طالبان بين "معاً" و"كافةً"..
1 ربيع الأول 1431
أمير سعيد

يعبر القرآن عنها بقوله: "يقاتلونكم كافةً" واختار الناتو الذي يتخذ الصليب شعاراً له قتال حركة طالبان في أفغانستان تحت شعار الحملة العسكرية المسمى "معاً" أو "مشترك"، وكلها لها معنى متقارب، والفاصل الزمني بين سماع الناس للتعبير الأول والثاني طويل جداً بلا شك، لكن تبدو الحيلة واحدة والآليات متطابقة.

لا تغير كبيراً في الحوافز والمنطلقات التي جمعت أكثر من 15 ألفاً من قوات الناتو في حملتها الأخيرة على إقليم هلمند الأفغاني بغية إلحاق الهزيمة بحركة طالبان الرافضة للاحتلال الغربي لبلادها، بل لا جديد في الزخم الإعلامي المرافق للحملة والممتد إلى عالمنا العربي، حيث صدرت كثير من صحف الوطن العربي وفضائياته الإخبارية "تبشر" بأنها ستكون القاضية على حركة طالبان في معركة أقل ما يقال فيها أنها لن تحقق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو عسكرية للبلدان التي ينطلق هذا الإعلام منها؛ فضلاً عن أن يقال أن المحتلين لو انتصروا فسيباشروا في تنفيذ المزيد من حلقات لعبة التفكيك والتجزئة في الحوض الإسلامي العريض، هذا بالطبع ناهيكم عن مسألة إخوة الدين ووحدة المصير التي لا يطيب لكثير من هؤلاء سماعها أو يطيقون وضعها على طاولة البحث، مجرد وضعها ليس إلا.

الطريف فقط في المسألة، هو أن المخططين الرئيسيين لا يرفعون سقوف طموحاتهم للحد الذي ينزلق إليه إعلامنا الأخرق، حتى لو كانوا يعلنون هدفاً يتعلق بإزاحة طالبان عن مناطق نفوذها؛ فالمستقر في العقل المستتر لواضعي القرار الغربي أن المستهدف من الحملة لا يتجاوز حدود الضغط العنيف على حركة طالبان الأفغانية للقبول بنوع من تقاسم السلطة في أفغانستان يحفظ للغرب مصالحه في البلد العصي على التدجين، ويحول دون حكم ديني صريح لطالبان مع قبول نمط "مقبول" من أنماط تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد وفقاً للإرادة الغربية أو بالأحرى وفقاً لما ترتضيه مؤقتاً تلك الإرادة.

أما الجديد فهو في التوقيت، وفي الطارئ على منطقة آسيا الوسطى الذي يستدعي الإسراع في تنفيذ إحدى حلقات التفكيك الرئيسية المتعلقة بالمنطقة، وبالترتيب الجديد فيها في مرحلة تخشى فيه واشنطن والعواصم الحليفة في أوروبا من اهتزاز سلطات الرئيس الباكستاني زرداري إلى مستوى يسمح بانقلاب الجيش عليه، وهو الذي لم يكن في الحقيقة متحمساً لدرجة كافية لفعل ذلك خلال الشهور الماضية؛ فالرئيس الباكستاني بات مهدداً بعد توجيه كبير قضاة المحكمة العليا الباكستاني افتخار تشودري أكبر صفعة له ولحلفائه بعد نقض مرسوم العفو الذي أصدره الرئيس الباكستاني السابق برفيز مشرف عن مئات الفاسدين ومنهم زرداري الذي تحميه الحصانة لكن لا تحمي أنصاره، هذا من جهة، ومن أخرى تتعلق بغضب قيادات الجيش والاستخبارات الباكستانية المتناميين من انتهاك السيادة الباكستانية بشكل صارخ من قبل الولايات المتحدة والتهديدات البنيوية الداخلية التي غزتها سياسة زرداري الرخوة، علاوة على سياسة التقارب مع الهند التي يعارضها كبار الجنرالات في الجيش الباكستاني.

ومنذ أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس عن منهجية "الفوضى الخلاقة"، لم تكن تعني بها واشنطن الفوضى غير المنضبطة والخارجة عن عقال التحكم، ولم تكن تقصد بها استمرار تورط القوة العسكرية الأمريكية في إحدى أكبر مناطق التأزيم والاستنزاف في العالم/ أفغانستان، وعليه؛ فرغم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إحداث فوضى في منطقة آسيا الوسطى وطموحها بالإبقاء على تمركز لجزء من قواتها في أفغانستان، إلا أنها لم تكن راغبة في استدامة التورط والاستنزاف، وهي مدفوعة لإحداث اختراق في الجمود الذي يعتري الوضع في أفغانستان، وضمان ترتيب عاجل في المنطقة قبل أن تخرج الأوضاع عن سيطرتها.

وواشنطن لا تجد في مقابل ذلك خفة لدى قادة طالبان للتجاوب مع رغبات الولايات المتحدة الأمريكية التي حملت الرئيس الأفغاني المعين حميد كرزاي للتحرك على أكثر من صعيد والقيام بأكثر من زيارة للتوسط لدى طالبان للتعاطي الإيجابي مع جهود "المصالحة الأفغانية"، والإدارة الأمريكية ترى أن من واجبها "تشجيع" طالبان على القبول بالانخراط في اللعبة السياسية الأفغانية وفقاً للرؤية الأمريكية.

يلحظ في ذلك، أن الآلة الإعلامية الغربية وكذا العربية بالتبعية تغيب عمداً أي ذكر لاسم القاعدة في الآونة الأخيرة على الصعيد العسكري في أفغانستان، ليس فقط لأن القاعدة ليست رقماً كبيراً في المعادلة السياسية الأفغانية، ولا ترشح أي معلومات عن قيامها بأي دور مقاوم للاحتلال الأمريكي والغربي الحليف في أفغانستان على الأقل في السنوات الأخيرة (وهي تنظيم بالمناسبة لا يقبل بالذوبان في أي تجمع آخر في العالم أو تحالف دون أن يكون هو قائده، حتى لو كانت طالبان ذاتها)، ولكن لأن لا أحد يريد أن يقحم اسم "القاعدة" في لعبة يتوقع أن تتم تسويتها بشكل سلمي لا عسكري في النهاية.

وقد تسعى الولايات المتحدة من خلال حملتها القوية هذه الأيام أن "تلين" موقف طالبان بالتوازي مع تحركات الوساطة، وقد تكون طالبان ذاتها قد أرادت، أو بعض حلفائها الرسميين في إسلام أباد أن يستثمروا الهجمة المباغتة على القصر الجمهوري الأفغاني في شهر يناير الماضي لتحسين الوضع التفاوضي للحركة المدعوة لإبرام اتفاق لتقاسم السلطة مع نظام كرزاي، وهو ما يعني أن حملة "معاً" أو "كافة" بمفهومنا هي جزء من عناصر خطة لإرغام طالبان على قبول الشروط الأمريكية، وإذن يبقى أن "معاً" لا تقابلها "معاً" مكافئة، وأن الشعب الأفغاني متروك ليواجه "معاً" وحده، دونما حتى تدخل سلمي ودبلوماسي للضغط على الغرب للخلوص إلى ترتيب متزن يمنح الشعب الأفغاني حقاً في اختيار طريق استقرار بلاده بما يلائم قيمه وثقافته وتراثه، وهذا يحتاج ألا تكون الدبلوماسية الحريصة على مصلحة الشعب الأفغاني في عالمنا الإسلامي غائبة عن المشهد الأفغاني، وهو يعالج مرحلة جديدة لن تكون البندقية وحدها هي عنصر الحسم فيها.