على الفعل، دين "الوقاية خير من العلاج"، دين "العقل أساس التكليف"، و"المسئولية أساس المحاسبة"، فعن ابن عمر (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال: كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده؛ فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" (متفق عَلَيْهِ).
وأستعين بالله وأحدد إجابتي في النقاط التالية:-
1- لا تنشغلوا بالعرض وابحثوا عن المرض: أعتقد أن المشكلة الحقيقة لأخت صديقتك تكمن فيما أشرتِ إليه في الجزء الثاني من استشارتك، وتحديدًا عبارة "... وقعت في مستنقع المعاكسات منذ ثلاث سنوات"، فلا يجب أن ننخدع بالمظهر عن المخبر، وأن نظل مشغولين بالبحث عن علاج للعرض متغافلين المرض الأساسي، فقلة أكلها ونومها وإضرابها عن المساعدة في أمور المنزل و.... إلخ؛ هذه كلها أعراض ظاهرية؛ والمرض الحقيقي يكمن في وقوعها في مستنقع المعاكسات، مع رجل متزوج وله ولد.
2- اصبروا على العلاج صبركم على المرض: فالمشكلة الثانية هي في طول المدة التي قضتها هذه الفتاة في هذا المستنقع، فلا شك أن ثلاث سنوات زمن طويل لوقوع التعلق بينها وبين هذا الذي تعلقت به، وقد حالفك التوفيق في وصف هذه العلاقة بأنها "مستنقع"، ومن ثم فإن علاجه يحتاج إلى وقت طويل، فـ"الزمن جزء من العلاج".
3- أوقفوا هذه العلاقة فورًا: كما أن الله جعل الكفر بالطاغوت أول مراحل الإيمان بالله، فقال: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) [البقرة- 256]، وكما أن الرسول جعل "الإقلاع عن الذنب في الحال" أول شروط التوبة، فإن أولى خطوات العلاج تكمن في البعد عن مصدر الألم، وعليه فإن الواجب عليكم جميعًا تجاه هذه الفتاة أن تعاونوها بشتى الطرق على لشفاء من علتها، وإن أول مراحل العلاج أن تسعوا جاهدين لإبعاد "النار عن البنزين"، فيمكنكم بشتى الحيل الذكية، والطرق السلمية أن تصرفوا عنها هذا المعاكس، بالاتصال به عن طريق أحد محارمكم من الرجال العقلاء، وتحذيره من محاولة الاتصال بها، وتهديده بأنكم ستتخذون الطرق القانونية بتقديم بلاغ رسمي ضده للشرطة.
4- أين كانت رقابتكم طوال هذه المدة؟: أين كان الأب طوال هذه السنين؟، وأين كانت الأم؟، وأين كانت الأخت؟، أين كان كل هؤلاء؟!، ألم يتابعها الأب ويسأل عن أحوالها في المدرسة أو الجامعة؟، ألم تلاحظ الأم أي تغير على ابنتها؟، ألم تهتم الأخت بالسؤال عن أحوال وسلوكيات وصداقات وتصرفات أختها بين زميلاتها أو صديقاتها أو صويحباتها أو بنات جيرانها؟، لا شك أن هذا تقصير واضح، ما كان ينبغي أن يكون.
5- أشركوا الأب في حل المشكلة: لا تقعوا في الخطأ مرتين، فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، فإن كان الأب قد غاب عن مشهد المشكلة فلا تغيبوه عن مشهد الحل، فهي مسئوليته هو في المقام الأول، ولا شك أن مسئوليته وحكمته وخبرته كأب ستقوده إلى البحث عن حل سريع وسليم، فهي ابنته وهو أحرص الناس جميعا على مصلحتها، وعلى سمعتها، وعلى شرفها، فلتجلس معه (ابنته) صديقتك وتحكي له الموضوع بهدوء شديد، وتضعه في موقع المسئولية.
6- هذه نصيحتي للأب: بألا ينفعل عليها، وألا يتهور في التعامل معها، وألا يضربها، وألا يتخذ قرارًا انفعاليًا في لحظة غضب؛ فيطرها من البيت، فإنها الآن مريضة، وتحتاج إلى العلاج، ومن ثم أوصيك بأن تجلس معها على انفراد؛ بعيدًا عن أفراد الأسرة، وأن تطلب منها أن تصارحك بحقيقة الأمر، وعدها بأن تساعدها في البحث عن حل، وفي الخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، وأنصحك بأن تسمع منها أولا وأن تشعرها بالأمان لتحكي لك كل شيء، ثم ناقش معها رؤيتها هي لحل هذه المشكلة، وصوب لها أخطاءها بحكمة، وبين لها ما يحل وما يحرم، وما يصح وما لا يصح، وما يجوز وما لا يجوز.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يصلح عقله، وأن يهد قلبها للاستجابة لنصائحكم، وأن يصرف عنها شيطان الإنس والجن... اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.