تداعيات حظر حزب كردي على الوضع السياسي في تركيا
25 محرم 1431
طه عودة

بعد قرار المحكمة الدستورية التركية بحظر حزب المجتمع الديمقراطي الموالي للأكراد تلقت الجهود الإصلاحية التي قامت بها حكومة حزب العدالة والتنمية في الأشهر الأخيرة خاصة فيما يتعلق بخطة "الإنفتاح الديمقراطي" ضربة من حيث لم تتوقعها.

القرار الذي اتخذه رئيس المحكمة هاشم كيليج بغلق حزب المجتمع الديمقراطي وإسقاط عضوية النائب أحمد تورك والنائبة ايسيل توغلوك من عضوية البرلمان التركي ووضع اليد على جميع ممتلكات الحزب ومنع 37 من مسئوليه من النشاط السياسي لمدة 5 سنوات وبإجماع كافة الأعضاء الأحد عشر كان قرارا متوقعا في نظر الكثير من المراقبين في الأوساط التركية والكردية إذ أن القرار جاء في نظر الكثيرين مكملا لما سبقته من  خطوات تهديدية واضحة صدرت من قبل سياسيين أتراك وذلك بعد التاسع عشر من أكتوبر الماضي وذلك إثر عبور قافلة مكونة من 34 من عناصر العمال الكردستاني إلى جانب مناصريه اللاجئين في مخيم مخمور بشمال  العراق إلى تركيا كبادرة حسن نية وتأييد لخطة "الإنفتاح التركي على الكرد".
ومما لا شك فيه أن قرار المحكمة الدستورية بحظر حزب المجتمع الديمقراطي سيوقد الخلافات بين تركيا وأكرادها من جديد.. إذ لا يستبعد الكثير من المراقبين أن يلحق المزيد من الأضرار بالمصالح العليا للدولة التركية فحزب المجتمع الديمقراطي هو الحزب الممنوع رقم 25 تركيا والسابع كرديا الذي تم إغلاقه في تركيا من قبل المحكمة الدستورية منذ تأسيسها سنة 1963.
وبحسب المراقبين السياسيين يمكن أن يؤدي قرار حظر الحزب إلى تعطيل مسيرة  التفاوض بين أنقرة والاتحاد الأوروبي بهدف انضمام تركيا للاتحاد إضافة إلى انعكاساته الداخلية.

تداعيات قرار المحكمة:
توقع جميع المراقبين والمحللين أن حزب المجتمع الديمقراطي الموالي للأكراد لن يطيل المقام في مقاعد  البرلمان وبالضرورة أن ثمة عاصفة سياسية قادمة لا محالة طالما أن هناك العديد من المخاطر والمهددات المحيطة به ولكن اختلفت توقعات المحللين حول مصدر العاصفة:هل يكون مصدرها  المؤسسة العسكرية التركية صاحبة السوابق الشهيرة في القضاء على الأحزاب ذات التوجهات  الكردية؟ أم الأحزاب العلمانية صاحبة التاريخ الطويل في التحالف مع الغرب وممارسة النفوذ على منظمات المجتمع المدني التركي؟ أم مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل اللتان ظلتا تجدان في المسرح التركي من المزايا والامتيازات التي لم تجدها في أي دولة أخرى.ومهما بدا للجميع بأن القضاء التركي هو الذي حظر هذا الحزب كعادته منذ عقود إلا أن البعض يرى بأن قرار المحكمة الدستورية التركية هو قرار سياسي مترجم قضائيا هدفه بالدرجة الأولى غلق الباب أمام ما يسمى"إنفتاحا تركيا على الكرد" الذي يعني سد الطريق أمام حزب إردوغان لحل المشكلة الكردية بالطرق السلمية.

الهدف.. حكومة إردوغان:
من دون شك حزب العدالة والتنمية الذي حاول خلال الأشهر الماضية إيجاد الحلول للمشكلة الكردية عبر إطلاقه خطة تسمى "الانفتاح الديمقراطي على الأكراد" غير مسئول عن قرار المحكمة الدستورية كما أنه لم يكن في أي يوم من الأيام أصلا متحمسا لمثل هذا المنع.وهو يعرف تداعيات هذا القرار على الوضع في البلاد حتى أن بعض المحللين السياسيين  اعتبروا أن الحزب التركي الحاكم هو المستهدف من القرار في مقدار استهداف الصوت السياسي للأكراد الأتراك خصوصا أنه يشتبه بأن العدالة والتنمية يقف وراء محاكمات مجموعة "أرغينيكون" المنظمة السرية التي تضم عسكريين ومدنيين أتاتوركيين.

المستفيد:المؤسسة العسكرية التركية:
بحسب الكثير من المتابعين للشأن التركي فإن أزمة حظر حزب المجتمع الديمقراطي تخدم بشكل كبير المؤسسة العسكرية وتفتح شهية العسكر لإتخاذ قرار عسكري مواز لقرار المحكمة للعبور إلى شمال العراق بهدف تصفية حزب العمال الكردستاني.وكما هو معلوم فقد كان للجيش التركي صلاحيات واسعة في الجنوب التركي مثل التفتيش والملاحقة والاعتقال دون أخذ إذن مسبق، لكن الحكومة التركية سحبت منه هذه الصلاحيات كل هذا التطورات ستستعيد مكانة المؤسسة العسكرية على المسرح السياسي التركي.

أكراد العراق.. حذر وترقب:
ونأتي إلى طرف ثالث وهو الإقليم الكردي العراقي هذا الطرف في مأزق بين رفضه لقرار المحكمة التركية أو الموافقة عليه بعد التطورات التي شهدتها العلاقات بين حكومة أنقرة وحكومة الإقليم في شمال العراق بعد سنوات من المد والجزر في العلاقات بسبب حزب العمال الكردستاني حيث أن الصورة ما زالت غير واضحة بالكامل على الرغم من الزيارة التي قام بها وفد برلماني كردي إلى مخيم مخمور في شمال العراق.

الطرف الأمريكي الغائب:
وننتقل إلى طرف آخر مهم، لكنه غائب حتى الآن وهو الطرف الأمريكي؛ الذي يراقب الأحداث عن بعد وكأنه لا يدرى ما يجرى حوله لكن من المدهش أن الإضطرابات التي شهدتها المناطق الجنوبية الشرقية التركية على هذا النطاق الواسع قبل صدور القرار دون أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية كعادتها بمجريات الأحداث أمر مثير للغاية هل كان في الأمر مساندة لإردوغان وحكومته أم قلب الطاولة على رأس الأكراد في تركيا كل الاحتمالات واردة، إلا أننا نتوقف عند الاحتمال الأخير لنسأل: لماذا؟. هل لأن بروز الدور التركي مؤخرا على المسرح السياسي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى واقتحامها مشاكل تاريخية كانت تهز من صورتها كمشكلة الأرمن والمشكلة القبرصية، فضلا عن تطورها الاقتصادي الهائل، هي أمور ربما دفعت الولايات المتحدة أن تغض الطرف عما يجرى ومما يعزز هذا الرأي أنه لم يظهر للولايات المتحدة أي موقف مما حدث مؤخرا يتجاوز الإدانة.
الحقيقة التي تغيب عن الكثير أن الولايات المتحدة الأمريكية تلتزم الصمت نوعا ما حيال تطورات الأوضاع الأخيرة في تركيا ليس خوفا على حكومة إردوغان إنما على مصالحها في تركيا حيث تعيش أمريكا حاليا أزمة مزمنة في العراق ولا تريد تعقيد للأزمة أكثر من اللازم وتريد مساعدة تركيا الآن

تركيا والأكراد.. صدام لامفر منه:

تعد المشكلة الكردية في تركيا من أعقد حلقات الصراع التركي الكردي وبمثابة البؤرة الملتهبة في جنوب شرق تركيا وعلى حدودها مع العراق وسوريا وإيران فقد دخلت هذه المشكلة منعطفا جديدا في عام 1998 مع اعتقال رئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في 16 من فبراير من نفس العام.وكان تصريح رئيس الحكومة التركية آنذاك بولنت أجاويد أن القضية الكردية قد انتهت تعبيرا عن صراع طويل بين الدولة التركية والأكراد لكنه كان تأكيدا أيضا على أن هذا الصراع مازال مفتوحا وأن النزعتين الكردية والتركية تشكلان علامة فارقة في التاريخ والمجتمع والدولة في تركيا فقبل أعوام وبالتحديد بعد اعتقال أوجلان لوحظ بأن منظمة "حزب العمال الكردستاني" بدأت تتجه إلى تغيير استراتيجيتها والانتقال إلى مرحلة التسييس في ظل متغيرات إقليمية ودولية أهمها احتلال أمريكا للعراق وقيام كيان كردى شبه مستقل في شماله.إلا أن هذه المنظمة( حزب العمال الكردستاني) وباستدارة سريعة غيرت من المعادلة بكاملها أخيرا وبالتحديد في العامين الماضيين حين بدأت المواجهة تتخذ أشكالا مدنية حيث لم تعد أساليب هذه المنظمة مجرد عمليات مقاومة في الجبال بل عمليات تفجير من بعد ضد قوافل الجيش التركي وتمشيط للمخافر الحكومية والمراكز الثابتة.
وخلاصة الحديث... كل هذه التطورات تشير إلى أن تركيا ستدخل على الأغلب تاريخا جديدا من الانغلاق على أكرادها بعد زمن قصير جدا من إنفتاحها القلق وهو ما يعني عودة تركيا مع مشكلتها الكردية.