كوسوفا .. والبحث عن آفاق أرحب
23 ربيع الأول 1431
عبد الباقي خليفة

تتقدم كوسوفا يوميا على كافة المستويات، وكلما خطت إلى الأمام خطوة، ازدادت طموحاتها، وهي تبحث عن آفاق أرحب، من خلال توسيع دائرة الاعتراف الدولي باستقلالها، والذي ينتظر أن يبلغ أوجه بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية. إلى جانب التنمية الاقتصادية، حيث تعد نسبة البطالة في كوسوفا الأعلى في غرب البلقان، والتي تزيد عن 50 في المائة. وهو أمر محير حقا، إذ كيف يتحمس الاتحاد الاوروبي للقضايا السياسية، ومشاريع الاصلاح الدستوري، وفي نفس الوقت يتجاهل الفقر والحرمان في كوسوفا، كما هو الحال في البوسنة، مع الإشارة إلى وجود تحركات في هذا الخصوص للاستدراك، وإن كان على مستوى الخطاب ولم يدخل بعد مرحلة الشروع في التنفيذ؟

 

ومع أهمية البعد الاقتصادي، إلا أن ضمان الغطاء السياسي في هذه المرحلة يمثل أولوية في تعاطي كوسوفا مع التحديات المختلفة. حيث قلل رئيس وزراء كوسوفا هاشم تاتشي من أهمية وجود 5 دول أعضاء في الاتحاد الاوروبي، لم تعترف حتى الآن باستقلال بلاده. وقال تاتشي في حديث لصحيفة " كوها دي تور" الألبانية الصادرة في بريشتينا " الدول الخمس داخل الاتحاد الاوروبي، والتي لم تعترف حتى الآن بالاستقلال، تؤيد مسيرة كوسوفا نحو الاتحاد الاوروبي، ولا يوجد أي تهديد لهذا المسار من قبل هذه الدول " وأكد على أن الدول المذكورة ستعترف باستقلال كوسوفا في الوقت المناسب "اسبانيا، وسلوفاكيا، ورومانيا، وقبرص، واليونان، ستعترف في المستقبل باستقلال كوسوفا " ونفى أن يكون الاتحاد الاوروبي يعطي أفضلية لصربيا، واستبعاد كوسوفا من مسارالعضوية " الاتحاد الاوروبي فتح المجال أمام صربيا لتحقيق تقدم على مسار العضوية، ولكننا ننتظر أن يكون ذلك مقدمة لمرحلة يطلب فيها من بلغراد الاعتراف باستقلال كوسوفا، ويفتح فيها مسارعضويتنا في الاتحاد الاوروبي ".

 

أوراق الضغط : كوسوفا تدرك تمام الادراك أن صربيا عاجزة عن تهديد استقلالها، بأي طريقة كانت. ولم يبق لها سوى اللعب على وتر التقسيم، بضم شكال كوسوفا إليها. وكوسوفا متفطنة جدا للمسعى الصربي في هذا الخصوص، وعملت على إعداد خطة لبسط نفوذها على الشمال، ومنع الصرب من تشكيل إدارات موازية لمؤسسات الدولة المركزية في بريشتينا. وإلى جانب ذلك هدد رئيس البرلمان الكوسوفي يعقوب كراسنيتشي، بضم الأقاليم الألبانية في جنوب صربيا إذا رغب صرب شمال كوسوفا في الانفصال. وقال كراسنيتشي في مؤتمر صحفي عقده ببريشتينا " إذا رغب الصرب في شمال كوسوفا في الانفصال، فيجب عليهم أن يعلموا أن الألبان في بريشيفو، وبنيانوفتس مستعدون للاندماج في كوسوفا " وتابع " إذا كان هناك أطراف من الصرب لا تريد العيش في شمال كوسوفا كجزء لا يتجزأ من كوسوفا، ويعتقدون بأنه بامكانهم الانفصال، إذن فسيعلن الألبان التحاقهم بجمهورية كوسوفا ". وأوضح بأنه " من المهم للغاية بالنسبة لصرب كوسوفا، تكوين بلديات جديدة في شمال متروفيتسا بشكل أفضل مما هو حاصل حاليا " وأضاف " ربما من الأفضل أن تكون ميتروفيتسا بلدية واحدة، ولكن في الوضع الحالي لا يمكن ذلك وهو في عداد المستحيل " وطالب صرب كوسوفا ب" الاندماج في مؤسسة الدولة الكوسوفوية واحترام القانون الذي يسري على كامل تراب كوسوفا " وتعد هذه المرة الأولى التي يهدد فيها مسؤول كوسوفاري بضم الاقاليم الألبانية إذا أصبح انفصال شمال كوسوفا تهديدا حقيقيا. وكان الألبان في جنوب صربيا قد طالبوا بتبادل الأراضي بين كوسوفا وصربيا كحل نهائي للقلاقل العرقية في المنطقة.

 

وأكد رئيس وزراء كوسوفا هاشم تاتشي أن "الاستراتيجية الجديدة للحكومة في الشمال تقضي بتعزيز السيادة الوطنية على كافة المستويات، وتنمية شمال كوسوفا "وقال إن "الاستراتيجية تتكون من 4 محاور هامة، أولا، بسط سيادة القانون وتعزيز سلطة الحكومة على كامل تراب كوسوفا، وثانيا إعادة التقسيم البلدي واجراء اصلاحات في شمال كوسوفا، ولا سيما مناطق، ليبوصافيتش، وزفيدشاني، وزوبين بوتاك، وثالثا، إقامة صندوق لتنمية شمال كوسوفا، ورابعا، تقوية علاقاتنا الاقليمية مع دول الجوار والعمل على زيادة الدول المعترفة بالاستقلال ". وأشار تاتشي إلى أن الحكومة أنفقت العام الماضي 8 ملايين يورو على مشاريع البنية التحتية. ولم يذكر تاتشي حجم المشاريع التي تنوي حكومته إقامتها في شمال البلاد هذا العام، بيد أنه أكد على وجود دعم دولي لهذا التوجه الساعي لمنع حدوث " جمهورية صربية " أخرى داخل كوسوفا، كما هو الحال في البوسنة. وهو ما أكده مدير مكتب الامم المتحدة في بريشتينا " بتر فايت ".

 

الصرب يدركون الفشل : لقد شعر الصرب بعد تحركات حكومة كوسوفا في الشمال، بأن التقسيم لن يكتب له النجاح، كما فشلت محاولاتهم الاحتفاظ بكوسوفا، وأحسوا بأن طبختهم احترقت،، فعادوا للضرب مجددا على وتر عودة كوسوفا للاحتلال الصربي، فقد وصفوا تصريحات رئيس وزراء كوسوفا هاتشي تاتشي، بالخطيرة. وذهب وزير الخارجية الصربي فوك يريميتش ( 34 سنة، مدرس تعليم ثانوي سابق ) إلى أبعد من ذلك، وقال في حوار مع صحيفة " نيويورك تايمز " " إن صربيا لن تتوقف عن المطالبة بعودة كوسوفا إلى سيادتها " وطالب بعودة المفاوضات بين الطرفين الصربي والألباني حول مصير كوسوفا، مشيرا إلى أن بلاده ستتقدم إلى الأمم المتحدة بطلب في هذا الخصوص، معتبرا " كوسوفا قدس الصرب " مبررا بذلك زيارته ل 90 دولة العام الماضي وقضائه 700 ساعة أو 21 يوما في الخارج لهذا الغرض. وقال وزير شؤون كوسوفا في حكومة بلغراد، أوليفير ايفانوفيتش بأن " التصريحات التي تتحدث عن اندماج شمال كوسوفا في المؤسسات الكوسوفية خطيرة، لأنها تحقق مطالب الراديكاليين الألبان ". وأضاف " تصريحات، بيتر فايت، بدمج شمال كوسوفا في المؤسسات الكوسوفية خطيرة للغاية، لأنها تغذي الرغبة الألبانية الهادفة للسيطرة على شمال كوسوفا بهذه الطريقة أوتلك ".

 

تحسن الأوضاع الأمنية في كوسوفا : تعد قضية الأمن والاستقرار من أهم النجاحات التي حققتها كوسوفا منذ استقلالها قبل أكثر من عامين. وليس أدل على ذلك من تخفيض عدد الجنود التابعين لحلف شمال الأطلسي من 16 ألف جندي إلى 10 آلاف جندي سيتم تخفيض عددهم العام القادم إلى مستوى 4 آلاف جندي، وهو ما أعلن الامين العام لحلف شمال الأطلسي أندريس فوغ راسموسن . وقال في اجتماع لوزراء دفاع الحلف في اسطنبول " لدينا خطط لمواصلة النظر في تخفيض عدد القوات العسكرية التابعة للحلف في كوسوفا العام القادم 2011 " وتابع " وفقا لخطط الحلف فإن القوات العسكرية في كوسوفا سيتم تخفيضها إلى 4 آلاف جندي بدل العشرة آلاف العاملين حاليا هناك، وذلك ضمن خطة استراتيجية للانسحاب من كوسوفا"
تحسن الأوضاع الأمنية في كوسوفا، فتح المجال للبحث عن آفاق التنمية في البلاد التي أرهقتها عقود الاحتلال الصربي لكوسوفا، وبدا الكثير من المسؤولين الاوروبيين يدلون بتصريحات في هذا الخصوص فقد أشارمبعوث الاتحاد الاوروبي الخاص إلى كوسوفا ميخائيل دجيفوني،( ايطالي ) إن أولويات أهدافه الرئيسية في كوسوفا، " تعزيز المستقبل الاوروبي لكوسوفا، وحل مشاكل المواطنين " وتابع " إن من أولوياتي الرئيسية، الترويج لرؤية الاتحاد الاوروبي لمستقبل كوسوفا بما في ذلك كوسوفيسكا ميتروفيتسا، لأن شمال كوسوفا يعد مسألة بالغة الأهمية " وأعلن دجيفوني عن قرب افتتاح مكتب لبعثته في شمال كوسوفا، كرمز له دلالاته للوجود الاوروبي في كوسوفا، على حد قوله. كما أشار الدبلوماسي الايطالي إلى أن من مهامه أيضا " ملئ الفجوة في مجال الاتصالات بين الطوائف ولا سيما بين الأغلبية الألبانية والأقلية الصربية وايجاد الحلول للمشكلات اليومية التي تعترض الكيانات الاجتماعية الصغيرة " ورفض المبعوث الاوروبي بشدة فكرة تقسيم كوسوفا " هذا ليس حلا، بل من شأنه أن يؤدي إلى خلق مشاكل جديدة " وتابع " يتفق الجميع على أن منطقة غرب البلقان تحتاج إلى الاستقرار من خلال مزيد من الاندماج في الاتحاد الاوروبي ".وهي الآفاق الأرحب التي تسعى إليها كوسوفا بعد عامين من اعلان استقلالها.