إمام المركز الإسلامي في أوكرانيا للمسلم : إنشاء مدارس إسلامية أهم أولوياتنا

انتشر الإسلام بأوكرانيا في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي عن طريق الرحالة والتجار المسلمين الذين كانوا يتوافدون إلى العاصمة  كييف، وفي أوكرانيا حوالي مليوني مسلم يشكلون ما نسبته 4 -5 % من عدد سكان أوكرانيا الذي يصل لـ 46 مليون نسمة.
وينقسم المسلمون لشرائح بعضهم أصلاً من أوكرانيا واعتنق الإسلام ولا يوجد إحصائيات دقيقة بأعدادهم لكنهم عشرات الآلاف ، وشريحة من مسلمي القرم الذين عادوا من الهجرة القصرية التي أخرجوا فيها من أوطانهم  ووجدوا أن ممتلكاتهم وبيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم سلبت من الروس ولا زالوا يطالبوا باستعادتها
 وشريحة من المسلمين القادمين من آسيا الوسطى وهم كالطاجيك والأوزبيك والكازاخ والأذربيجانيين وشريحة من العرب والباكستان القادمين للدراسة أو التجارة فاستقر بهم الحال في الإقامة في أوكرانيا...

 تحاور موقع  " المسلم " مع الدكتور عماد أبو الروب إمام وخطيب المركز الإسلامي بالعاصمة كييف وكان معه هذا الحوار:

-  الجهل بالإسلام مشكلة - عادة - يعاني منها مسلمو الغرب... حدثنا عن دور المراكز الإسلامية في أوكرانيا لمواجهتها .
     منذ تأسيس المراكز الإسلامية في أوكرانيا بادرت إلى دراسة الواقع الأوكراني على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، وقامت بتشخيص التحديات التي تواجه الإسلام والمسلمين وكان من أبرزها جهل الكثير من المجتمع الأوكراني بالإسلام ناهيكم عن جهل المسلمين أصلاً به نتيجة الممارسات القمعية للاتحاد السوفيتي السابق والتي وصلت إلى حد إغلاق المساجد وتحويلها لمتاحف أو مخازن، كما قامت بقتل الكثير من العلماء والمشايخ وهجّرت المسلمين ومنعتهم في بعض الفترات من الذهاب للحج إضافة لغيرها من الممارسات التعسفية،لذلك كان من أولى برامج المراكز الإسلامية العمل على محورين : -
الأول : المسلمين عموما وإعادة ثقتهم بدينهم وتعزيز انتمائهم له واعتزازهم به من خلال بناء وترميم المساجد وتفعيل برامجها وإحياء دورها إضافة لتأهيل الدعاة والأئمة المحليين وطباعة الكثير من الكتب الإسلامية باللغة الروسية والأوكرانية واستخدام الوسائل العصرية من صحف ومجلات ومواقع نت وبرامج إذاعية لتعميق فهمهم للإسلام .
الثاني : المجتمع الأوكراني الذي لا يعرف الكثير عن الإسلام وأغلب ما يعرفه معلومات مغلوطة مشوّهة مما دعانا لعمل برامج توعية شملت المؤسسات الرسمية من خلال عقد دورات وندوات ومؤتمرات مشتركة تتناول مواضيع مختلفة كما أقمنا ندوات ولقاءات متعددة مع رجال الدين المسيحي إضافة لدورات مميزة للإعلاميين والمستشرقين والأكاديميين الذين يدرّسوا اللغة العربية والتاريخ والدين الإسلامي تحت شعار ( تنوير النخبة ) ولاقت ترحيب ومشاركة فاعلة منهم وحققت بحمد الله وفضله نتائج إيجابية.

- كيف نستطيع تقدير الدور السياسي للمسلمين في أوكرانيا وما يعرف عن تماهيهم مع المجتمع ؟
  لا زال دور المسلمين السياسي ضعيفاً نظراّ لانقساماتهم القومية والعرقية ولعدم وجود برامج ومشاريع سياسية واضحة وبارزة مقنعة ،والآن بدأت تظهر تحركات في هذا الشأن أبرزها من المسلمين التتار في القرم الذين لهم 1نائب واحد ، إضافة لدور آخر من المسلمين التتار القازان ولكنه ضعيف لا يكاد يذكر .
وبالنسبة للاستقرار الذي يعيشه مسلمو أوكرانيا أعتقد أنه يعود لسببين أساسيين هما :-
السبب الأول :- احترام الحكومة الأوكرانية والمؤسسات الرسمية بعد الاستقلال للديانات في أوكرانيا وإعطائها حريتها الكاملة ضمن القانون .
السبب الثاني :- التزام المسلمين بالقانون الأوكراني واحترام هوية البلاد وعدم التقوقع على أنفسهم وبنفس الوقت الحفاظ على الهوية الإسلامية من الذوبان والتمسك بوسطية الإسلام واعتداله وشموليته.
وبالطبع تجاوبت الحكومة الأوكرانية مع وعي المسلمين هذا كونهم لم يشكلوا ظاهرة عنف ولم يحملوا فكر التشدد الذي برز عند بعض فئات المسلمين في بعض الدول الغربية.

- كيف تقيم العمل الإعلامي الإسلامي وأثره في المنطقة ؟
   لا شك أن للإعلام دوره البارز في التأثير على معتقدات الناس وتعريفهم على المعلومة الصحيحة بعيداً عن التحريف والتشويه ، ولذلك بادر اتحاد المنظمات الاجتماعية الرائد – وهو أكبر مؤسسة ثقافية إسلامية تعنى بشؤون المسلمين والجاليات المسلمة – باستثمار الإعلام من خلال عدة وسائل أبرزها :
- مواقع الاتحاد على الانترنيت التي تعرف بالإسلام www.arraid.org
- إصدار صحيفة الرائد باللغة العربية والروسية واشتمالها على مواضيع فقهية وفكرية وتربوية ودعوية واجتماعية وإخبارية.
- بث إذاعي أسبوعي لبرنامج اسمه ( السلام عليكم ) يبث إلى أغلب المدن الأوكرانية .
- نشرات إسلامية تتناول أهم المواضيع اللازمة للمسلم والأسرة والمرأة والمسلمين الجدد.
- المشاركة في لقاءات وبرامج في مختلف القنوات الأوكرانية واستثمار المناسبات والأحداث لعرض رأي الإسلام وموقفه من هذه القضايا.
أما عن تأثير وسائل الإعلام على معتنقي الإسلام فهناك قصص كثيرة من أبرزها فتاة من سيبيريا تبعد عن أوكرانيا آلاف الأميال تصفحت موقعنا الإسلام بالروسية والذي يعتبر من أكبر المواقع بالتعريف بالإسلام باللغة الروسية وبعثت عدة أسئلة ولاقت اهتماماً كبيراً من الإخوة والأخوات المتخصصين حتى أنها عزمت على اعتناق الإسلام وسألت عن صعوبة ذلك نظراً لأنها بعيدة وظنّت أن الأمر يستوجب وجود شاهدين فأعلمناها أنها يمكن أن تعتنق الإسلام في أي مكان ودون وجود شهود ومع ذلك أعلنت عبر الاتصال بها اعتناقها للإسلام ولا زلنا نتابعها ولا زالت تتواصل معنا والحمد لله.
ومن أغرب المواقف صحفي يعمل في صحيفة اليوم المحلية واعتاد أن يكتب ضد الإسلام وبعد أحداث سبتمبر الأليمة في نيويورك جاء ليجري مقابلة مع رئيس اتحاد الرّائد ومدير المركز الإسلامي لا ليظهر الحقائق بل ليثبت وصف المسلمين بالتطرف والإرهاب ، وعندما بدأ يستمع للإجابات الإخوة بدا عليه الاهتمام وبدأ يسأل أسئلة خارج الموضوع وطلب في نهاية اللقاء أن يعود لا ليجري مقابلة جديدة بل ليسأل عن شبهات كثيرة لديه وبالفعل حضر عدة زيارات تكللت آخرها في ليلة السابع والعشرين من رمضان ليعلنها لا إله إلا الله محمد رسول الله والجميل أنه بدأ يكتب عن الإسلام ويدافع عنه والحمد لله .
 
-          ما مدى نجاح محاولات إنشاء مدارس إسلامية خاصة ؟
     أعتبر أن المدارس الإسلامية التي ترعى أبناء المسلمين من أهم الأولويات التي يجب على المسلمين أن يقوموا بها في الغرب، خاصة أن المدارس العادية فيها اختلاط فاضح إضافة لانتشار الأمراض الاجتماعية والأخلاقية المختلفة والتي تؤثر سلباً على أبنائنا وبناتنا خاصة هدمها لمفهوم العفة والحياء حيث تختلف نظرتنا نحن المسلمين عن نظرة غير المسلمين في كيفيتها وأشكالها، والقانون الأوكراني لا يمنع من إنشاء مدارس للأقليات لكن هناك صعوبات كثيرة للأسف بعضها من القانون الذي يطلب الكثير من التراخيص ويلزم بشروط تحتاج لوقت طويل لتوفيرها إضافة للمبالغ الباهظة التي يجب توفيرها لبناء أو شراء مبنى مناسب وإيجاد مصاريف تسيير المدرسة حيث أن قدرات الآباء تعجز عن تسديد الرسوم الحقيقية لدراسة أبنائهم. ونأمل في المستقبل القريب أن نحصّل الأوراق القانونية اللازمة وأن يقدّم لنا أهل الخير يد العون والمساعدة لتوفير محضن تربوي آمن لأبنائنا.

-          ما أهم المصاعب التي تعترض نشر الإسلام في أوكرانيا ؟
    بطبيعة الحال توجد عقبات لكل عمل وأرى أن سلوك المسلمين وممارساتهم من أبرز العقبات التي تعترض نشر الإسلام ، ومن غير المسلمين  يقوم البعض بتشويه صورة الإسلام إمّا لأنه تعرّف على الإسلام بشكل خاطئ أو أنّه يعرف سماحة الإسلام لكنه يحقد عليه ويعاديه وبالتالي يسعى لتشويه صورته، ونحن نعمل من خلال المراكز الإسلامية  على مواجهة هذه المصاعب وتذليلها ، أما بالنسبة لسؤالكم عن العوائق التي تواجهنا فهي قلّة العاملين من المسلمين المحليين للإسلام، وقلة الموارد المالية خاصة أن أوكرانيا من الدول الأكثر غلاءً على مستوى العالم ناهيكم عن أن توجّه الكثير من المؤسسات والجمعيات الإسلامية والخيرية يذهب أغلبه لأمريكا وكندا وأوروبا الغربية ويذهب القليل من الدّعم والاهتمام بدول الاتحاد السوفيتي السابق .

-          ما مدى تهيئة المجتمع الأوكراني لتقبل الدعاة المغتربين ؟
نظرة المؤسسات الرسمية والمجتمع الأوكراني للدعاة يتجاوب غالباً مع الدعاة المحليين ، لذلك افتتحنا مركز تحفيظ القرآن الكريم ونقيم دورات للدعاة والأئمة المحليين .كما نسعى لتوطين الدعوة من خلال تركيز العمل مع أبناء المسلمين المحليين لتأهيلهم لإدارة العمل الإسلامي والعمل به نظراً لأن الكثير من الوافدين العرب يعمل لسنوات قليلة ثم سرعان ما يغادر لبلده أو لبلد تتوفر فيه فرص أفضل . أما فكرة استضافة دعاة متميزين بفهم للواقع الغربي ولغة خطابهم معتدلة ومؤثرة فهذا مرحّب به واعتدنا من خلال الندوات والمؤتمرات التي نعقدها القيام بذلك وقد استضفنا علماء ومشايخ من الدول العربية والأوروبية.
 
-  برأيكم ما أهم المشكلات التربوية التى يمكن أن تواجه الآباء مع أبنائهم في المجتمعات الغربية؟ وما هو دوركم فيها ؟
     حقيقة إن الكثير من الآباء والأمهات في الغرب يهمل أبناءه ولا يغرس فيهم قيم الإسلام ولا يربيهم التربية الإسلامية ويكتفي بتوفير لطعام والشراب واللباس والحاجيات المادية ويصطدم بشخصياتهم عندما يبلغوا ما يسمّى فترة المرهقة ، وقد تحدّثت مراراً في عدة دورات متخصصة أقمتها للآباء والأمهات من جهة ، وللمراهقين أنفسهم من جهة أخرى عن الواقع والتحديات والآلام والآمال في هذا الأمر ، و( الرّائد ) من باب اهتمامه بهذا الأمر خصص قسما خاصا للمرأة وآخر للنشء والأطفال وبدأ يطوّر برامجه لتشمل أبناءنا وبناتنا ، إضافة لتركيز برامجه ونشاطات لتشمل هذه الشريحة الهامّة من أبنائنا ، ولتطوير هذه البرامج ومراعاة أن تواكب المستجدات المعاصرة لهم ضمن ضوابط الإسلام.