انتخابات أمريكية إيرانية على أرض العراق!
24 ربيع الأول 1431
طلعت رميح

<p>انتهت الانتخابات في العراق. خلالها تنافست القوائم والمجموعات السياسية المسموح لها بالنشاط أو التواجد، على أصوات الناخبين وكراسي البرلمان. وكانت تلك المجموعات قد تصارعت من قبل أو تخالفت على القضايا الإجرائية للانتخابات؛ فأثيرت قضايا حول من له حق الترشيح ومن ليس من حقه، إذ كانت لجنة اجتثاث البعث قد تحركت ضد أعداد كبيرة من المرشحين وأبعدتهم من السباق.<br />
<br />
وفى دوامة التصويت جرت الاتهامات كثيرة مدرارة بتزييف إرادة الناخبين..الخ ،غير أن النتائج النهائية للانتخابات لم تسجل استحقاقا سياسيا في مصلحة العراق وأهله، إذ الأصل فيها أنها لم تجر من أجل اختيار حكومة تحكم العراق لمصلحة العراق أو حكومة تعبر عن شعب العراق، حيث المتنافسين الحقيقيين الفاعلين في هذه الانتخابات وفى لعبة تشكيل الحكومة القادمة، هم من خارج العراق، أما من جرت بينهم المنافسة والخلاف وربما الصراع في العملية الانتخابية؛ فلم يكونوا سوى توابع لمن هم في الخارج، حتى يمكن القول حصريا، أن المنافسة في الانتخابات قد جرت بين الولايات المتحدة وإيران، لا أكثر ولا أقل، وأن نتائج الانتخابات والحكومة التي ستتشكل لا هدف حقيقى لتشكيلها إلا تحقيق مصالح الولايات المتحدة وإيران، لا الشعب العراقي!.<br />
<br />
<br />
تلك هى الحقيقة الرئيسية أو الأصل والجوهر فيما شهده العراق خلال الشهور الماضية من ألاعيب انتخابية، كما هي الحقيقة الكلية الحاكمة لما سنراه ونتابعه خلال أيام وأسابيع وربما شهور ما بعد إعلان نتائج التصويت، إذ الفرز الموضوعي لمن شاركوا في لعبة الانتخابات هو فرز على أساس من يوالون من بالخارج. وفى ذلك كانت مشاركة المواطن العراقى تعبير عن التمسك بالأمل- فى الأغلب والأعم -لا ثقة في أي من الأطراف التي سعت لنيل حصة من اصوات الناخبين وتصارعت عليها.<br />
<br />
<br />
القضية الأصل هى أن العراق ما يزال محتلا، وأن القواعد التي تتحكم فى مجريات الحياة السياسية بل التى تحكم مصير الإنسان العراقي، في أن يعيش الإنسان في العراق أو يضطر للخروج تاركا وطنه وأهله، هي حقيقة الاحتلال. والاحتلال هنا ليس احتلالا واحدا أو من طرف واحد، وقد أصبح الأمر واضحا ومعروفا، إذ احتل العراق من الجو من الأمريكيين وعبر الأرض من قبل الإيرانيين، وإذا كانت حقيقة الاحتلال الأمريكي غير منكرة بل مؤكدة من قبل الجميع؛ فإن ما قاله الرئيس الإيرانى أحمدي نجاد بشأن الانتخابات وتأكيده على عدم ترشيح فئة من المرشحين العراقيين، كان مؤشرا حادا جديدا على مدى التغلغل الإيرانى فى العراق والسيطرة على جوانب رئيسية فى حياة العراقيين.<br />
<br />
<br />
ولذا؛ فإن الأسئلة الجوهرية في فهم الانتخابات العراقية ،لا ترتبط بمراجعة الاجراءات ولا عمليات التصويت ولا من فاز ومن لم يفز ، وإنما تتعلق بأسباب وأهداف إجراء الانتخابات والمطلوب منها ومن الذين يشكلون الحكومة بأمر وقرار من قبل الحكام الحقيقيين والفعليين للعراق ،وكيف جرت المنافسة بين أمريكا وإيران ولم جرت وما مؤشرات القادم فى العراق وانعكاساته على قضيته الاساسية إلا وهى قضية تحرير العراق من الاحتلالين العراقي والإيراني معا.<br />
<br />
<br />
<strong><font color="#ff0000">وصف العملية</font></strong><br />
فى وصف ما جرى ،فإن أهم ما يكشف الظروف التي جرت فيها الانتخابات هو هذا الكم الهائل من قوات الأمن والجيش والأجهزة الأمنية والصحوات والميليشيات ،مضافة كلها إلى قوات الاحتلال الأمريكية وقوات الحرس الثوري الإيرانى على أرض العراق ،بما يصل بحجم القوات التى سيطرت على الناخبين إلى نحو مليون ونصف المليون جندى وضابط ،إذ كل من هو يرتدى الزى العسكرى كان هو وسلاحه فى حالة تكليف بإدارة ومراقبة الانتخابات التي كان مقررا أن يشارك فيها نحو 19 مليون ،وهو ما يحقق نسبة غير مسبوقة من قوة القمع في التأثير على نتائج الانتخابات لا التأثير على حسن سير طريقة الأداء للصوت الانتخابى ،وهى نسبة (عسكرى ونصف لكل 19 ناخب ) تظهر دلالاتها أكثر إذا عرفنا أن الناخبين الذين قيل إنهم ذهبوا بالفعل للإدلاء بأصواتهم في&nbsp; الانتخابات هم نصف هذا العدد (حوالي 10 مليون ) فى أفضل الاحوال ،بما يعنى أن كل 7 ناخبين كان هناك جندى مكلف بالسيطرة عليهم.<br />
<br />
<br />
هنا يبدو ما جرى هو أشبه بعملية حربية ،إذ هذا الكم الهائل من الوجود العسكرى يعكس إلى أي مدى كان ما يجرى ضد الإرادة الحقيقية للشعب الذى ذهب إلى صناديق الاقتراع فى ظل حظر تجوال فرض على السير في كل عموم العراق.<br />
<br />
<br />
وفيما شاهدناه يبدو واضحا دلالات ما جرى الكشف عنه من طباعة أوراق تصويت تساوى كل عدد أبناء العراق من جميع الأعمار ،وبزيادة نحو 7 مليون ورقة انتخابات عن عدد أصحاب الحق فى التصويت ،وهو ما يعنى أن القرار في نتائج الانتخابات &ndash;بعد تزويرها-كان محددا بحصول لائحة مرشحى المالكى لنصف عدد أصوات الناخبين ،كما ذلك ما يفسر تدخل أطراف بعينها لتحذير أطراف أخرى من عملية التزوير عبر &quot;كشفها للعلن ما يجرى فى المطابخ الاخرى تمهيدا للتزوير &quot;.<br />
<br />
<br />
ولقد جرى التضييق على الناخبين الراغبين فى منح أصواتهم إلى قوائم ترفضها الحكومة القائمة&nbsp; - جرى ذلك فى داخل وخارج العراق &ndash;وفى شأن من صوتوا وأعدادهم وما قيل عن إقبال شعبى ،يبدو لافتا من متابعة كل القنوات الفضائية العراقية وغيرها ،أن احدا لم يعرض أية لقطة لطابور واحد لناخبيين محتشدين فى انتظار التصويت ،رغم كل ما جرى من أحاديث عن الاقبال وعن مشاركة ملايين فى عملية التصويت&nbsp; ،وهو ما يشكك فى كل نسب التصويت التي أعلن عنها (62 %) ،كما هو ما يذكر بما جرى كشفه بشأن الانتخابات التي جرت في عام 2005 ،إذ ظهر من بعد أن نسب التصويت التى قيل انها بلغت ما يزيد عن 76% من الناخبين ،لم تتعد حقيقة نسبة 27 % ،إذ&nbsp; ما قيل وأعلن ،لم يكن سوى كلاما كاذبا.<br />
<br />
<br />
وهكذا كانت عملية التصويت بادية فيها كل أشكال التزوير ،فإذا أضفنا لذلك ما جرى من استبعاد مرشحين من بعض القوائم ،وإطلاق القذائف على مناطق سنية فى بغداد لمنع خروج الناخبين للتصويت ،واستخدام الطائرات الحربية للقذف بمنشورات مؤيدة لقائمة المالكى ومهددة لمن ينتخب قوائم أخرى ..الخ ،يبدو المشهد كاشفا نفسه .وهنا يبدو الفارق بين أعمال التزوير تلك وأعمال التزوير المعتادة عموما في الانتخابات التي تجرى في العالم العربى ،هى أن العراق محتل ،وأن التزوير هنا يجرى من تحت ذقن الاحتلال لتحقيق أهدافه هو .إذن من كان يصارع أو ينافس من؟<br />
<br />
<br />
<strong><font color="#ff0000">المحتل والانتخابات</font></strong><br />
حين جرت انتخابات عام 2005 ،قد كان هناك الكثير مما هو مطلوب أمريكيا :<br />
على الصعيد السياسي الداخلى ،كان مطلوبا من الحكومة التى ستتشكل أن تتولى عملية الإسراع فى توظيف عراقيين فى الحرس الوطنى وأجهزة الامن والاستخبارات ،لتقليل ضغط المقاومة على قوات الاحتلال الأمريكية ولتحويل المعركة إلى عنف عراقى-عراقى ،كما كان مطلوبا منها أن تكون طرفا عراقيا له &quot;شرعية &quot; من خلال الانتخابات لكي يوقع على الاتفاقية الأمنية والاستراتيجية مع حكومة الولايات المتحدة التى تحتل العراق ،وللتوقيع على حقوق استغلال الشركات الغربية لنفط العراق ،لتقليل المشاحنات القانونية الدولية إذا ما وقع عليها قادة عسكريون أو مدنيون أمريكيون.<br />
<br />
<br />
وواقع الحال أن حكومة المالكى قد حققت كثيرا مما طلب منها ،لكنها فى ذات الوقت حققت المصالح والمطالب الإيرانية فى العراق إذ لم تكن المطالبات لها من قبل الاحتلال الأمريكي فقط .لقد حققت حكومة المالكى التى تولت الحكم بناءً على نتائج انتخابات 2005 (مطلع 2006 ) الكثير أيضا لمصلحة إيران ،فكان هناك تكريس السيطرة والسطوة الإيرانية داخل جهاز الدولة العراقي الذي تشكل بعد الاحتلال ،وشن وتصعيد الحرب على السنة والعرب الرافضين للنفوذ والوجود والاحتلال الإيراني في العراق ،وشن أعمق وأخطر حرب على كل ما هو عربى وتحويل هوية الدولة العراقية وتغيير نمط علاقاتها بالدول العربية ،وتحويل الاقتصاد العراقى إلى اقتصاد مستهلك للسلع الإيرانية ،وتغيير الرمزيات فى المجتمع من العروبة والاسلام إلى إيران والتشيع ومطاردة القيادات ،فضلا عن تطوير وتعميق درجة التغلغل الإيرانى فى داخل المجتمع العراقى.<br />
<br />
<br />
والآن إذ جرت الانتخابات الحالية ،فإن الولايات المتحدة تستهدف من الحكومة القادمة ،القيام بتسهيل المهام الاستراتيجبة للولايات المتحدة فى المرحلة المقبلة وأهمها ،مهمة تغيير طبيعة وجود ودور قوات الاحتلال الأمريكي (مهامها العسكرية وعددها) إنفاذا لخطة سحب القطاعات القتالية غير الضرورية تقليصا لحجم الوجود الأمريكي وقصره على الوجود فى قواعد مستقرة من جهة، والتركيز على دور المستشارين العسكريين والأمنيين والاقتصاديين والاعلاميين، فى الإمساك بمفاصل الجهاز التنفيذي فى العراق والأمني والاستخباراتى والعسكرى بشكل خاص ،كما تطلب الولايات المتحدة من تلك الحكومة تعديل التوازن فى داخلها من التشيع المتشدد إلى التشيع الليبرالي ،كما تطلب منها تعميق وجودها أو اختراقها للمجتمع السنى ،لتطوير افاق المعركة ضد المقاومة العراقية ،بجذب قطاعات سكانية إضافية للمرتبطين بالحكم الراهن ،من خلال توسيع دائرة المصالح.<br />
<br />
<br />
وفى المقابل ،تنشد إيران من تلك العملية الانتخابية ومن الحكومة المقبلة ،تعميق النفوذ الإيراني وتطويره إلى درجة دخول العراق ضمن إطار التحالف الذى يجرى تشكيله تحت الهيمنة الإيرانية فى المنطقة، وتوجيه ضربة قاضية للقوى الوطنية والعربية الرافضة للاحتلال الإيراني ،وإبعاد كل العناصر الوطنية التى نجحت فى التواجد داخل جهاز الدولة العراقى ،وتطوير الوجود الاستخباراتى الإيرانى فى داخل العراق ،والانتهاء من ربط الاقتصاد العراقى بحالة تبعية كاملة مع الاقتصاد الإيرانى ..الخ .<br />
<br />
<br />
ولذلك جرت المنافسة بين ما تريده الولايات المتحدة فى العراق وما تريده إيران ،إذ صراع المصالح هناك ،هو ما شكل الصراع بين المجموعات المتعاونة مع كل طرف من الأطراف خلال تلك الانتخابات ،وفى ذلك ركز الطرفان جهدهما فى العملية الانتخابية على تحقيق الأهداف المشتركة المتمثلة فى منع مشاركة أية تيارات وطنية أو عروبية أو إسلامية في الانتخابات وتحويل ما يفلت منها إلى وضعية هزيلة لا قدرة لها على التأثير الخ. <br />
<br />
<br />
<font color="#ff0000"><strong>التغيير.. والتغيير</strong></font><br />
لعبت الأطراف المتصارعة فى العملية الانتخابية على حاجة المواطن العراقى للتغيير .الإنسان العراقى يعيش حياته فى وضع مأساوي ،ويحاول بكل الطرق الوصول إلى التغيير ،ولذلك رفعت المجموعات المتخالفة شعارات التغيير ،معلنة رفض المحاصصة التى يمثل وجودها أساسا لقيام المحاصصة ،كما أعلنت عن تبنيها لسيادة العراق بينما المجموعات ذاتها هي عنوان لعدم تحققها وتحدثت عن تنمية وتطوير العراق بينما هى أحد أهم أدوات استمرار استنزاف العراق ونهب ثرواته.<br />
أرادت جماهير أبناء العراق التغيير ،ولم تجد فى المشهد الراهن وتحت ضغطه إلا المشاركة بهذا القدر أو ذاك وربما قال البعض أننا نبذل محاولة لمنع التزوير ما أمكن ..الخ ،لكن التغيير الحقيقي ،بصياغة دستور جديد وإجراء إنتخابات حرة حقيقة وبناء حكم عراقي وتطوير العراق ..كلها أمور لا يمكن أن تجرى في ظل وجود الاحتلال ،إذ الديمقراطية والاحتلال نقيضان لا يجتمعان.</p>