الاعتذار الأمريكي لليبيا...معان وإشارات
25 ربيع الأول 1431
د. ياسر سعد

اعتذرت الخارجية الامريكية عن تعليقات تهكمية أدلى بها المتحدث باسمها بشأن دعوة القذافي للجهاد ضد سويسرا. وقال المتحدث باسم الوزارة بي.جي كرولي الذي أدلى بتلك التصريحات للصحفيين "أدرك ان تعليقاتي الشخصية فهمت كهجوم شخصي على الرئيس." واضاف "هذه التعليقات لا تعكس السياسة الامريكية ولم يقصد بها الاهانة. اعتذر اذا كانت فهمت على هذا النحو". وكان كرولي قد علق على خطاب القذافي الناري بقوله انه ذكره بخطاب سابق للزعيم الليبي تضمن حسب قوله "الكثير من الكلام والكثير من الاوراق التي تتطاير في كل مكان دون الكثير من المعنى بالضرورة." وكان السفير الليبي لدى واشنطن قال ان بلاده تريد علاقات جيدة مع واشنطن لكنها لن تسمح باهانة زعيمها.

 

وقال كرولي انه يأسف لان الجدل أثار توترا في العلاقات وأضاف ان فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية سيزور ليبيا لاجراء مشاورات. وقال كرولي انه وفيلتمان وجها الدعوة للسفير الليبي يوم الجمعة الماضي وأوضحا له أنه لم يكن يقصد الاساءة للزعيم الليبي. وقال كرولي "كان علي أن أركز فقط على قلقنا من مصطلح "الجهاد" وهو ما أوضحته الحكومة الليبية منذ ذلك الوقت." ومضى يقول "اسف لان تصريحاتي أصبحت عقبة أمام احراز مزيد من التقدم في علاقاتنا الثنائية." وكان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا قد استدعى مسؤولين تنفيذيين من شركات اكسون موبيل وكونوكو فيلبس واوكسيدنتال وهيس وماراثون هذا الاسبوع وتحذيرهم من أن الخلاف يمكن ان يضر بالشركات الامريكية في ليبيا.

 

ليبيا من ناحيتها أشارت الى انتهاء خلاف دبلوماسي مع واشنطن بقولها انها قبلت الاعتذار وانها ترغب في تعميق العلاقات في جميع المجالات. وجاء في بيان ليبي "اطلعت اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي بارتياح على تصريح المتحدث باسم الخارجية الامريكية بي.جي كراولي ... وتعلن انها قبلت الاعتذار والاسف الشديد اللذين أبدتهما الخارجية الامريكية وكذلك التوضيح الذي قدمه المتحدث باسم الخارجية الامريكية." وأضاف البيان "ونتيجة لذلك فان اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي ترى أن الاسباب التي دفعتها لتأجيل زيارات لمسؤولين أمريكيين الى الجماهيرية العظمى قد زالت باصدار هذا الاعتذار وانها ترحب باستئناف تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين وتؤكد حرصها على تطوير العلاقات الثنائية في كافة المجالات وفي اطار الاحترام المتبادل."

 

الاعتذار الأمريكي لليبيا يذكرنا بالاعتذار السويسري لها إبان الأزمة والتي اندلعت بعد توقيف نجل القذافي وزوجته في سويسرا بعد ضربهما لخادمين يعملان لديهما. للمرة الثانية تستخدم الحكومة الليبية سلاح النفط في الحصول على ما ترغب، وممن هذه المرة، من الولايات المتحدة، الدولة العظمى والتي تعربد باساطيلها وطائراتها في العالم والتي احتلت بلدين مسلمين مما أدى إلى سقوط نحو مليوني عربي ومسلم فيهما. سلاح النفط والتلويح بالعقوبات الإقتصادية، يستخدم عربيا للحفاظ على سمعة الزعيم القائد أو للحصول على حصانة قضائية لإولاده أو أقربائه أو لإغلاق ملف يحقق في فساد أو تجاوزات حكام عرب أو عائلاتهم، في حين يعتبر سلاح النفط خطا أحمر حين يتعلق الأمر بمقدسات الأمة أو بحقوقها أو بكرامتها أو بمعاناة الملايين من أبنائها.

 

أمريكا تعتذر للقذافي حرصا على المصالح الإقتصادية بعد أن كانت هي من تفرض عليه الحصار حتى طوعته وأرغمته على دفع المليارات كتعويض على حادثة لوكربي. من الممكن قراءة السرعة الأمريكية في الاستجابة للطلب الليبي بالخوف من المنافسة الصينية أو حتى الأوربية على الكعكة الليبية والتي تتميز (كغيرها من الكعكات العربية) بسهولة القضم والهضم. السؤال المؤلم والذي يفرض نفسه هنا، ماذا يكون الحال لو استخدمت دول عربية نفوذها وإمكاناتها الإقتصادية والجيوسياسية في الدفاع عن الأقصى أو في مقاومة الاستيطان أو في إرغام الإدارة الأمريكية على التوقف عن دعم الاحتلال الصهيوني أو في المطالبة برفع الحصار عن أهل غزة؟؟

 

الإدارة الأمريكية لم تعتذر للإبرياء والذين أطلقت سراحهم من معتقلها سيء السمعة في جوانتنامو، ولا عن تدمير العراق واحتلاله أو عن سجونها السرية وخطفها للإبرياء وتعريضهم للتعذيب عند الدول "الصديقة:، لكنها اعتذرت للقذافي وهي تعلم أن بيته من زجاج وأنه نظامه فاسد، لإن مصالحها ومصالح الغرب تكمن في أنظمة شاملة تحكمها الأهواء وتتحكم فيها الغرائز، وتعقد معها الصفقات وبمبالغ فلكية دونما رقابة أو محاسبة. إن مزاعم الحرص على نشر الديمقراطية في العالم العربي هي من أكبر الأكاذيب الغربية والأمريكية تحديدا، فالمساءلة ووجود أصوات قوية ستقف في وجه صفقات وعقود قد لا يجني منها الشعب والأمة سوى السراب والأوهام. كما إن النظام المستند على الإرداة الشعبية سيدافع عن مصالح الأمة وكرامتها ومقدساتها كما تفعل تركيا هذه الأيام.