29 رجب 1431

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لي أخت هي أكبر مني سنًا.. دائمًا ما كانت تقول لي ونحن صغار يا غبيه، وتغضب عندما أقوم بتقليد حركاتها أو أخذ شيء من أغراضها.. مع أنني كنت أحبها كثيرًا وأحب أن أبقى معها، وأقلد أفعالها وتصرفاتها في معاملة الناس.. وقدر الله أن نكون معًا في جامعة واحدة؛ بل وفي قسم واحد.
في بداية الأمر أخذت معي مادة عند نفس الدكتورة، وعندما كنت أريد أن أفهم شيئًا منها؛ كانت تقول لي: دعيني أذاكر لوحدي، ولا تزعجيني. فقررت ألا أسألها أي سؤال إطلاقًا؛ لأنني زعلت (غضبت) فعلا من موقفها.
ومرت السنوات، وأصبحت أحمل لها شيئًا في قلبي مع كثرة المواقف التي نتعرض لها وتغضبني فيها.. وكنت أخبرها بذلك ولكنها كانت لا تبالي.. وأصبحت أحاول أن أعتمد بعد الله على نفسي.. ورغم أنها أكبر مني إلا أنها تعتمد علي في كثير من أمور المنزل لدرجة أنني أشعر أنني أكبر إخوتي.
وذات يوم حدث بيننا شجار ولم نعد نتحدث معًا كإخوة أبدًا؛ وأصبحنا نتعامل كزملاء فقط في المنزل!.
وأشعر أنني إن عدت كما كنت سابقًا فسوف تعود هي كما كانت، ولن يتغير بها شيء، وستعاملني كما كانت تعاملني سابقًا.. وأنا لا أرغب في ذلك أبدًا لأني أشعر الآن أنني أفضل.
أنا لا أعلم كيف أعاملها؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أختنا الكريمة:
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكِ، وشكر الله لكِ ثقتكِ بإخوانِكِ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فقد قرأت استشاراتك باهتمام شديد؛ وخرجت منها ببعض النقاط الأساسية التي يمكن لو حللناها جيدًا؛ أن تكون مدخلا لحل المشكلة؛ وهي:-
1- أن الشكل الذي وصل إليه خلافك مع أختك له رواسب نفسية قديمة لم يتم إنهائها.
2- أن سبب تزم ك تأزم الوضع أنك تفتقدين من أختك الكبيرة لمشاعر الأخوة الحانية والعطف.
3- عدم مبالاة أختك بك، ولا بغضبك منها وسع هوة الخلاف بينكما.
4- تقصير كلا منكما في واجباتها تجاه الأخرى؛ فلا الصغيرة تحترم، ولا الكبيرة تعطف.
5- غياب دور الأهل في المشكلة (الأب/ الأم/ الإخوة والأخوات/ الأقارب/...).
كما وردت في استشاراتك بعض العبارات التي يجب التوقف عندها؛ مثل: "هي أكبر مني سنًا"، "دائمًا كانت تقول لي ونحن صغار يا غبيه"، و"تغضب عندما أخذ شيء من أغراضها"، "كنت أحبها كثيرًا"، "كانت تقول لي: دعيني أذاكر لوحدي، ولا تزعجيني"، "أصبحت أحمل لها شيئًا في قلبي"، "كانت لا تبالي"، "تعتمد علي في كثير من أمور المنزل"، "أشعر أنني أكبر إخوتي"، "لم نعد نتحدث معًا كإخوة"، "أصبحنا نتعامل كزملاء فقط في المنزل"، "لا أعلم كيف أعاملها؟".
أختنا الفضلى:
من خلال العبارات السابقة؛ يجدر بنا تسجيل بعض الوقفات التربوية على النحو التالي:-
1- كونها أكبر منك سنًا يوجب عليك أن تعامليها باحترام، فلابد أن تراجعي نفسك في هذه النقطة، فربما كانت تصدر منك كلمات أو تعبيرات تعكس لها عدم احترامك لها؛ وهو بلا شك أمر يغضب الأخت الكبيرة من أختها الصغيرة.
2- غير أن كونها أكبر منك سنًا لا يمنحها الحق في التطاول عليك بالسب، ووصفك بعبارات مؤلمة مثل كلمة "يا غبية"؛ فلا شك أن اتهامها لك بالغباء أمر مؤلم، ويزداد إيلامًا لو كان قد صدر أمام/ وحضور آخرين.
3- بينما لها الحق أن تغضب منك عندما تمتد يدك إلى أغراضها وأدواتها الخاصة، فالإنسان بطبعه- وفي هذه السن تحديدًا- يميل إلى احترام خصوصياته، واختياراته، وإظهار استقلاله، وقد ألمح الشارع الحكيم إلى هذا الأمر؛ فكره استعمال حاجة الغير إلا بإذنه، ونبهنا إلى ضرورة الاستئذان (طلب الإذن) في الدخول على الآخرين، ولو كانوا آباءنا أو أمهاتنا أو أخواتنا؛ مادمنا قد تخطينا مرحلة الطفولة غير المدركة؛ فقال تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور/59].
4- حبك لأختك فطرة إنسانية، وواجب شرعي؛ فطرة جبلكما الله (سبحانه وتعالى) عليها؛ والمشتركات بينكما كثيرة؛ فقد خلقكما من أب واحد وأم واحدة، وتكونتما في رحم واحد، ورضعتما من ثدي واحد، وتلقيتما تدريباتما الأولى في الحياة في محضن واحد وهو الأسرة الصغيرة، وهكذا.... المشتركات كثيرة؛ فضلا عن كون هذا الحب في الله هو واجب شرعي بين أي مسلمتين فما بلكما وأنتما شقيقتين؛ تعضد كلتاكما الأخرى في نظام وأحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، بل وترث كلتاكما الأخرى في حالات منصوص عليها شرعًا.
5- لا يصح ولا يعقل أن يحمل قلبك ضغينة على أختك، فما حدث وما يحدث لا يزيد عن كونه مجرد خلاف بسيط في وجهات النظر، سرعان ما سيزول؛ ومشاعر غاضبة سرعان ما تهدأ؛ ولا يجب أن يتضخم الأمر لدرجة أن تتعاملا معًا كزملاء، بل يجب أن تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية، ويعود الوئام بينكما.
ولأنك أنت التي بادرت بالخير؛ فقصصت المشكلة، وطلبت الرأي فيها؛ فإني أنصحك بالآتي:-
1- اللجوء إلى الله وسؤاله العون: بأن تقومي من الليل فتتوضئي وتصلي ركعتين من دون الفريضة، وبعد السلام ترفعي أكف الضراعة إلى الله؛ فتسألينه أن يهد قلبك للصلح وأن يحببه إلى نفسك، وأن يلين لك قلب اختك، وأن يصرف عنكما الخلاف والشقاق، وأن يزرع الحب في قلبيكما.
2- تجديد النية من الصلح: وجعلها لله تعالى، طاعة ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه.
3- طي صفحة الماضي: بكل مساوئه وجروحه، وبدء صفحة جديدة ملؤها الحب في الله؛ وثقي أنها لو رأت منك حبًا واحترامًا وتقديرًا لردت مودة وعطفًا وحنانًا.
4- الحرص على الأخوة: قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات/10]، وعن أبي خِرَاشٍ حدرد بن أبي حدرد الأسلمي، ويقال: السلمي الصحابي (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أنه سمع النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) يقول: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" (رواه أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح).
5- المبادرة بمد يد الصلح: وهنا أنصحك أنت بالمبادرة بطلب الصلح؛ رغبة في الاجر الكبير والخيرية التي وعد الله ورسوله بها، ولكونك الأصغر سنًا، فعن أبي أيوب (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أن رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا؛ وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" (متفق عَلَيْه).
6- البعد عن التقاطع والتدابر والهجر: فعن أنس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال: قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا؛ وكونوا عباد اللَّه إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" (متفق عَلَيْهِ).
7- تجنب الشحناء فإنها تؤخر المغفرة: فعن أبي هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال: قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): "تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر اللَّه لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا" (رواه مُسْلِمٌ).
8- الخوف من الموت على المعصية: فعن أبي هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال: قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" (رواه أبُو دَاوُدَ بإسناده على شرط البخاري ومسلم".
9- خذلان شياطين الإنس والجن: الذين لا يسعدهما إلا أن يروكما متشاحنتين ومتدابرتين ومتقاطعتين، والذين لا يتمنوا أن يروكما يومًا متصافحتين ومتغافرتين ومتحاببتين.
10- الاستعانة – بعد الله – بوساطة الأهل: والأرحام وبعض الصديقات الصالحات المخلصات؛ إن تأزم الوضع، ولم تصف النفوس، ولم تستجب لنداء الشرع والعقل، فاتخاذ الأسباب – بعد الاتكال على الله- أمر حض عليه الشرع في مواضع كثيرة؛ منها عند الصلح بين الزوجين المتخاصمين؛ قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُّرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء/35].