استعراض كتاب: خريطة الشيعة في العالم
16 ربيع الأول 1431
موقع المسلم

لم تأتِ كثير من الدراسات لتعالج مسائل النشاط المذهبي والسياسي للشيعة ودولتهم معاً، كما لم تفصل كثير من الأبحاث في العلاقة الارتباطية ما بين التاريخ والحاضر، والعقيدة والسياسة.

 

من هنا كانت المقاربة التي بين أيدينا وهي كتاب "خريطة الشيعة في العالم.. دراسة عقدية/تاريخية/ديموجرافية/استراتيجية"، للباحث أمير سعيد لتمزج هذه الحيثيات في كتاب واحد يقع في 240 صفحة من القطع المتوسط، محاولة أن تجيب على تساؤلات حول دور العقدية في رسم السياسية الإيرانية، وتحليل استراتيجيتها الخارجية لنشر المذهب الشيعي في العالم العربي والإسلامي وفي دول العالم المؤثرة بين الجاليات المسلمة كالولايات المتحدة وغيرها، والأثر التاريخي على الواقع، والخط الواصل ما بين الممارسات التي قامت بها الدول الشيعية في العالم الإسلامي عبر القرون الماضية وما تنفذه الأجندة الإيرانية في الداخل والخارج، ومد هذا الخط على امتداده لاستشراف المستقبل الإسلامي في ظل الأحلام التوسعية للدولة الإيرانية.

 

والدراسة التي قدم لها الأستاذ الدكتور ناصر بن سليمان العمر، والمفكر الإسلامي د.محمد العبدة، ورئيس تحرير مجلة البيان الشيخ أحمد الصويان، تأتي ضمن إصدارات مركز الرسالة للدراسات والبحوث الإنسانية، والذي تعرض من قبل أيضاً للحالة الشيعية في المنطقة ممثلة في النموذج اللبناني من خلال كتاب "حرب بلا نصر..لبنان: ربيع التغيير وصيف الحرب وشتاء الإضراب" للكاتب نفسه، تحاول أن تسعى لأن ترسم خريطة جغرافية للوجود والتمدد الشيعي في العالم وأدواته المستخدمة في نشر هذا المذهب، والاستراتيجية الموضوعة لهذا الانتشار والتي سميت بالخطة الخمسينية، ومدى اقترابها أو ابتعادها مع الواقع بغض النظر عن كونها حقيقية أو مسربة عن عمد بغرض إحداث حالة من القلق في الوسط السني رسمياً وشعبياً.

 

يقول الكاتب: "التوقيت إذن ضروري لاستجلاء قسمات المرحلة، والجغرافيا السياسية التي يعاد تشكيلها من جديد وفقاً لصيغ واستراتيجيات ومشروعات متشابكة ومعقدة أضحت تزحف في كل الاتجاهات العكسية إلى الداخل السني من دون أن يتبلور مشروع إسلامي سني مضاد."

 

وحيث تبدو مسألة وجود مشروعين غربي/"إسرائيلي" وشيعي إيراني يحيطان بالمنطقة العربية قضية ملتبسة على الباحثين والقراء على حد سواء، تسعى الدراسة لتبيان ما يجمعهما في هذا الصدد، مؤثرة ما يصفه الباحث بـ"الاتزان في التعاطي مع المشروعين الغربي/"الإسرائيلي" والشيعي الإيراني، ووضع كل بحجمه الحقيقي من دون تعسف أو سوء تقدير."

 

وتلمح الدراسة إلى أنه في ظل حماسة وتبني من دولة بحجم إيران لنشر المذهب الشيعي في العالم والسعي للتمكين لأتباعه، والدفاع عن أنشطتهم في الدول الإسلامية، ورفدها بكل ما تحتاجه؛ فإن الجانب السني الرسمي ما زال مقصراً في هذا الخصوص، ولم يحمل التهديدات الناجمة عن هذا التمدد على محمل الجد، مؤثراً التركيز على نزاعات هامشية، ومستهلكاً ذاته فيها.

 

وتوصي الدراسة بالاحتفاظ بالأوراق السنية في المنطقة، ومنها القضية الفلسطينية التي تسحب شيئاً فشيئاً ـ وغيرها ـ من الدول العربية، وتنبه إلى أن "الاستراتيجية الإيرانية التوسعية لا يمكن مناهضتها في الحقيقة بسلة من الأوراق ورفوف من الكتب، وإنما بجهد تأثيري فاعل ينتقل من حيز التصنيف المبهم إلى الحركة الفاعلة؛ فأولئك الموظفون الكبار الذين هم محل استهداف من الجانب الآخر لترويج الفكرة الشيعية أو احتضانها أو تسهيل شيوعها في البلدان الإسلامية، لابد من وضعهم في صورة الأزمة بمفرداتها المتعددة التي قد تغيب في زحمة العمل وتوالي الأحداث."

 

وتلفت إلى ضرورة "نشر أسماء المتسللين إلى مراكز صنع القرار والتوجيه الإعلامي ممن يحملون أجندات إيرانية، ويتحينون الفرص لبثها بين الشعوب السنية."، وهي بهذا تنبه إلى مسألة الاختراق الشيعي الكبير لوسائل إعلام عربية لها تأثير هائل على المشاهد والمستمع والقارئ العربي المسلم، وتسوق لأفكار تشوه عليه معتقداته وأفكاره، ورؤاه السياسية.

 

وقد حاول الكاتب من خلال استعراضه التاريخي أن يخلص إلى جملة من النتائج من خلال التحليل التاريخي للأحداث وإلى تلك الدول التي تولى الشيعة الإمامية فيها ولايتها، من أهمها الانكفاء الشيعي الدائم على الخارج، أو ما أسماه الكاتب بـ" الإعراض عن الفتوحات الإسلامية، والنوء عن حِمل التصدي لأعداء الخارج، واعتبار الهم الأول هو (الثورة) الداخلية ضد الأنظمة الحاكمة الإسلامية، إعانة أعداء الخارج على المسلمين السنة"، ملاحظاً أن هذه الحالة العدائية لم تكن مقتصرة على الأنظمة، وإنما تلظت الشعوب بنارها، معتبراً أن هذه الإطلالة على الماضي "حيث دول الشيعة وتجمعاتهم البارزة بقدر من الاختصار الذي تدعوه الحاجة، لمجرد الاستهداء في قراءة اللحظة من دون الاسترسال في التاريخ الجاذب نحو مسالكه وأوديته الجاذبة للدارسة، وتحديد الخيط الواصل بين الفكر الشيعي والسياسة الإيرانية، وتوابعها.. كيف يمكن قراءة الفكر الشيعي بعدسة استراتيجية عصرية."

 

وفي تعاطي الدراسة مع الحاضر، رسمت سمات السياسة الإيرانية الحالية، والتي تلخصت في تلك النقاط:

 

أولاً: المزج بين الفارسية والتشيع.

ثانياً: الجمع بين المرجعية الفقهية والبراجماتية الميكيافيلية.

ثالثاً: توظيف القوة النامية في التسويق لقيادة العالم الإسلامي.

رابعاً: الصراع الدائم مع الغالبية الإسلامية السنية.

وسعت لتقريب النظام الأساسي السياسي للحكم في إيران من خلال المراجع الرسمية الإيرانية، من دون أن تتجاهل أياً من إيجابياته وسلبياته، ولاحظت الدراسة أن "النظام السياسي الإيراني يتكون من تركيبة تبدو في ظاهرها قريبة من النظام الليبرالي، لكنها تستبطن نمطاً من الحكم الفردي، فهي جامعة ما بين ثيوقراطية الروح وديمقراطية التطبيق، بحيث لا يمكن نسبتها بشكل حاسم لأي منهما.

 

ويمكن النظر إلى النظام السياسي الإيراني كمقاربة مؤسسية للأنظمة الغربية في الحكم، تحكمها عقلية صفوية تستمد شرعيتها وترسم استراتيجيتها من خلال فرد واحد تسمو قراراته فوق كل أنظمة الرقابة على السلطة التنفيذية في أي من نظم الحكم المتعارف عليها.

 

فالنظام السياسي الإيراني ذو أبعاد مؤسسية متنوعة تحاول أن توجد صيغة تضمن قدراً من التوازن بين أركان الحكم المختلفة، لكنها مع ذلك تعجز عن تحقيق هذه الضمانة بشكل مناسب، نظراً لانجذابها الشديد نحو نظرية "ولاية الفقيه" التي تخذل كثيراً قدرة النظام على الاستقلال عن الرغبات الفردية للمرشد العام للثورة".

 

وأخيراً؛ فإن الكتاب مزيج من الحديث الشرعي والاستراتيجي والتأريخ، وقد نبه فيه الكاتب إلى ضرورة الحديث الجاد والجديد في هذا المضمار دفعاً للتكرار والتسطيح المعرفي؛ فقال: "قد يكون من الواجب التساؤل عما يمكن أن يضيفه كتاب عن الشيعة وعن دولتهم ذات الاعتبار الإقليمي في الحوض الإسلامي، وجوار المنطقة العربية، في ظل هذا الكم الهائل من الكتب والدراسات والبحوث التي صدرت عن هذه المسألة. إن أية إضافة في اتجاه مسبوق هي محل نظر وتمحيص، ولذا؛ فمن غير المقبول أن نضم عدداً من الكراسات إلى أطنان من الدراسات والخطابات والمقالات قيلت في هذا الصدد، من دون أن تعبر هذه الدراسة عن مقاربة لرسم خريطة شيعية جديدة للحوض الإسلامي وخارجه، ومسعى لفهم الاستراتيجية الإيرانية الآنية في ضوء قناديل السياسة والعقيدة والتاريخ والجغرافيا، جوارا بجوار. 

 

ولقد كان ضرورياً أن تترافق هذه المساهمة مع حالة إقليمية صاعدة للشيعة عقيدة وسياسة، ودولية توسع لها طريقاً للامتداد،  يمكن استبيان ملامحها من خلال الوضع العراقي واللبناني والبحريني والملف النووي، والذي صبت جميع روافده في جدول التشيع وقوته السياسية والعسكرية الصاعدة."