12 ربيع الثاني 1431

السؤال

أنا خريجة من قسم شريعة، لكن القسم دخلته وما كان قصدي أن أكون طالبة علم.. لكن كانت نيتي حين دخلت هذا القسم أن أنفع نفسي ومن أعرف، أما أن أتحمل علماً وأنشره بين الناس فلا، وأنا شخصيتي لا تؤهلني لأن أكون داعية لأني خجولة حتى لدرجة مرة نصحت واحدة في السوق بأسلوب هادئ لكنها رفعت صوتها علي، ومن بعدها وأنا أخاف وشايلة هم هذا العلم الذي تحملته لدرجة أني أدعي على نفسي بالموت إذا شفت منكراً وما قدرت أغيره وهذا في الغالب فأنا لا أستطيع أن أنكر على أحد وأيضا لا أحب الخروج من المنزل حتى لا أرى المنكرات وأصبحت منعزلة، وأيضا فأنا لا أرى نفسي في طلب العلم الشرعي ولكن لا أعلم ماذا أريد.. كرهت نفسي وكرهت الحياة.. أريد أحس أني مبدعة في شيء، أريد أنفع المسلمين لكن ليس في طلب العلم في شيء آخر أحس أني سأفيدهم فيه، ماذا أفعل في العلم الذي تعلمته؟ ساعدوني.. جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

أختي الكريمة: أولاً احمدي الله تعالى أن قيض لك فرصة دراسة الشريعة من منابع صافية، فكم ممن جهد ليجد مثل هذه الفرصة فلم تتهيأ له، وكم ممن درسها لكنه تتلمذ على ضُلَّال كالذين يتفرغون لطلب العلم في الحوزات الشيعية وما شاكلها.
ثانياً: كما تعرفين فإن الأمر بالمعروف والنهي على المنكر واجب على عموم المسلمين كل بحسبه لا على خريجي كليات الشريعة والدعوة وحدهم، فما دمت مكلفة على كل حال فاحمدي الله أنك ستقدمين على ذلك بعلم.
والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي على المنكر لا تقتصر على صعود المنابر، أو اقتحام مواقع المنكرات والإنكار على المتلبسين بها، ولا يشترط أن تكون بالكلام المباشر أمراً أو نهياً.
وأنت أيتها الفاضلة مهما كانت قدراتك قادرة على نفع أمتك، في بيتك بتوجيه من فيه، وتعليمهم دينهم، ومع صديقاتك وبين أهلك، ومع زوجك وأهله، وعن طريق الانترنت ورسائل الجوال وغير ذلك.
أما تجربتك التي تسببت في تراجعك عن الاحتساب فاعلمي أن كثيرين غيرك مروا بها. ومن واقع هذا المجتمع الذي نراه فإن الذين يصدون ويُعرضون ويقابلون النصح بالإساءة قليلون بل قليلون جداً، والغالبية تتقبل النصح، وتدعوا للناصح.
فاعلمي أن هذا من تخذيل الشيطان، وتخيلي لو أن إحدانا كانت في مكان عام مكتظ لا تعرف فيه أيا من الحاضرات، وكان معها أختها الصغرى مثلاً فأساءت إليها إحدى الموجودات، فكيف ستتصرف؟ هل ستقول: "هذي ما أعرفها، شلون بكلمها". هل ستنتظر ساعة لتفكر في الأسلوب المناسب الذي يناسب قدراتها ومواهبها، ويراعي مشاعر الجانية وتتقبله الجالسات؟ أم ستنكر اعتداءها على أختها بالقلب لأنها اكتشفت أنها ليست بارعة في مواجهة الجمهور؟ أظنها وجل النساء كذلك لن تأخذ حق أختها بلسانها لو كان بإمكانها أخذه بيدها، ولن يكون همها أن تتناسب ردة فعلها مع عظم جرم المعتدية، بل على الأقل سترفع صوتها وتعطيها محاضرة في الأخلاق تسمعها الحاضرات وربما غير الحاضرين. أما لو تعدت نفس الشخصية في ذات المجلس على حد من حدود الله تعالجه ذات المحاضرة الأخلاقية تلك فكيف ستتصرف تلك المسلمة؟ ستقول:"بس من الباب للطاقة أقولها سوي ولا تسوين؟ وشلون أضمن أنها ما راح تفشلني، أنا ماقدر أنكر بلساني ويكفي أني أنكرت بقلبي" وبالطبع لن تكون حرقة قلبها على حد الله الذي انتهكته تلك الحاضرة ولم تدافع عنه هي كحرقة قلبها على انتهاكها حق أختها رغم أنها "أخذت حقها وزود"، أتدرين ما السبب؟ إنه ضعف الإيمان، وضعف تعظيم الله في قلوبنا، وهوان أمره علينا.
إن التي تحس أن كل مسلمة هي أختها حقيقة، وأن عصيانها لأمر الله يجعلها على شفا حفرة من النار فإنها ستتصرف تصرف من يرى مقبلاً على الهلاك وستحرص على استنقاذها بغض النظر عما سيحدث بل لن تفكر فيما سيحدث ما دامت النتيجة مرضية، والمحتسب نتيجة احتسابه مرضية ما دام مخلصاً لربه حتى لو لم يستجب المحتسب عليه لأن أجره ثابت بإذن الله والذي عليه هو البلاغ. لكن هذا لا يعني عدم تحري الوسيلة المناسبة، فالذي يريد أن ينقذ غريقاً لن يرم له قطعة إسفنج ويقول له تمسك بها فإن نجوت فبها وإن لم تنج فهذه مشكلتك فقد أديت الذي علي، "وما علي منك". بل سيبحث عن أنجع الطرق المتاحة لإنقاذه دون أن يتسبب ذلك في تأخره حتى فوات الأوان.
دعي عنك أخيتي هذه الوساوس، واحمدي الله على النعمة بدلاً من كراهية الحياة التي غالباً ما يكون سببها الفراغ وعدم وضوح الهدف، فضعي لنفسك برنامجاً علمياً تراجعين فيه ما عندك من علم لئلا يضيع، وتوصلين ما عندك لغيرك سواء بالكتابة أو غير ذلك، وتتعلمين ما يناسب هواياتك حتى لو كانت أعمالاً يدوية فنية تهديها لصاحبة أو قريبة تدخلين به السرور في نفسها أو تكون بداية لمشروع تجاري أو غير ذلك، المهم في الأمر أن تحذري الفراغ وتستفيدي من نعمة الصحة والشباب.
وفقك الله لكل خير، وثبتك على صراطه المستقيم.