خاشقجي.. أهو فوق المساءلة؟
24 صفر 1431
منذر الأسعد

هل القضاء السعودي فوق النقد؟أو بعبارة أخرى: هل القضاة السعوديون منزهون عن الخطأ؟
الجواب القاطع عن السؤالين كليهما: لا، تقال بالفم المليء.فليس يدور في ذهن مسلم أن ينسب العصمة إلى غير الذين عصمهم الله تبارك وتعالى وهم الأنبياء والرسل الكرام.فذلك من ثوابت العقيدة الإسلامية المعلومة من الدين بالضرورة.لكننا طرحنا السؤالين المذكورين لنبين مدى البهتان لدى الصحفي المعروف جمال خاشقجي، الذي ينطلق من تلك الحقائق، ليبددها في خضم مفترياته وأهدافه المشبوهة التي لم تعد خافية على أحد، بعد أن تجاوز المذكور مرحلة التقية الماكرة والدس الرخيص، إلى فترة التطاول السفيه الصريح.

 

فكم هو البون شاسع إلى حد التناقض الجذري، بين كون القضاة بشراً يصيبون ويخطئون، وبين اتخاذهم غرضاً للكيد والاتهامات المختلقة؟فكيف إذا كانت الفرية بحجم تزوير وقائع قضية من الأَلِف إلى الياء، ثم بث الكذبة في الخافقين لتنقلها 4000وسيلة إعلامية في أنحاء العالم، في ما يشير إلى عمل منسق ومبرمج مسبقاً، ومتفق عليه بين أطراف خارجية وداخلية!!وإلا فما الذي يهم تلك المنابر على امتداد الأرض من تنفيذ حكم قضائي على شخص معين في بلد ما؟

 

لكن الريبة الواجبة تجاه المنساقين وراء فرية خاشقجي، لا تنفي أنه هو الذي تولى كِبْرَها.أما الجوقة التي رددت الكذبة خلفه فوزرها يتلخص في الاهتمام بمشكلة فردية في أحسن الأحوال، وفي التسليم بصحتها من دون تثبت تفرضه أساسيات المهنة التي يتشدقون بها في محافلهم ليل نهار.

 

خاشقجي-وهو رئيس تحرير صحيفة الوطن وليس صحفياً تحت التمرين-نشر في صحيفته المشتهرة شهرة رديئة عند السعوديين، أن محكمة سعودية قضت بجلد طفلة 90جلدة أمام زميلاتها في المدرسة!!

 

واضطرت الوزارتان المعنيتان - وزارة العدل ووزارة التربية والتعليم-إلى بيان الحقيقة المفجعة، التي لا تترك لخاشقجي ولو شبهة ضعيفة يمكن التبرير بها لصحفي ناشئ، يخطو خطواته الأولى في دنيا الصحافة. ف"الطفلة" التي اخترعها خيال خاشقجي تبلغ من العمر20عاماً، وهي بالغة عاقلة مسؤولة عن تصرفاتها بمقاييس الدين الحنيف، وحتى بمعايير الغرب الذي يعمي بصيرة المتغربين، إلا إذا كان لخاشقجي تحديد شخصي لسن الطفولة يريد فرضه على السعوديين بل على البشر، ربما بحثاً عن دخول كتاب جينيس للأرقام القياسية!!

 

أما الكذبة الثانية لخاشقجي فسقطت كذلك بالضربة القاضية كسابقتها، فالحكم ينص على تنفيذ عقوبة الجلد في سجن النساء!! أفلا يعي خاشقجي الفرق بين مدرسة وسجن للنساء؟ أم أنه يروم تحويل طالباتنا إلى مجرمات صاحبات سوابق يجمعهن سجن النساء؟

 

ولم يكن حظ الركن الثالث من أركان فرية خاشقجي أحسن مما سلف، فالمرأة التي حُكِم عليها بالجلد تدرس وفقاً لنظام المنازل، وسبب الحكم تهديد هذه الطالبة المعتدية لمديرة مدرستها بالقتل والترصد والإصرار على النيل منها، بل إنها تجاوزت التهديد المرفوض إلى الدخول على المديرة في مكتبها وضربها ضرباً مبرحاً، حتى تدخلت الشرطة وأنقذت المديرة التي كانت في حالة إغماء، مما استدعى إدخالها-أي: المديرة وليس طفلة خاشقجي المخترعة- إلى المستشفى وتنويمها خمسة أيام (وهذا الأمر مثبت في محاضر رسمية)!!

 

وألحق خاشقجي ورهطه بمفترياتهم كلاماً منسوباً لوالد الجانية يزعم فيه عدم حضوره محاكمتها، مع أن وجوده مثبت في محضر المحاكمة، بل جرت تلاوة الحكم على ابنته أمامه، وأقرت المعتدية بالحكم بعد تشاورها معه فأصبح الحكم قطعياً واجب النفاذ!!

 

لقد ناقشنا القضية بإيجاز بالرغم من أن خاشقجي يعلم علم اليقين أنه لا يحق له ولا لأحد في أي بلد تسفيه حكم قضائي محدد، إلا في ساحات القضاء نفسه وبالوسائل المتبعة نظاماً.

 

ولن نجد عاقلاً يلتمس لخاشقجي في جريمته عذراً، لأنه فعلها عن سبق عمد وإصرار، فليس بين الحقيقة وفريته من صلة سوى في صدور حكم قضائي بالجلد 90 جلدة!! وتاريخ الرجل غير مشرف وقد اضطرت سوابقه سمو الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية إلى توجيه نقد علني واضح لسلوك صحيفة الوطن بقيادة خاشقجي، فوصفها الأمير بصراحة حازمة في مؤتمر صحفي بسوء التوجه، وأكد أنها تنشر أخباراً غير صحيحة، وتستكتب أصحاب الأهواء الذين يكتبون ضد العقيدة وهو أمر لا يليق بالجريدة ولا بأي مواطن ولا حتى بكاتب أو محرر..

 

والمؤسف أن خاشقجي الذي انطلق من أرضية إسلامية ذات يوم، أصبح شديد العداء للعلماء والدعاة، لكنه في المقابل تغزل منذ فترة ب"رجل دين" نال إعجابه وهو علي السيستاني، ولا مشكلة في ذلك فالطيور على أشكالها تقع، لكن المذكور نسي أن السيستاني ثلاثة أرباع معصوم عند تابعيه!! لكن الإشكال الأكبر مع خاشقجي هنا، تكمن في أنه افترى الكذب البواح على الله ثم على ملايين المسلمين وغيرهم، عندما ادعى أن السيستاني منع قيام حرب طائفية بين السنة والشيعة في العراق.أجل والله!! السيستاني الذي رعى فرق الموت و"تطهير" الجنوب العراقي وأكثر مساحة بغداد من أهل السنة والجماعةّ!! ومن المعلوم أن المرء يُحْشَر مع من أحب!!

 

ويبقى السؤال: ما الذي يغري خاشقجي بهذا الاستفزاز المتعمد للسعوديين حاكمين ومحكومين؟وما الذي يجعله حتى الآن كأنه فوق المساءلة والحساب؟