12 جمادى الثانية 1431

السؤال

السلام عليكم..
كل الناس ترتكب ذنوباً وتحاول أن تقلع عنها وأنا من بين الناس لكني لا أستطيع أقلع عن ذنبي، الحمد لله أنا على قدر من الالتزام أحب عمل الخير لكن أحس أني أضيع كل هذا الخير بهذا الذنب الذي أفعله، صديقاتي أغلبهن متزوجات وأنا غير مخطوبة، وأعاني من بعض المشاكل في شكلي، وهذا سبب في تأخر زواجي، ومشكلتي أني أشاهد بعض مقاطع إباحية واعتدت على ذلك، لا أعرف كيف أقوم بهذا العمل، مع أني خجولة جدا.. أعلم كلاماً كثيراً أقوله لنفسي حتى أمتنع عن هذا الذنب لكني أعود مرة ثانية.. جربت أشياء كثيرة: أشغل نفسي، أدعو ربي.. لكن بعدها أجد نفسي أكرر ذنبي هذا، أقول لنفسي دائما لو مِتُّ وأنا على وضعي هذا ماذا أقول لربي؟ كيف سيكون حسابي؟

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أختي السائلة الكريمة، أحترم فيك هذا الضمير اليقظ، الذي حرك بداخلك هذا الإحساس بالشعور بالذنب، والسعي للبحث عن حلول تخلصك منه..
كلنا كما قلت نخطئ ونذنب ونقصر في طاعة الله، لأني وأنت والآخر بشر، ولكن علينا أن نتعلم من أخطائنا، ونسعى لنقلع عن ذنوبنا، ونقبل على حياة أفضل في كل شيء في أقوالنا وأفعالنا، قد نخطئ ونذنب مرات، ولكننا لا نفتر عن الاستغفار، ومجاهدة النفس باستمرار، إننا في حرب دائبة مع الشيطان، حرب علينا أن لا نقبل فيها الخسارة، بل نخرج منها منتصرين أعزاء وأقوياء، وكما علمنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، وفي حديث آخر يرشدنا فيقول صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون، ويستغفرون فيغفر الله لهم"، فماذا يعلمنا صلى الله عليه وسلم؟ إنه يرشدنا لطريق الهداية وطوق النجاة الذي هو: أننا مهما أذنبنا أو أخطأنا يلزمنا الاستغفار والتوبة الصادقة التي تَجُبُّ ما قبلها.
وانطلاقاً من هذه القاعدة التربوية النبوية أنصح أختي الفاضلة بأمور:
أولا: أنت تحتاجين إلى أن تثقي بنفسك وبشكلك، وتتأكدي من مسألة مهمة أن الزواج اختيار من الله تعالى، ليس مشروطا بشروط جمالية، إنما شرطه الأساسي صلاح النفس ونقاء السريرة، فوجهي اهتمامك إلى جوهر روحك وجمالها، فإذا استنارت نفسك بنور الإيمان وتطهرت وزكت بنور اليقين، شع هذا النور وتوهج فعلا وجهك إشراقا ومظهرك بهاء، فكان حسنا لا يعادله سواه، وتأكدي بأن تأخر زواجك لا علاقة له بمظهرك ولا بشكلك، إنما هو مرتبط بالوقت والساعة التي كتبها الله على جبينك لحظة تصريف الأقدار، وتوزيع الأرزاق، فاصبري وثقي بالله، واتقي الله وقوي صِلاتك به، حتى إذا رفعت يديك وقلت يا رب استجاب لدعائك، ولا يكن حالك كحال العبد الأشعث الأغبر الذي يمد يديه إلى السماء ويقول يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له؟
ثانيا: أنت اعتدت على مشاهدة مقاطع إباحية كما ذكرت في رسالتك، وهذه آفة مضرة، نتائجها مهلكة، وهي أشد البلاء، وسلاح خطير يدمر الفرد تدريجيا، لا يتحرر منه في مواطن قوته، لا يتركه حتى يتمكن منه ويحوله لشخصية ضعيفة مهزوزة، غير متزنة، يلاحقها الندم وتأنيب الضمير وأحاسيس نفسية تعذب الشخص، وتدخله في دوامة تحرمه من الراحة والطمأنينة والسكينة، والإقبال على الأعمال بنشاط وجد..
أرى أختي الفاضلة أن تقوي عزيمتك، لتتخلصي من هذا الداء، وتحاربيه بشتى الطرق ولن تعدمي حلا لتتحرري من هذا الكابوس، لأنه كذلك، حاولي أن تشغلي نفسك بأمور جادة وبرسالة توظفي فيها كل طاقاتك، وأكثري من الطاعات والإقبال على الله بالذكر والدعاء، لا يفتر لسانك عن الذكر، لأن الشيطان لا يأتي الإنسان إلا في لحظات الضعف، ولحظات الفتور، ولحظات الخلود للراحة والخمول، والغفلة..
فمتى شعرت برغبة أو تعلق بمشاهدة هذه المشاهد الإباحية لا تتركي لنفسك وقتا بين الفعل وعدم الفعل، قومي لحظتها وتوضئي وصل وادع ربنا يصرف عنك كيد الشيطان، واستمري على هذا في كل مرة تراودك نفسك، لا تتوقفي، وتأكدي أن الشيطان يبتعد عن العبد القوي المجاهد، وينتقل للعبد المنكسر المهزوم.
قو ارتباطك بالله وبكتابه، وأكثري من قراءة القرآن وحفظه، وليكن لك وِرْدٌ يومي قراءةً وحفظاً، واسعي جاهدة لتدبر آياته وفهم معانيه وأسراره، فهو مفتاح زيادة إيمانك، وهو ربيع القلب، ونور الصدر، وجلاء الحزن، وذهاب الهم، وشفاء للقلب من درن المعاصي، وأوحال الغفلة، وضنك العيش..
رافقي الصحبة الطيبة التي تدلك على الخير وترشدك إليه وتعينك على ارتقاء مدارج السالكين طريق الهداية، ويذكرونك بالله إذا نسيت، ويشفعون لك يوم القيامة، وتحشرين معهم، وكما قال تعال: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].
وختاما: أنصحك بأمر مهم استشعري معنى رقابة الله، ولا يكفي أن تشعري بذلك بإحساسك، ولكن ليكن ذلك إرشادا يعلمك الحرص والدقة في تصرفاتك وتعاملاتك، وفي سكناتك وحركاتك، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]، وتأكدي أنك لو تأملت هذه الآية وأعطيتها حقها من التدبر والفهم ستشعري أن أحوالك كلها ستتغير للأفضل وكل رغباتك تصغر وتتلاشى، حين تشعري مدى قرب الله منك لحظة الفعل والقول، فاحرصي أن لا ينظر إليك إلا وأنت على أحسن فعل وخير لفظ.
وفقنا الله وإياك لما فيه الخير والهداية، وزكاة النفس وصلاحها، والثبات على الحق.