نحن والغرب (2)
16 صفر 1431
عبد الباقي خليفة

 

يميل كثير من المسلمين إلى الاعتقاد بأن الغرب يشجع أولئك الذين يكررون آراءه ويقلدونه تقليداً أعمى دون أدنى تمحيص؟
والحقيقة أنه يحتقرهم، ويسخر منهم، سرا وجهرا، وكثيرا ما ينشر غسيلهم في صحافته. إنه يستخدمهم، ولا يتورع عن سَحْقهم تحت حذائه، أو يتخلى عنهم مثلما فعل بمجموعة مجلة " شعر " اللبنانية " أو مثلما فعل بشاه إيران الهالك وأمثاله...

نعم الغرب يستخدم هؤلاء في حربه ضد الإسلام والمسلمين أو ما يعرف باسم رُهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) وهي ليست وليدة اللحظة، بل ظهرت مع ظهور الإسلام كما يعلم الكثيرون، وذلك لإطفاء نوره، وهذا الهدف لا يزال قائما، وسيظل قائما إلى قيام الساعة. لكن في مراحل تاريخية معينة شهدت حالة الإسلاموفوبيا طفرات كبيرة، كالمرحلة التي سبقت وتزامنت مع احتلال بلاد المسلمين. والسبب الأساسي للإسلاموفوبيا، هو ضعفنا، ثم الخلافات الحاصلة بين المسلمين، وغياب الحوار بينهم،في حين يهرول بعضنا إلى استجداء الغرب، تحت لافتات خادعة. أضف إلى ذلك غياب الوحدة السياسية بين الأقطار الإسلامية، وتعدد إيديولوجيات الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، وتعدد ولاءاتها الدولية، وتناقضاتها. وهناك عقدة مزدوجة من الهوية الإسلامية، سواء لدى البعض في بلاد المسلمين، أو في الغرب. كما أن التخلف التقني الذي يعيشه المسلمون، يحرض عليهم الآخرين، ويعجزهم عن الكثير من أوجه الرد. وفي نفس الوقت يحرث الغرب في العالم الإسلامي ويزرع ما يشاء من أفكار ومؤسسات لتغيير الخرائط وكسب الولاءات.

 

وإذا تحدثنا عن الاسلاموفوبيا، نجد أن الجذور أعمق مما يبدو للبعض، فهي ليست مجرد بحث عن عدو بديل، وأكثر من محاربة انتشار الإسلام في الغرب. بل هي محاربة الإسلام في أرضه للسيطرة عليها لاحقا. فالجذور العدوانية المعاصرة ضد الإسلام بدأت من القرن الثامن عشر أيضا، فأكثر الكتب عدائية للإسلام كُتِبت في تلك الفترة التي سبقت احتلال بلاد المسلمين. وهناك إرهاصات دورة استدمار جديدة من خلال ما نشاهده من مظاهر الإسلاموفوبيا. فقد عمد الغرب لتشويه الإسلام والمسلمين لتبرير غزو أراضيهم،وهذا ما يكرره اليوم فهو بعد حملاته التشويهية راح يحتل عدداً من بلاد المسلمين كالعراق وأفغانستان وفلسطين، وتوجد أطراف كثيرة في العالم الإسلامي تحت الاحتلال من قبل غير غربيين أو حلفاء للغرب. وهناك آلاف الجنود الغربيين في بلاد المسلمين، في القواعد العسكرية، يزيد عددهم على عدد الجنود الغربيين في الحروب الصليبية 22 مرة.

 

إن الحديث عن الإسلاموفوبيا، لا يجب أن يخفي دور الاستشراق في ذلك، بل يجب البحث عن دوره كأساس ومولد للإسلاموفوبيا أو مشارك في صنعها وتغذيتها، كما يمكن اعتبار الحملات الإعلامية والتصريحات السياسية، جزءاً من الحرب الصليبية ضدنا. وإذا كان هناك من سؤال فهو عن طبيعة الاستشراق وهل هو كتلة متجانسة، وما إذا كنا نعيش حرب حضارات. وهذا يدعونا لبناء مراكز لدراسة الغرب من أجل فهم أفضل لمحركات وأنماط التفكير لديه. وما الذي يجب على المسلمين فعله والقيام به في هذا الصدد؟

 

لقد ولد العمل الذي قام به المستشرقون، الفكر السلبي السائد اليوم في الغرب عن الاسلام والمسلمين. ولأنه منتج سياسي بالدرجة الأولى، فهو قام لخدمة الأهداف الاستدمارية للغرب في بلاد المسلمين. ولأنه كذلك يساهم السياسيون والاعلاميون الغربيون، في الغالب، في تأجيج هذه الحالة. ولا يمكن إخفاء دور الكنيسة في ذلك فهي تقوم بدور محوري في هذه الحرب. فهي أكثر من يخاف من انتشار الإسلام في البلدان الغربية، وأكثر من يخاف من هجر الغربيين للكنيسة، وتحولهم إلى لا دينيين أو إلى أديان أخرى.وهي لا تخشى الأديان الأخرى كالبوذية والكنفوشوسية وغيرها قدر خوفها من الإسلام.وبالتالي فإن التنسيق بين الفاتيكان وفرنسا من خلال تبادل الزيارات بين البابا رايسنغر وساركوزي وزيارة بابا الفاتيكان لفرنسا وغيرها، يحركه هاجس الفاتيكان أكثر من السياسة الفرنسية ذاتها. وتعود اهتمامات راتسنغر بهذا الموضوع إلى الفترة التي كان فيها كاردينالا، حيث شارك مع مارتشيلو بيري في إعداد كتاب "بلا جذور" الذي يدعوان فيه إلى مزاعم الجذور المسيحية لأوربا. وفي هذا الكتاب عبر عن قلقه من أسلمة أوربا، وفقدان عدد كبير من الكاثوليك، والهوية النصرانية. ويصف أوربا بأنها مستعمرة المسلمين،وكان ولا يزال ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي.

 

فهل نعيش حرب حضارات في هذا العصر؟ سؤال كتب فيه هنتغتون وأثار جدلا لا يزال متواصلا. لكننا عندما نتحدث عن السياسة الغربية، يجب أن نعرف إلى أي درجة هم نصارى؟.. صحيح أن الهم الرئيسي للغرب مرتكز على محاولة هيمنتهم على الثروات الطبيعية في بلاد المسلمين كمنطقة جيواستراتيجية قبل أي شيء آخر. هم يعتقدون أن مرحلة الاحتلال غير المباشر قد انتهت. ويعتقدون بأن الصراع في القرن الواحد والعشرين هو حول الطاقة التي تزخر بها بلاد المسلمين. وهم عندما يثيرون ويؤججون قضية الاسلاموفوبيا يعيدون سيناريوهات القرن 18 أي تهيئة شعوبهم للقبول باحتلال بلاد المسلمين من جديد. والمعركة بدأت سنة 2003 م تحت لافتة نشر الديمقراطية وتجذير الحداثة والعولمة وكسر المقاومة والحيلولة دون وصول الشرفاء للسلطة وذلك يتم من خلال الاسلاموفوبيا، والتي تغذيها الصهيونية العالمية، ومساهمتها في هذا المجال لا تقل عن الكنيسة وبعض الدوائر الغربية إن لم تكن تفوقها. فمن مصلحة الصهيونية تعزيز التحالف مع الكنيسة والساسة الغربيين وبين بعض المنتسبين للعرب والمسلمين مع الاسلام ممن يسمون أنفسهم " حداثيين " أو " عقلانيين " أو غير ذلك لتنفيذ الاستراتيجية الغربية المتمثلة في النقاط التالية:

1) وقف انتشار الإسلام في الغرب والعالم
2) تجفيف ينابيع الإسلام في البلاد الإسلامية
3) منع وصول الإسلاميين للسلطة في البلاد الإسلامية
4) تشويه الإسلام واستعداء عامة الغربيين ضده تمهيدا لدورة استدمارية أخرى تُهَيّأُ لها الأرضية المناسبة من خلال تغذية النعرات الطائفية، واحتدام الصراع الداخلي في بلاد المسلمين. وتأييد الأنظمة من جهة وتحريض المنظمات الحقوقية ضدهم من جهة أخرى. لتشعر الأنظمة أنها مدعومة من الغرب الرسمي، وتشعر المعارضة بأنها تلقى التأييد من المنظمات الحقوقية في الغرب، وهكذا. والحل هو فتح هذه الأنظمة لحوارات داخلية مع جميع أطياف المجتمع للوصول لصيغة تؤسس للاستقرار والتقدم الذاتي، وعدم المراهنة على الغرب.

 

فعندما طور الغرب الآلة الأكاديمية لدراسة الشرق تمهيدا لاحتلاله، كان المسلمون في حالة لا يحسدون عليها إلى درجة لم يفكروا فيها في عمل الشيء نفسه. بل لم يدرسوا تراثهم، وأخذوه معلبا على الطريقة الغربية كحقائق، وهو ما ساهم في الوهن الذي أصاب الكثير من الأكاديميين حتى إنهم نافسوا الغربيين في ازدراء تراثهم أو تحميل القضايا المثارة ما لا تحتمل من خلال التأويل المتعسف للأحداث التاريخية عندما بدأ البعض في دراسة التراث درسه من خلال الآليات التي وضعها الغربيون، ونسخ ما توصلوا إليه بل كان سرقة واضحة، تكشف مستوى الانبهار إلى حد العمى. وعندما رأى الغربيون نجاح استراتيجيتهم، طلبوا من مواليهم في البلاد الإسلامية التنصل من جميع الأسس الإسلامية والتنازل عنها بل القطع النهائي معها. وفي نفس الوقت زينوا لهم تراث ما قبل الإسلام، واليوم هناك من يفاخر بأصوله الفرعونية، والفينيقية، وسواهما من الانتماءات الوثنية ما قبل الإسلام. ويمكن القول إن مشروع العودة إلى ما قبل الإسلام فشل، وعلينا إفشال بقية المشاريع المماثلة. وللأسف فنحن لم ندرس تراثنا جيدا، ولم نُضِفْ جديداً، ولم ندرس الآخر الذي يستهدفنا ليس في ثقافتنا بل في وجودنا البيولوجي ذاته.