9 شعبان 1431

السؤال

يا شيخ والدتي تكره زوجتي بلا سبب، وحصلت بينهما مشاكل؛ وزوجتي الآن عند أهلها في الرياض، وأهلي في منطقة بعيدة عن الرياض، وأنا الآن توظفت في الرياض، ودائمًا أمي تحثني على طلاق زوجتي؛ مع العلم أنها ابنة أخيها (!!)، وأنا أحب زوجتي.
وللعلم فإن أبي كبير جدًا في العمر؛ وأمي عمرها 60 سنة تقريبًا، وليس عندهم في البيت إلا أخي الذي يدرس في الصف الثاني الثانوي، وكل أسبوع تتصل (أمي) على أهل زوجتي؛ فتسب وتشتم فيهم، وفي بنتهم؛ اللي هي زوجتي!. فكرت في الإيجار في الرياض؛ لكن أمي تقول: إذا استأجرت فلتنس أنك ولدنا!.
أفيدوني؛ لأني- والذي لا إله إلا هو- في حيرة من أمري.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الكريم:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتكِ بإخوانِك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
أصبح من المعتاد في زماننا هذا – للأسف الشديد- أن نسمع كل يوم عن وجود خلاف بين زوجة ابن وحماتها (أم زوجها)، فيتطور الخلاف؛ فتغضب الزوجة، وتغادر إلى بيت أهلها؛ ويعيش الزوج لفترة حائرًا بين أمه وزوجته؛ فأمه تلح عليه بضرورة أن يطلقها، ويتخلص منها، وتعلن استعدادها لأن تزوجه من هي أفضل منها، وزوجته ترفض أن تعود لبيت تتحكم فيه أمه، أو تحاول أن تفرض رايها على الجميع، وتلغي شخصيتها و... وهكذا يدخل الزوج في دوامة، ويعيش في حيرة، بين حبه لزوجته ورغبته في الحفاظ عليها، وخوفه من عصيان أمه!
لكن الغريب في مشكلتك – أخي الكريم- أن زوجتك هي بنت خالك؛ وأنك ابن عمتها؛ فالمفروض على زوجتك أن تحترم عمتها، وتبرها، وتبذل ما في وسعها لإرضائها؛ فهي في النهاية من أقرب أرحامها، إنها أخت أبيها؛ والمفروض – أيضًا- على أمك أن تحب زوجتك وقربها إليها، وتعطف عليها، وتعتبرها ابنتها التي لم تنجبها؛ أليست هي عمتها، وهذه بنت أخيها؟.
واسمح لي أن أختلف معك في قولك: (والدتي تكره زوجتي بلا سبب)؛ ولعل هذا يتضح من العبارةة التالية لها بقولك: (حصلت بينهما مشاكل)؛ فربما - بل والأرجح- أن هذه المشاكل التي حصلت بينهما هي سبب الخلاف الذي تطور، حتى وصل إلى هذه الدرجة، ويمكنك إذا جلست مع نفسك واسترجعت المشاكل التي وقت بينهما ان تصل إلى مكمن الداء، وأصل المشكلة، ولعل ما يمنعك من هذا التحقيق حبك الشديد لزوجتك (وهذا حقك) وحرصك الشديد على ألا تغضب والدتك (وهذا واجبك)!
ومن خلال قراءتي لرسالتك؛ فهمت أن زوجتك الآن تقيم عند أهلها في الرياض، وأن أهلك (أمك وأبيك وأخيك) يقيمون في منطقة بعيدة عن الرياض، وأنك توظفت في الرياض، وأنك تفكر جديًا في استئجار مسكن في الرياض، لكن المشكلة تتلخص في إصرار والدتك على تطليق زوجتك، ورفضها استئجارك مسكنًا في الرياض... وعليه فإنني أنصحك بالآتي:-
1- استعن بالله (عز وجل): وتوضأ وصل ركعتين في جوف الليل؛ ثم ابتهل إليه (سبحانه) وتضرع إليه في الليل البهيم، واطلب منه العون، واسأله أن يلين لك قلب أمك، وأن ينسيها ما كان بينها وبين زوجك، ولا تستهن بدعاء السحر فإن سهامه لا تخطئ.
2- أطلب دعم والدك: وأخيك الصغير، وأخوالك أو خالاتك، وانظر فيهم؛ وحدد أيهم إلى قلب أمك أقرب، وأيهم لكلامه أسمع، ولسماع النصح منه أقبل، وبه فابدأ، اتخذهم أسبابًا ووسائل؛ مع يقينك بأن الأمر كله بيد الله، وأن الله هو الفاعل المطلق في هذه الدنيا بأسرها، وأنه سبحانه يقول للشيء كن فيكون، وأنه لا يصعب عليه شيء، وأنه هو الذي خلق أمك ويعلم ما يرضيها وما يغضبها.
3- احرص على بر أبويك: وأمك على وجه الخصوص، فطاعتهما فريضة؛ قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء/ 23-24].
4- أبق على زوجتك ولا تطلقها: ما دامت تتقي الله فيك، وما دمت على يقين بأنها لم تخطئ في حق أمك، وما دامت تحسن عشرتك، فعن أبي هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال: قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم" (رواه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح). وعن أبي هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)- أيضًا- قال: قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر". أو قال غيره (رواه مُسْلِمٌ). وقوله يفرك هو بفتح الباء وإسكان الفاء وفتح الراء معناه: يبغض. يقال: فركت المرأة زوجها وفركها زوجها. بكسر الراء يفركها: أي أبغضها، والله أعلم.
5- محاولة أخيرة لإصلاح ذات البين: قسم المشكلة والحل إلى أجزاء؛ فابدأ بالجلوس مع أمك؛ على انفراد، جلسة ود واحترام واستعطاف، ذكرها بما بذلته من جهد في تربيتك وتعليمك، وما قدمته من تضحيات من أجلك، واطلب منها أن تبذل المزيد، وأن تواصل مسيرة العطاء، وحاول أن تتعرف منها على السبب الحقيقي وراء غضبها من زوجتك، وذكرها بأنها ابنة أخيها، وأنك ما تشجعت بداية للارتباط بها إلا لكونها ابنة أخيها، واطلب منها الصفح وطي صفحة الماضي، وبدء صفحة جديدة، ملؤها المودة والاحترام، وعدها بأنك ستلزم زوجتك بان تعتذر لها وتقبل رأسها.
6- اجلس مع زوجتك لإقناعها: ودعها تصارحك بالسبب الحقيقي للخلاف مع أمك، وذكرها بأنها عمتها، وأخت أبيها، وانها من أرحامها الذين أمرها الله بوصلهم وحذرها من قطعهم، واطلب منها أن تتنازل وتعتذر لعمتها وتقبل رأسها، وأن تنسى مرارة الماضي، وأن تبدأ معها صفحة جديدة، وبين لها أن متمسك بها، وحريص على حبك لها، وراغب في استكمال عشرتها، ويمكنك ان تستعين بأبيها عليها، في سبيل إقناعها بهذا، ولا شك أن دعمه لك سيسهل كثيرًا من مهمتك.
7- فإن أكرمك الله وتمكنت من الإصلاح بينهما؛ فإنك آنئذ تكون قد كسبت الاثنتين معًا؛ أمك وزوجك، وإن رفضا واستحال الصلح، وتعذر الوفاق؛ فإنني أقترح عليك أن تتمسك بالوظيفة التي حصلت عليها في الرياض، وألا تفرط فيها؛ فربما كانت هبة من الله، لكونها جاءت في هذا التوقيت على وجه الخصوص؛ وعجل باستئجار مسكن بالرياض؛ تجمع فيه زوجتك؛ مع مداومتك على زيارة أهلك، وترضية أمك، وتحملها في كل ما تقوله أو تفعله؛ فهي في النهاية أمك، وأحق الناس بحسن صحبتك.
8- الزمن جزء من العلاج: وكفيل بأن ينسي الإنسان جراح الماضي مهما كانت قساوتها؛ فكم من مآسي تعرض لها الإنسان في مراحل مختلفة من حياته؛ وكان يظن وقتها أن الدنيا ستقوم ولا تقعد، وأن عقارب الساعة لن تتحرك، وأن الفرحة لن تعرف طريقها إليه بعد اليوم، ثم جاء الزمان ليضمد هذه الجراح، ويخفف شدة الألم، ويبعث الأمل من جديد، ويبزغ نور الفجر من وسط الظلام الدامس.