أنت هنا

العائدون الى الفضيلة
14 محرم 1431
د . ديمة طارق طهبوب

إن الأحمق فقط من يرى حفرة و يصر أن يقع فيها من باب التجربة، و الأحمق أيضا من لا يتعظ بتاريخ و تجارب غيره، و يصر أن يذوق طعم الأذى و الألم و الهزيمة بنفسه، ذلك أن النفس البشرية السوية تنفر من السوء و تحب استجلاب الخير و المنفعة على الدوام، و هذه الأهمية في الاستفادة من تجارب الآخرين هي ما جعل المولى سبحانه و تعالى يُفرد مساحة كبيرة من كتابه المعجر، و آخر رسائله الى البشرية لقصص الأمم السابقة حتى يتعظ و يأخذ العبرة منها أولو الألباب، و لهذا أيضا كان التاريخ و تجارب الأمم و ما زالا من أهم مساقات العلم التي تمكن الدارسين من القياس على ما هو آت بالنظر الى ما فات، و قد نبهنا الإسلام على ان المرء يجب أن يطلب الحكمة و يقبل بها أيا كان مصدرها و حتى لو خرجت من فم عدو مبغض

 

و للأسف فإن الأمة العربية و الإسلامية أصبحت أمة استهلاكية مستوردة ليس فقط على مستوى السلع و الكماليات المادية، من أول الإبرة حتى الطائرة، و حتى المسبحة و سجادة الصلاة، و لكن على مستوى المعرفة و الأخلاق و القيم، و ليت هذه الأخيرة بقيت في نطاق المقبول حضارة و دينا و عرفا، و لكننا استوردنا الغث و السمين، و غلب تعلقنا بالغث و تركنا السمين من مدارس العلم و تطبيقات التكنولوجيا، ففي الوقت الذي يقوم فيه العرب بإطلاق قنوات جنسية لإسقاط و إلهاء الشباب العربي و المسلم، تقوم الصين و هي البلد الرائدة في صناعة و تصدير التكنولوجيا بإطلاق حملة و برنامج باسم السد الأخضر Green Dam الذي يزود الحواسيب بتقنية مراقبة و حظر المواقع الجنسية و الإباحية و المواقع التي تشجع على العنف، و قاومت الصين من أجل شبابها أمريكا و منظمات التجارة الحرة مؤكدة على أهمية هذا البرنامج لحماية الشباب من الانشغال بالمتع و نسيان واجبهم الوطني في خدمة بلادهم بالعلم و العمل، و حماية المجتمع من زيادة معدلات الجريمة و الانحراف و التفكك الأسري

 

إذن عادت الصين و هي من أساطين التكنولوجيا العالمية الى تطبيق معايير الفضيلة الى جانب معايير الجودة و الإنتاج، عادت إلى فرض رؤية أخلاقية إلى جانب الأهداف الربحية في تأكيد جديد الى أن الغاية لا تبرر الوسيلة، و أن الانتشار و التسويق لا يعني الانكفاء على الأخلاق، و أن الحرية الشخصية لا تعني الحجر على رغبة الكثيرين في تأمين أنفسهم من خطر الإباحية، و تبعت هذه الخطوة قيام شركة أبل الأمريكية الرائدة في صناعة أجهزة الكمبيوتر و الهاتف المحمول و آخرها الأي فون I Phone بما فيه من تقنيات تجمع بين أجهزة الكمبيوتر و الخلوي و التلفاز و المسجل و غيرها برفض إدراج برنامج "أكثر الفتيات إغراء" و الذي يحتوي على صور لفتيات عاريات ضمن برامج الهاتف، و بررت القرار بعدم تبني التسويق للمواد الإباحية حتى و ان كان بإمكان الزبون الحصول عليها من أي مكان آخر، و أكدت الشركة رفضها للبرنامج برغم المطالبات بإدراجه، و برغم الأرباح الهائلة التي كانت ستحصلها، و التي كانت ستمكنها من التفوق و منافسة الأجهزة الشبيهة الأخرى مثل جهازي بلاك بري ستورم و بالم بري
و في ميادين أخرى من العودة إلى الفضيلة، أصدرت السلطات المحلية في فيتنام قانونا يمنع عرض الملابس الداخلية على التماثيل في واجهات المحلات التجارية، و بالرغم أن فيتنام تعج بالمصانع الأجنبية التي تفد إليها لرخص الأيدي العاملة ،حتى إنها اعتمدت في احدى السنوات كعاصمة إنتاج الموضة العالمية إلا أن ذلك لم يمنع المسئولين من فرض هذه القوانين الصارمة و تغريم المخالفين، و قد صرح مسئول فيتنامي أن عرض الملابس الداخلية للعلن يتنافى مع التقاليد الفيتنامية، فلا أحد يتنزه في الأماكن العامة بملابسه الداخلية، و في المقابل لا نكتفي في الدول العربية بعرض الملابس الداخلية في واجهات المحلات بل يكون الباعة داخل المحلات من الرجال الذين لا يخلو كلامهم من إشارات غير لائقة، على أقل تقدير، حول الجمال و القياس و الألوان

 

و في الوقت الذي يهاجم فيه الكثيرون من العلمانيين غض البصر باعتباره سخافة و تقييدا يعود بالبشر الى عقلية العصر الحجري، تنصح دراسة حديثة أُجريت في هولندا الرجال بغض بصرهم، إذ ان النظر الى النساء يُضعف الذاكرة القصيرة لدى الرجال، و يخفض أداؤهم العقلي بشكل كبير، و قال الباحثون أن خلايا الدماغ التي تقوم بمعالجة المعلومات و اتخاذ القرارات تتأثر كثيرا بحضور المرأة و النظر اليها و الحديث معها، و ان إطالة النظر إلى المرأة لساعات طويلة يؤثر على القلب، و يسبب تصلب الشرايين و ارتفاع ضغط الدم و بعض الاضطرابات النفسية نتيجة الهيجان الذي يسببه التحديق، فيما نسينا كمسلمين فضائل غض البصر على راحة النفس و القلب و الجوارح و صدق الشاعر في توصيف مشاكل إطلاق البصر اذ قال:
كل الحوادث مبدؤها من النظـر   ومُعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها   فتك السهام بلا قـوس ولا وتـر
والمرء ما دام ذا عين يقلّبُها في   أعين الغيد موقوف على الخطـر
 يَسُـرّ مقتله ما ضرّ مهجتـه   لا مرحبًا بسرور عاد بالضـرر

 

و في مجال آخر لصيق، فقد أظهرت دراسات أجريت على مجموعة من المدارس البريطانية و الأمريكية الإعدادية و الثانوية تقدم نتائج الطلاب في التعليم المنفصل بنسبة 75.7% على نتائج الطلاب في التعليم المختلط، و يقول المؤيدون للفصل بين الجنسين في المدارس إن هذا أمر ضروري لزيادة مستوى تحصيل الطلبة، فمرحلة المراهقة من أكثر مراحل التشتت و التمرد لدى الشباب و الفتيات فلا يصح أن يجتمع على الطلاب ضغط الهرمونات و الجنس ثم يُطلب منهم أن يركزوا على الدراسة، و في الوقت الذي تشجع الدول الغربية التعليم المنفصل ها هي الاتفاقيات الدولية، و على رأسها سيداو، تفرض على الدول العربية اعتماد التعليم المختلط!!
كان سبب عودة هذه الشعوب العلمانية الى الفضيلة ما عانته من ويلات التفلت و انتشار الرذيلة و الجرائم، فهل علينا أن نسير على خطاهم و نجرب العلقم حتى نتعظ بعد فوات الأوان و عندما لا ينفع الندم؟؟إن من معاني الإسلام الاستسلام، أي معرفة أن الله ما فرض علينا شيئا الا و هو يريد سعادتنا في الدنيا و الآخرة  دون الحاجة إلى الإثبات و التجريب و صدق سبحانه" يريد الله ليبين لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم و يتوب عليكم و الله عليم حكيم، و الله يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما، يريد الله أن يخفف عنكم و خلق الإنسان ضعيفا"