مؤتمر لندن.. الالتزامات المتقابلة والفشل متوقع
2 ربيع الأول 1431
د.عبدالباقي عبدالكبير

الأمن وتسليم مسؤوليته للحكومة الأفغانية
تحسين قيادة الحكومة الأفغانية ومكافحة الفساد
المصالحة والسلام الداخلي
إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد
التعاون الإقليمي والدولي مع الدول المجاورة

انعقد في لندن بتاريخ 28 يناير مؤتمرا لبناء استراتيجية جديدة حول أفغانستان مؤسسة على تقابل الالتزامات بين الحكومة الأفغانية ودول التحالف الدولي ضد ما يمسى بالإرهاب وإحداث آليات المتابعة الدقيقة لقياس أداء الالتزامات المتقابلة بغية خلق تغييرات حقيقة على الأرض, وقد حضر المؤتمر مندوبون من 70دولة منها 43 تتواجد عساكرها على الأراضي الأفغانية, بالإضافة إلى المسؤولين في الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وحلف الناتو ومسؤولي بعض المؤسسات المالية الدولية. ونتائج المؤتمر التي بنيت على مشاورات قبيل المؤتمر بين كل من الحكومة الأفغانية والأطراف الدولية قد تمحورت على خمس نقاط رئيسة:

 

أولاً: الأمن وتسليم مسؤوليته للحكومة الأفغانية: تسعى كافة الأطراف الدولية لتسليم مسؤولية الأمن للحكومة الأفغانية ويتم التأكيد على هذا الأمر لسببين:

 

• لارتفاع عدد القتلى بصورة متواصلة في صفوف القوات الأجنبية حيث كان عام 2009 هو الأسوأ منذ احتلال أفغانستان في عام 2001م حيث قتل512 جندي في صفوف قوات التحالف 2009 مقابل 295 في عام 2008 ومنها311 جندي أمريكي في عام 2009 مقابل 155 جندي في عام 2008 وبسبب تزايد عدد القتلي وتمكن طالبان من السيطرة على معظم المناطق في الجنوب والشرق وبعض المناطق المركزية قد نمت المعارضة الشعبية في الغرب ضد التواجد العسكري الغربي على الأراضي الأفغانية, واستجابة لضغط الناخب الغربي توجه الفكر التخطيطي العسكري الغربي نحو تحميل القوات الأفغانية مسؤوليات الأمن والدفاع على أن تقتصر وظيفة الغرب في تدريب القوات الأفغانية وتنمية مهاراتها القتالية، وتجهيز الجيش بالأسلحة المتطورة مع تقديم الدعم الاستشاري ثم المالي المطلوب لها.

 

• تسعى الحكومة الأفغانية كذلك لتسلم القيادة للمسؤوليات العسكرية والأمنية, وقد عدّ كرزاي ذلك من أولوياته عندما ألقى متن خطوط سياسة حكومته في الدورة الرئاسية الثانية, كما أنه قد اشتكى كثيرا عن سوء تصرف القوات الدولية مع عامة الشعب وتضرر المدنيين من جراء العمليات العشوائية للقوات الدولية, وقد ذكر في مقابلة مع قناة الجزيرة أنه يذهب لمؤتمر لندن لا ليطلب مزيدا من الأموال بل سوف يطلب أن تكف القوات الدولية عن قتل أبناء وطنه, وذلك حسب زعم كرزاي يمكن أن يتم إذا تولى الأفغانيون القيادة العسكرية والأمنية في البلاد.

 

وقد اتفقت رؤية الحكومة الأفغانية والدول الغربية أن تتم زيادة القوات الأفغانية إلى 300 ألف نفر حتى نهاية عام 2010، على أن يتزايد هذا العدد إلى 400 ألف جندي لاحقا, وستقوم القوات الدولية بالتدريب ورفع القدرات القتالية, وقد تسرعت فعلا عمليات التدريب للقوات الأفغانية، وإن كان بعض الدول أكثر حرصا على أن تكون مساهمتهم في التدريب دون تولي المهام العسكرية المباشرة كألمانيا وفرنسا, ومسؤولو الناتو سابقا قد ناقشوا مع المسؤولين الروس قضية تجهيز الجيش الأفغاني بالأسلحة الروسية ولا يستبعد أن تقوم روسيا بهذا الدور، وسوف تتقاسم الدول الغربية الأدوار والالتزامات بين الدول الغربية ذاتها وبينها وبين الحكومة الأفغانية عبر جدول زمني محدد حيث سيتم بدء تسلم المسؤوليات الأمنية من نهاية هذا العام وخلال ثلاث سنوات ستتسلم القوات الأفغانية مسؤولية نصف الولايات وسيتم نقل المسؤوليات الكاملة عن أمن أفغانستان بعد خمس سنوات.

 

العوائق والتخوفات:
توجد عوائق عديدة في تنفيذ هذه الخطة الأمنية وفي مقدمتها ضعف الوازع القتالي في صفوف القوات الأفغانية ضد المقاومة المسلحة التي تتبنى أهداف وطنية ودينية, ومعظم الجنود في القوات الأفغانية تنضم إليها لأجل الفاقة والتكسب, وتعاني في نفس الوقت قوات الشرطة والجيش من الفساد الإداري والمالي, وقد تربوا على أخلاق الإتاوات والرشوة والتكسب غير المشروع خلال الحكومات المتعاقبة غير المستقرة منذ ثلاث عقود,كما أن عملية جذب وانضمام أفراد جدد لصفوف القوات الأفغانية أمر متعسر وذلك لضعف الرواتب وعدم الرغبة الشعبية في القتال ضد عناصر طالبان, بالإضافة إلى التخوفات الإقليمية من جيش قوي في أفغانستان بالأخص تخوفات باكستان من القوات الأفغانية قوامها 400 ألف يمكن أن تتولى هند قضية تمويلها في صورة تخلي الولايات المتحدة عن أفغانستان, وهذا -وفق مزاعم باكستان- تهدد أمنها الوطني.

 

ثانياً: تحسين قيادة الحكومة الأفغانية ومكافحة الفساد:
الحكومة الأفغانية قد التزمت سابقا وحامد كرزاي في خطابه أمام المؤتمر لرفع قدرات حكومته في تحسين الأداء وتوفير الشفافية المطلوبة في حركة الأموال, كما التزم محاربة الفساد بصورة جادة, وهذه التزامات تظهر ميسورة في الوعود الشفهية، ولكن يستعصي تطبيقها في ظل واقع الإدارة الحكومية الأفغانية التي تعودت على الاكتساب غير الشرعي في كل المستويات الوظيفية وفي كل القطاعات, حتى المؤسسات التابعة للدول الغربية العاملة في أفغانستان, ويشار في ذلك إلى تقرير لجنة مكافحة الجريمة والفساد التابعة للأمم المتحدة بأن قيمة الرشاوي المتبادلة في أفغانستان في عام 2009م بلغت 2,5 مليار دولار, وهذا الواقع لايمكن تغييره بقرار حكومي, في ظل عدم وجود نخبة إدارية حاكمة مؤمنة بقضية الشعب ومتألمة بهمومه, والتي لايمكن تصورها في حالة فقدان السيادة والاحتلال الأجنبي والعجز عن اتخاذ قرار حاسم في قضايا الوطن.

 

ثالثاً: المصالحة والسلام الداخلي:
هذه النقطة قد أخذ حيزا معتبرا من اهتمام المؤتمر والمؤتمرون قد ساندوا رؤية حكومة كرزاي نحو المصالحة التي تعني فتح الباب أمام القيادات الدنيا والوسيطة في طالبان التي تضع السلاح ولا تكون متورطة في العلاقات مع تنظيم القاعدة, وتقبل بالدستور و بشرعية حكومة كرزاي, مقابل الحصول على ضمانات إعادة دمجهم في المجتمع ودعمهم ماليا ووظيفيا, وقد رصد المؤتمرون 140 مليون دولار ميزانية التقدم في هذا البرنامج لعام 2010 وقدّر المسؤولون في الحكومة الأفغانية ميزانية هذا البرنامج للسنوات المقبلة بمليار دولار أمريكي, ولكن المراقبين يرون أن هذا البرنامج للمصالحة لا تحمل جديدا حيث ان هذا الباب كان مفتوحا لطالبان من قبل, وطالبان لا يقاتلون لأجل الوظيفة ولا المكاسب المالية, وهذا بالضبط ورد في بيان إمارة طالبان بمناسبة مؤتمر لندن, وعلى حسب المراقبين إن هذا البرنامج محكوم عليها بالفشل, وإن المصالحة المطلوبة لدى الشعب والتي يمكن أن تعطي ثمارها هي أن يتم الحوار على إزالة أسباب القتال ( الاحتلال الأجنبي) وإقامة جسر التفاهم الداخلي بين الأطراف الأفغانية لأجل الوصول إلى آلية تشكيل الحكومة وتكوين مؤسساته بصورة ترضاها كل الأطراف الأفغانية, وهذا الفهم للمصالحة وحده مفتاح الحل في قضية أفغانستان على حسب معظم أو أقول كل المتابعين للأوضاع في أفغانستان.

 

رابعاً: إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
الحكومة الأفغانية ودول التحالف متفقون على أن الاعتماد على الحل العسكري لا يخرج البلاد من الأزمة، بل لابد من التركيز على جهود الإعمار والتوجه نحو التنمية وجذب المخالفين فيها وبعث الأمل في قلوب المواطنين نحو مستقبل أفضل، الأمر الذي يشحذ الرغبة الشعبية نحو تقليل العنف وعودة الاستقرار, ولكن الحكومة الأفغانية ترى أن المساعدات الدولية التي تذهب لإعادة الإعمار في أفغانستان لا تصرف وفق خطة الحكومة الأفغانية ولا تذهب إلى تلك المشاريع بواسطة الحكومة الأفغانية, كما على حسب رأي الحكومة أن هذه الأموال لا تصرف وفق الأولويات التنموية لدى الحكومة, ولا تراعي فيها التنمية المتوازنة بين كافة الولايات الأفغانية, بالإضافة إلى أن جزءا كبيرا من هذه الأموال تذهب إلى رواتب مبالغ فيها للموظفين الأجانب, وترى الحكومة الأفغانية أن هذا الوضع قد ساهم في إضعاف الحكومة المركزية, كما ساهم هذا الوضع في انتشار الفساد الناتج عن الفرق الشاسع بين مرتبات المؤسسات الحكومية والمؤسسات الأهلية الأفغانية والدولية التي تنفذ مشاريع الدول المانحة.

 

وما يزيد الطين بلة في هذا الإطار توجه بعض المسؤولين الغربيين نحو التعامل المباشر مع المسؤولين في الولايات في المسائل الأمنية والإعمار, وإذا تم السير في هذا الإطار سوف تضعف الحكومة الأفغانية بصورة أكبر, وتتضرر الوحدة الوطنية وستشهد أفغانستان تنمية غير متوازنة في الولايات, والتي بالتأكيد تسبب إشكاليات إثنية أو جهوية جديدة لأفغانستان مستقبلا.

 

خامساً: التعاون الإقليمي والدولي مع الدول المجاورة:
تتفق الحكومة الأفغانية مع الدول الغربية على أن حل قضية أفغانستان يقتضي تعاونا إقليميا ودوليا مع دول الجوار لتنسيق حركتها لحل قضية أفغانستان، وذلك لأن المصالح المتضاربة لدول الجوار في أفغانستان وامتدادها مع التوازنات الإقليمية يضفي على القضية تعقيدات أخرى, الصراع بين الهند وباكستان من جهة، والأخيرة وإيران من جهة أخرى, ثم صراع النفوذ الشيعي والسني بين كل من السعودية وإيران تشكل أبعادا إقليمية للتعامل المزدوج مع الأطراف المتحاربة في أفغانستان, السعودية مع تفهمها رسميا للتواجد الأمريكي في أفغانستان, إلا أن الحلقات المؤثرة في السعودية ترى طالبان امتدادا سنيا لها في ظل التمدد والتوسع الشيعي في أفغانستان تحت أرجل التواجد العسكري الأمريكي, وإيران مع مخالفتها إيديولوجيا مع طالبان إلا أنها مرشحة لدعم طالبان في ظل قلقها من سياسة الاحتواء الأمريكية لها من الشرق والغرب كلاهما, كما أن الصين وروسيا تحبان النزيف الدائم للولايات المتحدة مع كرههم لتواجدها العسكري في هذه المنطقة, وكل هذه المعطيات تعطي الأهمية للتعاون الإقليمي مع دول الجوار لحل القضية, ولكن إيران الوحيدة التي لم تحضر من دول الجوار في هذا المؤتمر.