14 ربيع الأول 1431

السؤال

ارتبطت بخطيبي منذ أربعة شهور تقريباً، وهو يكبرني بأربعة عشر عاماً، كان متزوجاً من امرأة أجنبية مسيحية، وعنده ثلاثة أولاد ولكنها تركته وسافرت إلى بلدها مع أولاده، وهذا قبل ارتباطي به بشهرين، في بادئ الأمر كان يتعامل معي بمنتهى الحب والحنان ثم لاحظت بعد ذلك أنه بدأ يتغير ويتعكر، فأصبح عصبياً دائماً، ولا يقبل منِّي العتاب أبداً ويجرحني دائماً ولا يحافظ على مشاعري، ويهتم بأصدقائه اهتماماً كبيراً، ولكن ربما كنت أجد منه ما يطيب خاطري ببعض الكلمات الحنونة، أما الآن فالأمر قد اختلف تماماً حتى هذه الكلمات البسيطة اختفت وأصبح لا يوجد بيني وبينه حوار، وكلما أردت أن أفتح مجالاً للعتاب صدني بعصبية وعلو صوت.. وأخيراً يتهمني بأني السبب في هذا البرود، وأني لم أعد أبهره بشخصيتي كما كنت أفعل، وأني غير متجددة، وأنه يجد سعادته مع أصدقائه أكثر منِّي، وعندما طلبت أن أبعد عنه لفترة.. رفض وطلب مني مهلة أخيرة شهرا إن لم أتحسن وأرجع كما كنت سيتركني.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

الأخت السائلة: بداية أرى أن مشكلتك بسيطة لا تتحمل كل هذه المعاناة، فقط تحتاجين إلى أن تستوعبي أكثر حياتك الجديدة التي تعيشينها.
أولا: عليك أن تعلمي بأنك قد اخترت الزواج بإنسان يكبرك بسنوات، وقد عاش قبلك تجربة زواج بإنسانة أخرى وهي أجنبية وله أولاد منها، معنى هذا أنه يتقدمك سنا وتجربة.
ثانيا: المدة التي مرت على زواجك لا تتعدى الأربعة أشهر تقريبا، وهذه المدة أرى على أنها قصيرة جدا لتقيمي فيها طبيعة علاقتك بزوجك، لهذا تحتاجين أن تمنحي نفسك مدة أطول حتى تقدري أن تحكمي فيها على طباع زوجك، ولكي تتعودي عليها وتتآلفي معها، وتأكدي بأنها مرحلة انتقالية لن تستمر طويلا، وهي من أشد مراحل حياتك الزوجية، ستكتشفين خلالها تناقضات مختلفة في شخصيتك وفي شخصيته، لأن كلاكما يعاشر شخصا غريبا عنه، ويحتاج ليتعود على أخلاقه وطباعه.. لستما نسختان متطابقتان، لهذا فلا تتضايقي من ردات أفعاله ولا من عاداته أو طباعه وتصرفاته..
ثالثا: أنت تشعرين بأن زوجك تغير عن السابق، ولكن قبل أن يحصل هذا التغيير ذكرت بأنه كان يعاملك أحسن معاملة، وهذا يعني أنه يحبك ويحترمك ويراعي مشاعرك، ويراعي الله في تصرفاته معك، وهو بذلك يحقق معنى قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21).
أما بالنسبة لما طرأ عليه من تغير اتجاهك في تصرفاته وتعامله معك، أرى على أن هذا الأمر طبيعي بين أي زوجين، لأن الحياة الزوجية لا تسير في خط مستقيم من البداية إلى النهاية، كذلك الحياة الزوجية ليست كلها شهر عسل، بل هي فصول كفصول السنة، فيها الربيع والخريف والشتاء والصيف، فيها الحر الشديد والدفء، فيها الجو المعتدل وفيها البرد القارس، فيها تقلبات كتقلبات الجو، فحاولي أن تتفهمي كل تغير يطرأ على زوجك على أنه ليس جفاء ولا كرها ولا إساءة لك، بقدر ما هو تغير طبيعي يتأثر بظروف الحياة وهمومها ومتاعبها، وتحكمها وضغطها على ردات أفعاله، ثم في كل الحالات اقبلي شخصيته كما هي وإن كانت مختلفة عن شخصيتك أو غير راضية عنها، وفي نفس الوقت شاركيه حياته اليومية خارج بيتك لتقدري أن تتفهمي ردات أفعاله المختلفة وأسبابها وتنسجمي معها.
رابعاً: ذكرت على أن زوجك يهتم بأصدقائه كثيرا وعلى أنه يجد السعادة معهم، لا عيب في ذلك، فكما أن لديك أخوات وصديقات وعلاقات اجتماعية هو كذلك، والله سبحانه وتعالى ماذا يقول في محكم تنزيله؟ {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: من الآية13)، ومعنى هذا أن الله خلقنا على غريزة وفطرة تحب التلاقي والاجتماع والتعارف والتآلف والتحاور، فلا جرم ولا ذنب على زوجك إن كانت طبيعته هذه وأن له أصدقاء يحبهم، ويشعر بالسعادة لمجالستهم والتودد إليهم، فلا تستعبدي حريته، وتعتقلي حركته، وتفرضي عليه نمطا من الحياة تختارينها أنت فقط، حاولي أن تمنحيه مساحة من الحرية المشروعة يتنفس فيها هواء مختلفا عن الهواء الموجود داخل بيتكما، دعيه يتحرك بشعور جميل أن له شخصية مستقلة، وأنه يتحرك بغير قيود وسلاسل، حتى ما يشعر على أن زواجه بك هو بمثابة معتقل، فيسعى دائما ليهرب منه، دعيه يختار أشياء تسعده، ويمارس عاداته التي تعود عليها وهي تدخل السرور عليه مثل مجالسته لأصدقائه، لا تجعلي من هذا مشكلا يؤثر على علاقتك بزوجك، بل بالعكس ساعديه على أن يقوي رباط الأخوة في الله على منهج الله،لأن المتحابين في الله مع الذين انعم الله عليهم من المرسلين والنبيين والشهداء والصالحين يوم القيامة، وفي نفس الوقت امنحيه شعورا بالسعادة وهو معك حتى لا يبحث عنها خارجا، أضفي على حياتك معه روحا جميلة تفرض وجودها عليه، فتجعله يختار دائما مجلسك وحديثك ولقاءك..
خامسا: لقد استفحل الوضع بينكما حتى ما عاد يوجد هناك حوار إيجابي، وهذا مؤشر خطير يهدد حياتكما الزوجية، وأرى على أنه قد يكون من أسبابه أن كلاكما أو أحدكما لا يتنازل لينصت للثاني، ويصل معه لحل يرضيه، من غير أن يستخدم الصوت العالي أو الكلمة الجارحة.
ثم كما ظهر لي أنك تستخدمين في حوارك معه أسلوب العتاب، فحاولي مستقبلا أن تغيري هذا الأسلوب لأن كثرة اللوم تفسد المودة، وتكراره يقطع حبال وصلها، لا تمثلي دور القاضي في حوارك مع زوجك، ولا تحسسيه دائما بأنه المتهم الوحيد، الذي عليه أن يبرئ نفسه أمامك، لأنه لن يقبل أن يكون كذلك في كل الحالات، حتى لو كنت على حق وهو على باطل، امنحيه شعورا جميلا وهو تفوقه عليك، هذا الشعور الجميل بتواضعك سيدعوه ليتواضع ويكون أفضل من تواضعك، لأن الماء البارد يطفئ النار الموقدة، ولا يخلف إلا دخانا سرعان ما يتبدد مع الوقت.
استبدلي أسلوبك بأسلوب أفضل، يرضي زوجك ويجعله ينصت إليك من غير أن يثور أو يغضب، جددي حوارك ولا تجعليه ثقيلا ومملا ومكررا، لا تكوني نسخة من أسطوانة، يضطر زوجك لينصت لها يوميا، بنفس الأسلوب وبنفس النبرة وبنفس التحليل والتشخيص، حتى يأتي يوم تضيق نفسه، فيتمنى ان يلقي بهذه الأسطوانة في سلة المهملات، أو يتخلص منها بأي طريقة ليرتاح، لأن نفسه عافتها وكرهتها، ابعثي في حوارك وحديثك نبض حياة جديدة، واستخدمي دائما لغة التسامح والتنازل والكلمة الطيبة فهي سفير القلوب، ودواء سحري لتخفيض ضغط الدم المرتفع، ومهدئ مفعوله قوي لامتصاص الغضب والحقد من القلوب، فاستخدميه دائما في حوارك، كوني ذكية وحكيمة وأحسني اختيار المكان والوقت المناسب حتى ينصت لحديثك بعقله وقلبه وبنفسية طيبة.
سادسا: ذكرت على أنه يتهمك بأنك السبب فى هذا البرود الذي حل بينكما، وأن أسبابه ترجع إلى أنه لم يعد مبهورا كما كان بشخصيتك وأنك غير متجددة، وانه يفضل أصدقاءه أكثر منك..
قد يكون كلامه هذا صحيحا وقد يكون مبالغا فيه وقد يكون مخطئا، كلها احتمالات قد تكون صائبة أو مخطئة ولكن هناك حقيقة مؤكدة وهي أنه كان في السابق مبهورا بشخصيتك، لأنك كنت تتصفين بصفات معينة كانت تشد انتباهه وتعجبه، ولكنه حاليا ما عاد يشعر نحوك بنفس الإحساس، ولا بنفس نظرة الإعجاب بشخصيتك، فينبغي عليك أن تبحثي عن أسباب ذلك، ولا يضر لو سألته أولا، وفي نفس الوقت أنت بنفسك تتبعي صور الجمال في عينه وقلبه وإحساسه، واعرضي عليه ما يشابهها ويماثلها جمالا وحسنا وبهاء، وفي كل مرة اقتربي من ذوقه أكثر، وتغيري معه، وتطوري بحسب تغير ذوقه واختلاف طباعه، واكتشفي بنفسك ما يسعده وما يشقيه، وما يفرحه وما يغضبه، ما يريحه وما يضايقه، وبالتأكيد ستنجحين في أن ترضيه وتسعديه، وحينها ستشعرين أنت أيضا بالسعادة تغمرك، لأنك تتغيرين وتتجددين في مظهرك وفي جوهرك لأجل إنسان يستحق ذلك وهو زوجك الذي أنت اعترفت بنفسك أنك تحبينه وغير مستعدة أن تضحي به وتنفصلي عنه.
سابعا: طلبت منه أن تبتعدي عنه لفترة، حتى يحدد مشاعره اتجاهك لكنه رفض وطلب منك مهلة شهر إن لم تتحسني خلالها سيفارقك.
أنت إنسانة مسلمة وزوجة ولا معنى لأن تفكري أصلا بأن تبتعدي عن زوجك، أو حتى أن تقترحي هذا عليه ولو لفترة لأي سبب كان، إلا لو في ضرورة تلزمك ذلك، والضرورة لها شروطها وضوابطها.
ترغبين في أن يحدد مشاعره اتجاهك، المشاعر لا أحد يحددها بوقت، إنما هي تتقوى وتضعف بحسب تصرفاتنا وردات أفعالنا، فالأصح والأصلح أن تفكري معه كيف تنجحين في إنقاذ حياتك الزوجية من الانهيار، عليك أن تسعي إذا في إيجاد طرق للعلاج وأنت معه لا وأنت بمنأى عنه، وابدئي في تطبيقها، ولا تنتظري منه حتى يبدأ هو أو يقدم هو أو أو، كوني أنت من تسارعين دائما إلى الخير وتتقدمينه في الفضل والمعروف، وتدفعينه دائما لكي يرتبط بك أكثر.
حاولي خلال الفترة القادمة أن لا تشغلي تفكيرك بموضوع ما طرأ عليه من تغيير وتحول اتجاهك، ولكن اهتمي بالأهم وهو كيف تسترجعين زوجك قبل أن تفقدينه للأبد، أنت تحبينه وهذه نعمة عظيمة، فحافظي عليها، وانجحي في أن تسترجعي ما كان بينكما، بل اسعي لتصلي لأفضل مم كان بينكما سابقا، وهذا يتطلب منك أولا أن تطمسي صفحات الماضي والعتاب والأخطاء ومن المتسبب فيها، افتحي معه ملفاُ جديداُ ناصع البياض، عنوانه المحبة والمودة والرحمة والخلق الفاضل، فهو الحبل المتين الذي سيشد وثاق علاقتك بزوجك ويعيد ثقته بك، ونظرة إعجابه وحبه واحترامه...
إنك تحتاجين لتحققي كل ذلك إلى صبر وقوة تحمل، وإيمان قوي ودعاء تتسلحين به، لتنتصري به على ضعفك.
حياتك تحتاج منك الكثير من التضحيات والتنازلات، فقدمي لها من البذل والعطاء ما تمنحين به السعادة لزوجك ولك.
أمامك وقت طويل لتهيئي نفسك للامتحان وللنجاح والتفوق، وهذا لا يتعذر عليك لو قررت وعزمت على ذلك، وسعيت لذلك بعزيمة وهمة، تذكري على أن الحياة الجميلة عمرها قصير مثل الشمعة المضيئة فلا تذيبي عمر هذه الشمعة وهي ما زالت في بداية توهجها، لا تفقدي الأمل فدائما هناك شمعة تبدد الظلام.
أتمنى من الله العلي القدير أن يصلح ما بينكما، ويسعدكما ويقوي علاقتكما برباط التقوى والإيمان.