العنف الطائفي في نيجيريا: الخلفية والدلالات
29 ربيع الأول 1431
د. الخضر عبد الباقي محمد

يبدو أن الأوضاع الطائفية في نيجيريا قد أخذت في الاتجاه التصعيدي، وأنّ تداعيات وانعكاسات تلك التطورات قد تجاوزت الإطار المحلي أو المنظور المتوقع لها، حيث دخلت المواجهة الطائفية بين المواطنين المسلمين والمسيحيين مرحلة خطرة، عقب ما شهدته مدينة جوس النيجيرية يوم الأحد الماضي، من عملية ثأر انتقامية نفذتها عناصر مسلحة من مسلمي الهوسا الفولاني ضدّ المسيحيين ، كردة فعل على عملية مماثلة تعرض لها المسلمون خلال شهر يناير الماضي، اشتباكات خلفت مئات القتلى فوق 400 شخص، وآلافاً من المتضررين،تقرير اللجنة الوطنية لمواجهة الكوارث والأزمات تشير إلى نزوح ما يزيد عن 18،000 شخص من منازلهم بسبب حدة تلك الاشتباكات، فيما تشير تقارير المسؤولين في وكالة الإغاثة الإسلامية المحلية إلى وجود عملية إبادة جماعية ضد المسلمين، وذلك بعد اكتشاف 200 جثة لمواطنين مسلمين ملقاة في آبار بحي يقطنه مسلمون،تقرير المنظمة العالمية لحقوق الإنسان من جانبه أكدّت وقوفها على مؤشرات قوية لوجود نية مبيتة لشنّ هجوم ضاري على أحياء تقطنه المسلمون في مدينة جوس، وقالت" إنّ رجالاً مسيحيين هاجموا منطقة korakumo ذات الأغلبية المسلمة يوم الثلاثاء، وقاموا بعملية محاصرة المدينة وإشعال الحرائق على المنازل والمساجد"

 

التعامل الحكومي على مستوى السلطة الفدرالية في نيجيريا مع القضية وأسلوبها في التعاطي والمعالجة لم يحمل جديداً يذكر، فإرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وعسكرة شوارع المدن، بالإضافة لتعزيز الحالة الأمنية في عدد من المدن الشمالية ذات الكثافة المسلمة، مثل: كانو، كادونا، مايدغري، كإجراءات وقائية من ردات فعل من جماعات الهوسا الفولانية ضد العناصر المسيحية الموجودة فيها، كلها إجراءات عادية طبيعية ليست جديدة، وحتى تصريحات نائب الرئيس النيجيري "غودلوك جوناتا" التي يعوّل عليها المراقبون لاسيما في ظل توليه إدارة البلاد بالنيابة عن الرئيس النيجيري عمر موسى يارادووا هي الأخرى لم تحمل جديداً ، فقد جاءت كالعادة تصبّ في اتجاه التهدئة وطمأنة الرأي العام أنّ السلطات الفدرالية في أبوجا تسيطر على الوضع رغم فداحة المشكلة، وأنّه"سيتم ملاحقة المسؤولين عن أعمال العنف وملاحقة كل من شجعوا الفوضى، أجّجوا نيران الفتنة، بأعمالهم أو بتصرفاتهم، سنقوم بتحقيق عاجل، وسيتم توقيف كل المتورطين، وسيحالون إلى العدالة بشكل سريع"

 

في الوقت الذي تتجه فيه أصابع الاتهام نحو حاكم ولاية بلاتو (Jonah Jang ) بأنّه الذي كان يقف وراء تلك المواجهات من خلال تقديم دعم مادي ومعنوي لمليشيات الباروم الأقلية القبلية ذات الهوية المسيحية والذين يقولون أنهم السكان الأصليون وبالتالي يجب أن تكون لهم السيطرة والمميزات في الحكم والإدارة،حيث كان الرأي العام النيجيري وعلى وجه أخصّ المسلمون منهم ينتظرون إجراءً أكثر حدة وحزماً مع هذا الحاكم ، على خلفية ما أقدمت عليه الإدارة السابقة للرئيس أوباسيجو بإعلان حالة الطوارئ في الولاية وإقالة حاكمها المدني وتعيين جنرال عسكري متقاعد مكانه ، وحل مجلس البرلمان فيها ،لاسيما أنّ هناك سوابق وملاحظات عليه في تأليب المسيحيين ضد المسلمين الهوسا منذ كان حاكماً لولاية غنغولا فترة الثمانينات،
غير أنّ الخلافات العرقية والدينية والصراعات السياسية بين الشعب النيجيري تعدّ أكبر مشكلة تهدد مستقبل البلاد،كما أنّ الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد رغم ثرائها النفطي تتيح وتوفّر أجواء للتوتر والاحتقان المفضيان لانفجارالأوضاع،وبعبارة أخرى، العنف الطائفي والاشتباكات التجددة على هذه الخلفية تعكس مدى عمق المشكلات الاجتماعية ذات الخلفية الاقتصادية يتم التعبير عنها في قوالب وبنكهات طائفية.

 

ولا يعني ذلك أننا ننكر أو ننفي صحة النظريات المفسّرة لتلك الأحداث مستندة على وجود سيناريوهات تآمرية متحيّزة ضدّ المسلمين في نيجيريا عامة، ووجود عمليات استهداف للكثافة الإسلامية الكبيرة التي تتمتع بها مناطق شمال نيجيريا، لاسيما وأن بعض الرموز السياسية من أبناء منطقة الحزام الأوسط المسيحيين قد أشاروا إلى امتعاضهم من سيطرة الثقافة الهوساوية ذات المرجعية الإسلامية وأنّ الوقت قد حان لتغيير تلك المعادلة لصالح الأقليات أصحاب الأرض والسكان الأصليين، كما أن مما يؤكد الخلفية السياسية والصراع على السلطة لتلك المواجهات، ما قاله جنرال عسكري متقاعد وقيادي سياسي بارز من أبناء جوس، "أنّ إقليم شمال نيجيريا لن تذوق الأمن ولا الاستقرار حتى تستقل منطقة "الحزام الأوسط" عن البيت الشمالي الذي تسيطر عليه الأغلبيّة الهوساوية المسلمة "مضيفاً أنّ سكان منطقة الحزام الأوسط قد أخذوا على غِرة ليعيشوا داخل البيت الشمالي قهراً على الرغم من وضوح تباين في هويّتهم المسيحيّة، واختلاف أسلوب حياتهم الثقافيّة، ولذا؛ فيجب عليهم الآن التحرك لتحرير أنفسهم وتولي قيادة نيجيريا".

 

وعلى ضوء الوضع الأخير والعمليات الانتقامية التي شهدتها جوس الأسبوع الماضي، فإنّ الأوضاع بدون شك مرشحة لتشهد مزيداً من التصعيد والتفاقم على الرغم من وجود تعزيزات أمنية وعسكرية مكثفة، الشيء الذي يجعل كل الاحتمالات واردة وليست مستبعدة، لاسيما وأنّ الصراع السياسي على السلطة في الحكومة الفدرالية مازال محتدماً بين التيار الموالي للرئيس بالنيابة والتيار المؤيد للرئيس المريض ، مع استمرار المطالبة بدعوته للتنحي عن الحكم نهائياً، كل ذلك له تأثيره وانعكاساته ولو بدرجات على الوضع في جوس وملف العنف الطائفي بشكل عام.