نازية .. لا سامية ولا مسيحية
3 صفر 1431
عبد الباقي خليفة

لم يشر أيا كان للمصدر الذي تعلم منه الصهاينة طريقة معاملة السفير التركي في القدس المحتلة ، وربما ظن البعض أن ذلك اختراع صهيوني لم يسبق له مثيل ، في حين أن تلك الممارسة الفظة ، وبدون استغراب ،استخدمها أدولف هتلر ، مع بعض خصومه ، ومع بعض قادته العسكريين ، بل مع بعض حلفائه ، فعندما قدم موسيليني إلى برلين ، وكان هتلر ممتعضا من بعض تصرفاته ، وضع له كرسيا منخفضا ، في حين جلس هو على كرسي أعلى منه .

 وليست قضية السفير التركي المثال الوحيد على نازية الصهيونية ، فجميع الممارسات الصهيونية في علاقتها بالشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين تتسم بالروح النازية .
 
وإذا استعرضنا ما يجري في القدس ، وما يتعرض له المقدسيون من معاملة وحشية ومصادرة الممتلكات ، وهي ممتلكات الوقف الإسلامي في بيت المقدس ، والتي يستخدمها المقدسيون لبناء منازلهم ، نستحضر ما قاله " هتلر " بحق اليهود في ألمانيا " يجب أن نقضي على الحقوق المتاحة لليهود بصورة قانونية مما سيؤدي إلى إزالتهم من حولنا بلا رحمة " وقد قدم اليهود المعتدلين الرافضين للكيان الصهيونية ، والمتطرفين الداعين لابادة الفلسطينيين والعرب والمسلمين عموما ، على حد سواء ،  ومن منطلقات مختلفة ، الصهيونية في فلسطين ولاسيما في القدس باعتبارها أعلى مراحل النازية والفاشية . فما تقوم به الصهيونية من ممارسات ، مستوحاة من المشروع النازي ، الذي تم تطويره والإضافة إليه ، لا سيما وأن المشروع الصهيوني مثل المشروع النازي استفاد مما ورد في التلمود من تعاليم لا إنسانية تقشعر منها الأبدان ، لذلك كان الشعار النازي صليبا معقوفا . واستخدم هتلر كما الصهاينة سياسة تعتمد على قدر كبير من العنف والقوة من خلال ، الجوستابو ، ( الكنيست ) وسياسة التهجير والاعتقال الجماعي ، حيث يوجد أكثر من 10 آلاف معتقل فلسطيني في السجون الصهيونية . مع فارق كبير ، هو أن هتلر بنى موقفه من اليهود في بلاده من خلال تصرفاتهم وسلوكهم ، وهو ما يشرحه في كتابه " كفاحي " ، بينما يعامل الصهاينة الغاصبين والطارئين على فلسطين والمنطقة أهل الأرض بما لا يقارن مع السلوك النازي .

لقد كان احتجاج الكيان الصهيوني ، على فيلم ، واد الذئاب ، التركي بأنه معاد للسامية مثيرا للسخرية ويدعو للغثيان ، فما يقوم به الكيان الصهيوني أبعد ما يكون عن الإنسانية ، فضلا عن مشجب السامية ، الذي يحاول الصهاينة استخدامه ، حصان طروادة ، ليس للابتزاز فحسب بل لتبرير جرائمهم البشعة . فما تم عرضه من في فيلم " واد الذئاب " من قتل للأطفال الفلسطينيين ، ليس سوى مثال على همجية الكيان الصهيوني ودمويته ومعاداته للإنسانية ، فالصهيونية هي معاداة للإنسانية ، وليست معاداة الصهيونية ، معاداة للسامية .
ومن الممارسات النازية المطورة ، تدريب الصهاينة لكلاب للانقضاض على الفلسطينيين الذين يرفعون نداء النصر "الله أكبر " وقد خاطب النائب الفلسطيني في الكنيست الصهيوني ، أحمد الطيبي ، الصهاينة داخل الكنيست قائلا : " إلى الحضيض هبطتم ..الله أكبر عليكم جميعا " وتساءل غاضبا " هل يوجد بينكم كلاب ستنقض علي " .

وليست الممارسات الصهيونية مستوحاة من الارث التلمودي ونسخته النازية فحسب ، بل إن الجدار الفولاذي نفسه ، والذي يبنيه النظام المصري على حدود غزة مع مصر والبالغ طولها 14 كيلومترا ، مستوحى من النازية فقد أطلق على محور ، هتلر موسيليني ، " الحلف الفولاذي " . وهو جدار يجسد التحالف النازي الفاشي في نسخته الصهيونية الفرعونية .

ولا يمكن أن نغفل دور الغرب في صعود الصهيونية ، أعلى مراحل النازية والفاشية . حيث لم يكن الغرب الحاكم  ( وليس الشعوب ) منصفا للمسلمين بل عاملهم وعلى مدى قرون بشكل غير إنساني ، وهو ما أشار إليه الكاتب الألماني ، يورغن تودينهوفر، من أن "الأسلوب غير الإنساني الذي يتعامل به الغرب مع المسلمين منذ 200 سنة هو السبب الرئيسي لما يوصف بالارهاب " مشيرا لأمثلة قريبة كفلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير وتركستان وغيرها . معتبرا احتلال الغرب لبلاد المسلمين ، بشكل مباشر أو عبر القواعد العسكرية " امتهان وإهانة للمسلمين " وأن "العنف الذي مصدره الغرب هو مشكلة العصر الراهن ". وردد قولا دارجا مفاده " إن الله إذا أراد أن يعاقب قوما يجعلهم يغزون أفغانستان " ويقول ، تودينهوفر، إنه كان يشعر بالخجل بسبب السياسة الألمانية والبريطانية والاميركية والفرنسية حيال الشرق الإسلامي . وأن وسائل الإعلام الغربية " تنشر خرافات مفزعة حول الآخر " .

ومن الممارسات التي تجسد النازية والفاشية المطورتين ، ليس في فلسطين المحتلة من قبل الصهاينة فحسب بل في الغرب العائد إلى القرون الوسطى ، مشروع قانون ايطالي يشترط إجراء استفتاءات قبل بناء أي مسجد في البلاد ، والذي أعلن عنه في ايطاليا نهاية العام الماضي وتحديدا في منتصف شهر سبتمبر2009 م ودعوة عضو في حزب " رابطة الشمال " الايطالية لطرد مسلمة من العمل في احدى المؤسسات " لأنها مسلمة ". والاعتداء على المسلمين في الغرب ، مثل قتل الشاب التونسي لسعد البكري في سان فرانسيسكو ، الذي تعرض للطعن بسكين في بداية شهر ديسمبر من السنة الماضية . وإعلان مجلة " هيومان إيفنتس " الأمريكية التابعة لليمين المتصهين عن توزيع كتاب مسيء للإسلام . ويتهم الكتاب حسب ما أعلن عنه ، القرآن الكريم بأنه ملهم من قاموا بعمليات التفجير . ناسين أو متناسين الأسباب الداخلية والخارجية التي دفعت أولئك لارتكاب ما ارتكبوه ، وبشهادة الكثير من الغربيين أنفسهم .

 واعتبرت المرشحة الأمريكية لمجلس النواب الأمريكي ، لين تورجرسون أن " المسلمين الأمريكيين لا يستحقون الحصول على الحماية التي يوفرها الدستور الأمريكي لغيرهم  من الأمريكيين " وهاجمت الإسلام زاعمة أنه " يشجع السلوك الإجرامي " على حد تخرصها . وأبدت جهلا مطبقا بالإسلام عندما زعمت أنه يدعو أتباه لقتل غير المسلمين كالنصارى واليهود !!! ويتزامن هذا كله مع قتل اليهود والنصارى للمسلمين في كل مكان ، ومن ذلك إلقاء زجاجة حارقة على مسجد في مدينة ، أونتاريو ، بكندا .  وتدنيس مسجد ، بلال ، في جنوب فرنسا ، ورسموا على جدرانه ويا للمفارقة صلبانا معقوفة . وقول وزيرة العمل الفرنسية ، ميشيل أليوت بأن " الحكومة الفرنسية ستمنع حصول الرجال الذين ترتدي زوجاتهم النقاب من الحصول على الجنسية الفرنسية " وتبدو الهستريا من الحجاب والنقاب في حاجة لوقفة طويلة بعد أن نشرت صحيفة " كريستيان ساينس مونيتور " في منتصف ديسمبر الماضي مقالا قالت فيه أن انتشار الحجاب في الغرب كان أحد دوافع غزو العراق ، وهو ما أقره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بأنه كان سيحتل العراق ، حتى لو لم تتوفر أدلة عن أسلحة الدمار الشامل ، وأن الاحتلال جاء في إطار معركة أوسع ضد الإسلام .

 وهذا ما يفسر بالضبط ازدياد حدة الإسلاموفوبيا في الغرب ، فهي ليست حرب أصوليات كما يهرف الجهلة ، وإنما استراتيجية غربية شاملة ضد الإسلام . ومن ذلك الغرب فرنسا التي عارض أكثر من 40 في المائة ممن استطلعت آراؤهم بناء مساجد ومآذن . وهي نسبة عالية جدا مقارنة بالإحصائيات المنشورة قبل عدة سنوات . وكذلك الدعوة لفرض غرامات على النساء المسلمات المنقبات . وهناك سباق بين الدول الأوروبية حول هذه القضية ، فبلجيكا تحضر لمنع الحجاب ، وليس النقاب فحسب .

وحسب معهد " ديماب " الألماني فإن واحد من كل 3 ألمان يشعر بالقلق الشديد من انتشار الإسلام في ألمانيا . لكن عزاؤنا أنه لا يزال هناك أناس يحترمون إنسانيتهم وبالتالي يحترمون إنسانية المسلمين ، فهناك أيضا 22 في المائة لا يشعرون بوجود مشكلة في انتشار الإسلام ، طالما أن الذين يدخلون في الدين الحق فعلوا ذلك عن قناعة . وأكد هؤلاء الذين يستحقون الاحترام على أن " الإسلام يدعو إلى السلام والتعاون والحوار الايجابي " . وأن أغلبية في العاصمة برلين تزيد عن 53 في المائة ، لا يؤدون حظر المساجد والمآذن  ، بينما أيد ذلك 40 في المائة وامتنع 7 في المائة عن التصويت .

ورغبة في وقف الاحتقان ، ومد يد الصداقة والتعاون على قدم المساواة ، يتطلع المسلمون لنجاح مساعي وزير الداخلية الألماني ، فولفغانغ شويبلة ، الذي ذكر بأنه يسعى على المدى البعيد بتحقيق اعتراف رسمي بالدين الإسلامي في البلاد ، ومنح المنظمات الإسلامية وضعا قانونيا مشابها لما تتمتع به الكنيستان الكاثوليكية والبروتستانية . وسؤالنا لماذا على المدى البعيد وليس الآن قبل أن تتحول ألمانيا وأوربا والغرب عموما لساحات محاكم التفتيش المعاصرة التي تطل برأسها هنا وهناك .

وطالما هناك أناس جيدون في الغرب ، ينصفون المسلمين ، ويدينون جرائم الغرب النازية في نسختها المطورة ، أو الغرب المتصهين ، فالأمل في علاقات مستقبلية أكثر توازنا بين المسلمين والغرب والإسلام والغرب يظل حيا ، فقد هاجم الكاتب البريطاني المعروف ، روبرت فيسك ، رئيس وزراء بلاده ، جوردن بروان ، بعد أن تجاوز عدد القتلى البريطانيين في أفغانستان أكثر من 200 جندي . مطالبا بوقف ما وصفها بالمهزلة والانسحاب من أفغانستان .