استهداف مشروع الأسلمة بماليزيا...أجندة علمانية بأيد طائفية!
7 ربيع الأول 1431
رضا عبدالودود

حملت التوترات الأخيرة التي شهدتها ماليزيا منذ مطلع العام 2010 معالم مخطط لاستهداف النموذج الاسلامي بماليزيا مما يثير المزيد من المخاوف حول مستقبل مشروع ماليزيا للتحول إلى دولة عظمى في 2020 وفق منظورها الإسلامي الحضاري، حيث انشغلت الساحة الماليزية بعدة حوادث وازمات طائفية لم تشهدها منذ الاستقلال عن الاحتلال البريطاني 1957،إلا في العام 1969..

 

فتفجرت أزمة لفظ الجلالة "الله" بين مسيحيي ومسلمي ماليزيا وهي الأزمة الأعنف منذ عقود،حيث تظاهرات واحراق كنائس والقاء رؤوس خنازير بالمساجد واحراق المصليات في مشهد أعاد للأذهان الأوضاع في ماليزيا أيام الاحتلال البريطاني عندما سعى المحتل لزرع الألغام بين العرقيات والقوميات المختلفة ، حيث أجبر الملايو وهم أغلبية السكان على السكن في الريف لزراعة الأرز وأسكن الصينيين في المدن للعمل في التجارة وأخيرا ترك الهنود لوظيفة جمع المطاط. ..ما تسبب في توترات طائفية عنيفة هزت البلاد في 1969.

 

وكانت الشرطة الماليزية قد أعلنت يوم الأربعاء27-1-2010 ، أنه تم العثور على رءوس ثلاثة خنازير مقطوعة وموضوعة أمام مسجدى تمان داتو هارون، ومسجد الإمام الترمذى فى ضاحية كوالالمبور، وذلك فى الوقت الذى تشهد فيه البلاد منذ أسابيع سلسلة من أعمال التخريب ضد أماكن دينية أدت إلى توترات طائفية. إضافة إلى ضرام النار فى مصليين الخميس 22-1-2010، وتدنيس 11 كنيسة منذ مطلع العام..

 

يذكر أن المسلمين يشكلون نحو 60% من اجمالي عدد السكان الذي يبلغ تعدادهم 28 مليون نسمة وفق احصاء 2007، ويبلغ تعداد المسيحيين حوالي 2.2 مليون نسمة يشكلون نسبة 9.1% من إجمالي تعداد سكان ماليزيا، من بينهم حوالي 800 ألف كاثوليكي، وبجانب المسلمين والمسيحيين يعيش في ماليزيا بوذيون وهندوس بنسبة 19.2% و6.3% على التوالي من تعداد السكان -بحسب إحصائيات رسمية.

وعلي الرغم من تأكيدات قوات الشرطة بأن الهجمات كانت غير مخططة وغير منسقة وارتكبها هواة، فقد جاءت بمثابة صدمة اجتماعية وسياسية في بلد يعتد بتسامحه الديني والعرقي كأساس للتعايش.

 

وكانت الأزمة تفجرت بعدما أصدرت محكمة ماليزية مطلع العام الجديد قرارا يسمح للمسيحيين باستخدام لفظ الجلالة (الله) للإشارة إلى رب المسيحيين ، معتبرا الحظر الذي كانت تفرضه الحكومة على استخدام غير المسلمين للكلمة غير قانوني .وجاء القرار بعد أن رفعت صحيفة "كاثوليكية" دعوى العام الماضي ضد الحكومة بسبب الحظر الرسمي المفروض على استخدام الكلمة ، وذكرت صحيفة "كاثوليك هيرالد" أنها ترغب في استخدام اسم (الله) للإشارة إلى رب المسيحيين بهدف خدمة المسيحيين الناطقين بلغة الملايو في جزيرة بورنيو .وفيما اعتبر المسيحيون الحكم انتصارا لحرية الأديان في البلاد ذات الأغلبية المسلمة ، شككت بعض الجماعات الاسلامية في دوافع الكنيسة الكاثوليكية وأعربت عن اعتقادها بأن تلك الخطوة ما هي إلا غطاء لتشجيع المسلمين على التخلي عن الإسلام واعتناق المسيحية ، في ضوء تصاعد موجات التنصير التي تضرب شرق وجنوب آسيا في الفترة الأخيرة..

 

وفي السياق ذاته ، ذكرت الحكومة أن استخدام الكلمة العربية ربما يثير حساسيات المسلمين ويشوش معتقداتهم ، وأصرت على أن لفظ الجلالة هي الكلمة الإسلامية التي ينبغي أن يقتصر استخدامها على المسلمين فقط ، وأوضحت أن استخدامها من قبل الديانات الأخرى يمكن أن يكون مضللا ، مشيرة إلى أنها قررت استئناف الحكم الذي يسمح للمسيحيين باستخدام لفظ الجلالة " الله ".

 

إصرار كاثوليكي لإفشال مشروع الأسلمة!

ويشير المراقبون إلى أن الاصرار الكاثوليكي على استخدام لفظ "الله" من قبل نصارى ماليزيا في هذا التوقيت يأتي كمحاولة اثبات الحضور الكاثوليكي للفئة الأكثر ثراء ونفوذا سياسيا في البلاد وللتعبير عن اعتراضهم على التمدد الاسلامي وأسلمة كثير من مناحي الحياة بصورة ملفتة تهدد الأقليات غير الاسلامية في ظل الخطوات المتسارعة التي يشهدها الشارع الماليزي ضمن مشروع الدولة الإسلامية العظمى الذي دشنه رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد منذ ثمانينيات القرن العشرين(دمج الإسلام بالحياة العامة، الأمر الذي يعني تعزيز القيم والهوية الإسلامية وخلق روابط جديدة مع العالم الإسلامي ) وسار عليه رؤوساء الوزراء عبدالله بدوي ونجيب عبدالرزاق...

 

حجب الأصوات المسيحية..بداية التأزيم
ولعل الرفض الإسلامي لقرار المحكمة الماليزية يبدو غير مستغربا في ضوء المخططات الكاثوليكية المدعومة من مؤسسات غربية ، طفت مظاهرها على الساحة الماليزية خلال الانتخابات النيابية التي شهدتها ماليزيا في 2008، حيث دعت كنائس ومؤسسات مسيحية ماليزية الناخبين الماليزيين إلى التصويت لصالح المرشحين الذين يتبنون برامج تحافظ على الحريات الدينية في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها يوم 8 مارس 2008..
وفي السياق ذاته جاءت تصريحات "وونج كيم كونج" الأمين العام للمؤسسة الوطنية للمسيحيين الإنجيليين في ماليزيا لرويترز قبيل الانتخابات في مارس 2008: "هناك تخوف أساسي بشأن الأسلمة الخبيثة للحياة العامة".

 

وكان مهاتير محمد وحزبه الحاكم "أومنو" وضعا برنامجا للتحديث على أساس مبدئين رئيسيين هما : دمج الإسلام بالحياة العامة والاستمرار في سياسات التحركات الإيجابية التي بدأت في السبعينيات من القرن الماضي التي منحت المسلمين الذين يمثلون 60% من سكان البلاد تميزا في الوظائف الحكومية والتعليم.، في محاولة لتصحيح اخطاء الاحتلال البريطاني الذي همش أصحاب البلاد الأصليين، وتعرضت تلك السياسات لانتقادات من جبهتين متناقضتين ، العلمانيين الليبرال الذين يرون أن إضفاء "الصبغة الإسلامية" على المجتمع والسياسة الماليزية قد تجاوزت الحدود كما أنها تتسبب في تآكل التقاليد التي كانت يوما ليبرالية..

 

وكذلك حزب "باس" الإسلامي المعارض –الذي انشق عن "أومينو" منذ الخمسينيات من القرن الماضي- فإنه يرى أن مساعي حزب "أومنو" غير كافية ويطالب بتسريع خطوات الأسلمة..الأمر الذي يثير قلق الأقليات غير المسلمة التي تخشى من أن تكون حقوقها مهددة في حال نجح "باس" بالانتخابات المقبلة في 2013..

 

وهكذا يتضح أن اصرار المسيحيين على استخدام لفظ الجلالة بالعربية في هذا التوقيت يسعى لإحراج الحكومة الحالية وعرقلة خططها لتنفيذ مشروع "أمنو" بالكامل ، بالإضافة إلى منع حزب "باس" من الوصول للسلطة .
ففي ظل مشروع "أومنو" ، باتت الأقليات تشعر بالقلق من احتمال تهميشها ولذا تراجع تأييدها لحكومة نجيب عبد الرزاق والذي ظهر جليا في الانتخابات العامة عام 2008 ، حيث لم يحقق الحزب الحاكم أغلبية كبيرة ويبدو أن إثارة أزمة "الله" في هذا التوقيت يهدف إلى تعقيد خطط نجيب عبد الرزاق لاستعادة دعم غير المسلمين قبل انتخابات 2013 ..

 

تاريخ طويل من الأسلمة
مع دخول الإسلام ماليزيا في القرن الثاني عشر عن طريق التجارة والدعاة كما هو الحال في دول جنوب شرقي آسيا ، تأثرت لغة الملايو بالعربية بشكل كبير وتجلى ذلك في استخدام الحرف العربي بدل الرموز التي كانت مستخدمة في الكتابة الملايوية ، حيث استخدم الماليزيون الكتابة العربية في شكلها المعروف بالخط الجاوي نسبة إلى جزيرة جاوا الإندونيسية التي منها انتشر الإسلام في أرخبيل الملايو.
وتحتل اللغة العربية حاليا مكانة مرموقة في ماليزيا فهي موجودة مثلا على العملات الورقية واللوحات الإرشادية ودخلت المصطلحات الدينية العربية إلى الملايو دون تغيير كألفاظ العبادات والمعاملات والمناسبات الدينية ، ويكاد نصف مفردات اللغة الملايوية يكون ألفاظا عربية.

 

كما تنشط الحركة السياسية الإسلامية في ماليزيا منذ تأسيس حزب المسلمين المعروف بـ(حاميم) في 14 من مارس 1948 وقد تأثرت كافة تيارات الحركة في أطروحاتها الفكرية بحركة ماشومي في إندونيسيا والجماعة الإسلامية في باكستان وحركة الإخوان المسلمين في مصر ، ولكن كان عمر هذا الحزب قصيرا بسبب اعتقال قيادته تحت قانون الطوارئ في 18 من يونيو 1948 من جانب الإدارة الإنجليزية المحتلة. ومن أبرز الأحزاب والحركات الإسلامية في ماليزيا حزب أمنو ، ففي نوفمبر 1951 دعا القسم الديني في حزب المنظمة الوطنية الملايوية المتحدة "أمنو" إلى تأسيس اتحاد علماء ماليزيا وتغير فيما بعد اسم هذا الاتحاد إلى الوحدة الإسلامي الماليزي "باس" ككيان مستقل منفصل عن "أمنو" .
كما تلعب البعثات الدراسية إلى المؤسسات التعليمية الإسلامية كالأزهر الشريف مصدرا لرؤية فكرية إصلاحية إسلامية تدعو إلى الاستفادة من علوم الغرب مع التمسك بأصول الاسلام ،و الحفاظ على الهوية الماليزية .

 

ولعل أبرز جهود الأسلمة التي انتهجتها الحكومة الماليزية مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي ؛ تطبيق مجموعة من السياسات عكست في مجملها التوجه الحكومي لأسلمة بعض المجالات برز من خلالها نشاط جماعات الدعوة من الشباب الماليزي المثقف هذا إضافة إلى إرساء النظام لبعض المشروعات ذات الطابع الاسلامي في مجال كل من البنوك و التأمين .كما تم إنشاء الجامعة الدولية الاسلامية و عدد من المعاهد الاسلامية و شجع النظام أيضا على إقامة مسابقات للقرآن الكريم .

 

ومن ضمن المؤسسات الاسلامية الفاعلة " دار الأرقم" الذي بدأ نشاطها بالدعوة الإسلامية ثم ما لبث أن تحول إلى حركة جماهيرية في المناطق الحضرية والريفية عبر مجموعة من المؤسسات التعليمية و الدينية و مشروعات التنمية الريفية إضافة إلى إنشاء عدد من المشروعات الصناعية في ماليزيا و خارجها ، وقد نجح هذا التنظيم بالفعل في اجتذاب العديد من شباب المالاي في ظل الاستقلالية المادية التي أتاحت له القيام بالعديد من الأنشطة امتدت إلى المجال السياسي ....ومع ضغوط الاقليات غير المسلمة ومحاولات اللجوء لجهات أجنبية لوقف التمدد الاسلامي اضطرت الحكومة لتقليص ادوار ومساحة الحركة أمام المؤسسة في العام 1994.

 

مأسسة التوجهات الإسلامية
- تأسيس البنك الإسلامي للتنمية بموجب القانون المصرفي الإسلامي لعام 1983، والذي تعد مدخرات عملائه قروضاً حسنة للبنك لا يتقاضون عنها أية فوائد ثابتة، وإنما يتقاضون عائداً متغيراً تحدده الحكومة بناءً على عدة عمليات مضاربة وتمويل تجارية تدعمها الحكومة بشكل مباشر، وتمتلك الحكومة الماليزية ما نسبته 37% من هذا البنك..
- إنشاء العديد من شركات التأمين الإسلامية، بموجب قانون التكافل عام 1984..
- قامت الحكومة بتعديل قانون العقوبات؛ لتجعله أكثر انسجاماً مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
- أدخلت مادة الثقافة الدينية كمادة إجبارية في المدارس والجامعات الماليزية.
-كما قامت الحكومة بحظر تأسيس جامعات خاصة لغير الملاي، والذين يمثلون الغالبية المسلمة في البلاد، كما حظرت على غيرهم تأسيس إذاعة أو تلفزيون..
- قامت الحكومة بإنشاء جهاز استشاري إسلامي لتقديم الرأي للحكومة فيما يتعلق بالمسائل الدينية .

 

بجانب ذلك فقد أنشأت المحاكم الشرعية ونظامًا إسلاميًا بيروقراطيًا شاملاً - وذلك بجهد جماعي استقلَّ بذاته. كما أنَّ عدد القوانين الإسلامية التي تم فرضها تضاعف إلى أربعة أضعافها في فترة لا تزيد عن عشرة أعوام. وعلى الأرجح أنَّ نظام القضاء الشرعي في ماليزيا يعتبر النظام القضائي الأوسع والأكثر شمولية في العالم الإسلامي بعد نظام القضاء الشرعي في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى أنَّ البيروقراطية المرتبطة بذلك لا تعتبر متنفِّذة وحسب، بل تمتلك تأثيرًا أكثر من البرلمان الوطني.

 

بنجسا ماليزيا لتهدئة مخاوف الأعراق الأخرى
وفي أتون تلك التحولات المهمة التي شهدتها ماليزيا تواجهت الحكومات المتعاقبة بمخاوف وتحركات مناوئة من قبل الأقليات والأعراق المتعددة، أحيانا واجهتها بضغوط على الفعاليات الإسلامية وأحيانا بتوسيع هامش الحراك المجتمعي وبعض المكتسبات للأقليات لطمأنة المجتمع الدولي وتفادي المواجهات التي تعوق مشروعها كدولة عظمى وفق القيم الإسلامية، ولم تقف الحكومة عند مجرد الضغط على بعض الفاعلين والمؤسسات الاسلامية لتهدئة مخاوف الاقليات المتعددة ، بل حرصت عبر بعض المؤسسات الدينية و من اهمها المعهد الماليزي الاسلامي على تنظيم اجتماعات مع غير المسلمين لتأكيد الطابع العالمي للقيم الاسلامية .وفي يوليو 1996 قامت الحكومة الماليزية أثر إنتقادات وجهت إليها من غير المسلمين بتغيير مادة إجبارية كانت تدرس في الجامعات الماليزية بعنوان الحضارة الاسلامية لتصبح " الحضارات الإسلامية و الآسيوية ، كما سمحت السلطات لغير المسلمين بالتعبير عن وجهات نظرهم عبر مختلف أجهزة الاعلام في معارضة صريحة لبعض سياسات الأسلمة التي كانت الحكومة قد أقرتها .

 

واستحدثت الحكومة الماليزية سياسة جديدة أسمتها Bangsa Malaysia ، والتي تشير إلى الواقع التعددي الثقافي في البلاد...وذلك بعد اجتهادات العلماء واستشارات المؤسسات الاسلامية العالمية ، التي ارتأت عدم مخالفتها لأصول الاسلام، واعتمادها ما يسمى (فقه المقاصد)، أو متطلبات الحياة اليومية لضمان سلامة المشروع الإسلامي وعدم تجاوز حقوق الأقليات الأخرى، التي مكنها الاحتلال البريطاني من مقاليد الحياة الماليزية..قبل جلائه في 1957..

 

مبدأ إسلامي
على الرغم من التحديات الداخلية وضغوطات العولمة إلا ان الاستراتيجية الماليزية في بناء نموذج دولتها الفريد حرصت على أن يكون الاسلام بقيمه ومبادئه الحاكم لتلك العملية، فأخذت من العولمة وموجات التحديث العالمية ما يناسب معطياتها وواقع حياتها وشعبخا...
ومن ثم اتفقت التنمية الماليزية مع المبدأ الإسلامي الذي يجعل الإنسان محور النشاط التنموي وأداته، فأكدت تمسكها بالقيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية، مع الاهتمام بتنمية الأغلبية المسلمة لسكان البلاد الأصليين من الملاويين وتشجيعهم على العمل بالقطاعات الإنتاجية الرائدة، فضلاً عن زيادة ملكيتهم لها• كما وفرت لأفراد المجتمع إمكانات تحصيل العلم في مراحله المختلفة، وتسهيل التمرين والتدريب ورفع مستوى الإنتاجية، وترتيبات الارتفاع بالمستوى الصحي وتوقعات العمر، فنجحت في تحسين مستويات معيشة الأغلبية العظمى من أفراد الشعب كماً ونوعاً، وخصوصاً مع ارتفاع متوسط الدخل الفردي

 

كذلك انتهجت ماليزيا استراتيجية الاعتماد على الذات في الاضطلاع بالعبء التنموي، سواء البشري أو التمويلي، حيث عملت على حشد المدخرات المحلية اللازمة لاستغلال الموارد الإلهية المتاحة• أيضاً اهتمت ماليزيا بتجربة تحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري الإسلامي، سواء كان من أهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم، كما أسهم ارتفاع نصيب الملاويين في الملكية المشتركة للثروة في القطاعات الإنتاجية المختلفة، فضلاً عن القطاع المالي والمصرفي، إلى توفير رؤوس الأموال المحلية اللازمة لمختلف أوجه التنمية بصورة متزايدة والتي أسهمت في الإقلال من الديون الخارجية، وما يترتب عليها من زيادة عبء الدين الذي يرهق الموارد اللازمة للتنمية، فضلاً عن العواقب الوخيمة اجتماعياً وسياسياً
الشورى

 

طبيعة دور الدولة في النشاط الاقتصادي في ماليزيا تتم من خلال القنوات الديموقراطية للشورى المتمثلة في الأحزاب الماليزية المتعددة التي توفر أوسع مشاركة ممكنة للناس في مناقشة جميع القضايا المتعلقة بالمصلحة العامة، ومتابعة السلطة التنفيذية في تطبيقها الجاد لجميع السياسات التي يتم الموافقة عليها •والتزمت الحكومة الماليزية بالأسلوب الإسلامي السليم في ممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية وتوجيه الموارد، ففي حين عملت على تحويل ملكية مختلف المشروعات الاقتصادية إلى القطاع الخاص، فقد نمت مسؤولية الأفراد وأشركتهم عملياً في تحقيق الأهداف القومية، واحتفظت بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية، لعدم التخلي عن دورها في ممارسة الرقابة والإشراف عليها• ومن ناحية أخرى أسهمت الحكومة في التقليل من الآثار السلبية للتحول إلى القطاع الخاص عن طريق منح تأمين ضد البطالة للعاملين في الخدمات التي تم تحويلها إلى القطاع الخاص، مع وعدهم بأجور أعلى في المدى القريب..

 

ختاما يمكننا قراءة تلك المؤشرات والمعادلات القائمة في ماليزيا ضمن سياق محاولة تحريك المخاوف من المشروع الإسلامي إلا أن تجربة ماليزيا الفريدة من نوعها يبدو أنها في طريقها لتحقيق حلم التحول إلى دولة كبرى بحلول عام 2020 على أساس المشاركة والاندماج بين كافة مكوناتها العرقية والدينية...رغم الأزمات التي تحاول جهات داخلية وخارجية إلقاءها أمام صانعي السياسة الماليزية، الذين تجاوزوا أزمات أكبر من ذلك خلال التاريخ السياسي المعاصر للدولة الماليزية التي اذهلت الغرب وقلبت حساباته أبان أزمة الاقتصادات الآسيوية في 1997 التي وقف ورائها جهات غرية ويخودية عالمية؛ حيث رفضت ماليزيا كافة نصائح وسياسات صندوق النقد الدولي واتبعت سياسات محلية اخرجتها من الأزمة الاقتصادية أقوى مما كانت وأعادت الاعتبار لعملتها المحلية وأعادت الاستثمارات الماليزية في الدول الاسيوية والغربية إلى داخل منظومتها الاقتصادية التي تبدا وتنتهي في غالبها عند الآداب والحكام الشرعية الإسلامية.....

 

إلا أن المسلم به من خلال تلك القراءة أن النموذج الماليزي في الجمع بين القيم الإسلامية وقيم المعاصرة والحضارة بات يشكل خطرا على نموذج الحضارة الغربية بمفرداتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وبدا القلق ينتاب الثقافة الغربية التي طالما ربطت بين الدين والتخلف الحضاري، ومقولات العلمانية التي ربطت بين التقدم وموجات التنمية والتحديث والتطور في المجتمعات الغربية بفصل الدين عن الدولة أو عن السياسة –كما تروج الآلة الإعلامية الغربية...إلا أن النموذج الماليزي الذي نجح في الجمع بين الاسلام كقيم حاكمة وآداب مجتمعية ونظام اجتماعي-إلى حد كبير- وبين التنمية بمعدلاتها الكبيرة أثبت عكس مثل تلك المقولات على الرغم من الموزازييك الاجتماعي وتعدد الطوائف والملل في تلك الدولة التي يطلق عليها الاسيويون "بوتقة الانصهار" ....