قنبلة النحلاوي تنسف رواية الناصريين والبعثيين
7 ربيع الثاني 1431
منذر الأسعد

ليس من المبالغة في شيء أن نصف برنامج (شاهد على العصر) بقناة الجزيرة بأنه مهم جداً، لأنه يتيح لأجيالنا الجديدة أن يستمعوا إلى أشخاص كانوا بارزين ولعبوا أدواراً كبرى -إيجابية  أو سلبية- في تاريخ العرب المعاصر، ثم غابوا أو تم التعتيم عليهم. بل إن كثيراً من الكهول الذين عايشوا تلك الفترات لا يعرفون الكثير من خفاياها، التي يستخرجها أحمد منصور من شهوده على العصر.

 

لكن الشهادة التي يقدمها العقيد السوري المتقاعد عبد الكريم النحلاوي، تعد قمة شامخة بين قمم البرنامج التي أصبح عمرها نحو عشر سنوات. فالرجل هو قائد الانقلاب الذي وقع في 28/9/1961م، وأنهى الوحدة بين مصر وسوريا التي قامت في 22/2/1958م. بل إن شهادة النحلاوي الذي لم يسمع باسمه أكثر العرب اليوم، ونسيه من سمع به في حينه، لكنه ظل موضع سخط الناس جميعاً لأنه قضى على حلم عربي كان واعداً.

 

ومن يتابع الحلقات التي تحدث فيها الرجل الثمانيني يسجل له صدقه النادر بين صناع الأحداث السياسية وعفويته في الحديث وقدرته على الإقناع، بالرغم من أنه ليس حامل شعارات ولا صاحب نظريات. وقد رفد النحلاوي شهادته المهمة للغاية بأدلة وقرائن تتلخص في وقائع ثابتة تاريخياً وإن كان الإعلام الناصري الهائل قد نجح في طمسها يومئذ، بالإضافة إلى تلاقي شهادته مع مذكرات وشهادات أخرى لرجال من المحيطين بعبد الناصر، وبعبارة أكثر دقة: من خصوم النحلاوي سياسياً.

 

إن من يدرس شهادة النحلاوي وهي في خواتيمها، ينتهي إلى نجاحه في نسف الرواية القومجية التي بثها الناصريون في ذروة استبدادهم وهيمنتهم على الساحة الإعلامية، والتي يشاركهم فيها البعثيون جزئياً!! فقد التقى الطرفان المتاجران بالوحدة العربية -الناصريون والبعثيون- على تحميل النحلاوي وزملائه وزر الانفصال، ودمغوهم بأنهم عملاء للاستعمار و"الرجعية" العربية. ثم يتشاتم الفريقان بعد ذلك عند الحديث عن أخطاء الحكم في فترة الوحدة وكل منهما يلقي باللائمة على الآخر. ويجري تحميل المشير عبد الحكيم عامر مسؤولية جزئية عن نجاح الانقلاب الانفصالي!!

 

لكن النحلاوي بنبرته الهادئة وصوته المطمئن وحججه الدامغة، أثبت أن خطايا النظام الاستخباراتي الذي أقامه عبدالناصر في سوريا التي كانت من قبل دولة برلمانية، فيها حرية صحافة وتعددية حزبية وقضاء مستقل، هو الذي نقل الشعب السوري من الهوس بعبد الناصر إلى كراهيته بشدة. ولأن صاحب الشهادة كان مديراً لمكتب المشير عامر -نائب ناصر في دمشق- فقد كان يصارحه بالحديث عن عوامل التذمر المتنامية، حتى إن المشير الذي يعلم ما يجري توجه إلى القاهرة للضغط على رئيسه حتى اضطره إلى تنحية رجل استخباراته ومؤسس دولة التعذيب السوري عبد الحميد السراج وإن في وقت متأخر جداً.

 

ومن خلال قراءة بيانات الانقلاب الذي قام به النحلاوي وزملاؤه الغاضبون، والتدقيق في توقيت ومحتوى كل منها، يتأكد المراقب الموضوعي من صدق رواية الرجل، وأنه وصحبه قاموا بحركة ذات مطالب إصلاحية محدودة-حصرها في استبعاد عدد من الضباط المصريين الكبار المسيئين للسوريين ولذلك اعترض النحلاوي على زميل له قال للمشير إن التأميم لمصانع ومنشآت من دوافع تحركهم-.وأمام عامر أكد الضباط الانقلابيون أنهم ليسوا انفصاليين بل ليس لهم مطالب سياسية فهم عسكريون محترفون لم يعملوا في السياسة ابداً.

لكن تعنت عبد الناصر هو الذي أحال الحركة من إطارها العسكري المحدود إلى انفصال تام.

 

وليس أدل على أمانة هؤلاء الضباط وصدقهم مع أنفسهم، من أنهم بعد الانفصال سرعان ما استدعوا الساسة الكبار وأعدوا البلاد لانتخابات حرة ونزيهة، أما هم فقد عادوا إلى ثكناتهم وبعضهم تقاعد ليعيش حياته كأي مواطن!!

 

غير أن هؤلاء الذي تحركوا لإصلاح الفساد ثم لم يستأثروا بالسلطة ولا بأي مكسب ذاتي، جاء بعدهم انقلاب البعثيين 8/3/1963م، ليقيم نظاماً دموياً وطائفياً لم تعرف سوريا له مثيلاً من قبل!! والمضحك المبكي أن البعثيين الذين استبدوا بكل شيء ونهبوا الثروات العامة والخاصة يتهمون النحلاوي وجماعته بالتآمر وتنفيذ مخططات أمريكا والكيان الصهيوني!!!!!