هل هي عودة إلى عنفوان التنصير
4 محرم 1431
د. محمد يحيى

تواردت في الفترة الأخيرة مجموعة من الأخبار إذا أخذت في مجموعها فإنها تدل على أن موجة جديدة من أعمال التنصير تنشط في هذه الفترة مع الفارق هو أنها لا تنشط في البلدان الواقعة في أطراف العالم الإسلامي كما اعتدنا على ذلك ربما لما يزيد عن القرن من السنين، أقصد بذلك بلدان أفريقيا جنوب الصحراء أو بعض بلدان جنوب شرق آسيا وإنما تنشط هذه الموجة هذه الأيام  في قلب العالم الإسلامي بل وفي الدول العربية التي تعتبر حصنًا للإسلام وفيها تقع الجامعات الإسلامية الكبرى المعروفة وتقع الكتل السكانية الأكبر في العالم الإسلامي من حيث التزامها ومعرفتها ووعيها بالدين.

 

ومن هذه الأخبار مثلاً، أخبار ترد متفرقة عن تنصر أشخاص في بعض بلدان الخليج العربي هم أشخاص بعضهم يعمل بالتدريس وبعضهم يشتغل في مهن أخرى ما تنتفي معه شبهة أن يكونوا قد وقعوا تحت ضغوط الفاقة والعوز لكي ينضموا إلى العقيدة الكنسية والمدهش أن بعض هذه التقارير التي وردت عن التنصير كان منها حالة تقع في البلد العربي الأشهر في دفاعه عن الإسلام وفي رفعه راية الإسلام والتزامه به.

 

وفي نفس الوقت ومن المغرب العربي جاءت أخبار من الجزائر تقول أن حركات تبشيرية تعمل في هذا البلد المسلم الذي لم تكن توجد فيه من قبل أي أقليات مسيحية أو غير إسلامية سوى الأجانب الفرنسيين الذين رحلوا عن هذه البلاد منذ ما يزيد عن الأربعين عامًا.
وهنا أيضًا تتصاعد أسئلة الدهشة، فإذا كان هذا البلد لا توجد فيه أصلاً أقليات مسيحية، وإذا كان هذا البلد يعيش نسبيًا في مستوى معيشة مقبول؛ فلماذا تعمل فيه جماعات التنصير الأجنبية ومن أين أتت ومن الذي سمح لها بهذا؟

 

هنا مثلاً قد يتسائل البعض هل فتح الباب عمدًا أمام هذه الجماعات تلبية لضغوط قدمت من أوروبا الغربية وبالتحديد من بلدان مثل إيطاليا وأسبانيا وفرنسا بل ربما ألمانيا وانجلترا أيضًا؟، أم هل أن باب التبشير المسيحي قد فتح في الجزائر مثلاً على سبيل مواجهة ما يعرف عادة بظاهرة الإرهاب والتطرف الديني المنسوبة كذبًا إلى المسلمين؟، وهل يكون علاج الإرهاب والتطرف الذي يجيء على أيدي أفراد قلائل من المسلمين هو فتح باب تنصير أمام جماعات لا تستهدف هؤلاء الإرهابيين أو المتطرفين على وجه التحديد ولا تستهدف بيئتهم بل تستهدف بالأساس المواطنين العاديين الآمنين الذين يلتزمون بالإسلام والذين ربما لن تشدهم إلى المسيحية إلا إغراءات مادية أو إغراءات بتسهيل الهجرة إلى البلدان الأوروبية التي أصبح الآن قسم كبير من سكان العالم العربي يهفو إلى الهجرة إليها نتيجة لتدهور الأحوال إما المعيشية وإما الاجتماعية والسياسية في بلدانهم.

 

إن هذه الأسئلة التي تطرح بالنسبة إلى الجزائر مثلاً قد يرد بعضها أيضًا في بلد مثل مصر الذي تصاعدت فيه على مدى الأعوام القليلة الماضية بل حتى الأشهر القليلة الماضية تقارير كلها تصب في خانة موجة التنصير الجديدة هذه التي أتحدث عنها، فمن حديث عن تنصر أعداد من الأشخاص هم أيضًا يفترض  أنهم في مستويات لا تقع طائلة الفقر الذي يؤدي إلى قبول هبات أو رشاوى الجهات المسيحية إلى تنصر فتيات مسلمات للزواج أو لإقامة علاقات عاطفية مع شباب مسيحي بعد أن غرر بهن نتيجة ظروفهن الاجتماعية السيئة إلى قيام أعداد من الأشخاص قيل أن عددهم يصل إلى المئات بإعلان رغبتهم في العودة إلى المسيحية بعد أن كانوا تركوها واعتنقوا الإسلام لأسباب مختلفة كان أبرزها التخلص من قيود قوانين الأحوال الشخصية الكنسية الصارمة والتي تنكر عليهم حقوقهم الإنسانية الأساسية في الطلاق أو إعادة الزواج بعد الطلاق.

 

وفي حالة مصر فإن هذه التقارير التي تفيد عن حدوث عملية تنصر هي والحمد لله ليست واسعة إنما تقتصر على أفراد قلائل تجيء وسط دور قوي للغاية للكنيسة الأرثوذكسية مما جعلها تتحول إلى أشبه بدولة داخل الدولة تفرض مطالبها في بناء أعداد متزايدة ومتسارعة من الكنائس قدرت على الأقل بخمسمائة كنيسة خلال الربع قرن الماضي، وهو رقم متواضع جدًا، وربما حقيقته هو أنه خمسة آلاف وليس خمسمائة كما ذكر مؤخرًا أحد الوزراء المصريين.
لكن الخطورة في هذه الأنباء حول العودة إلى المسيحية إن جاز وصفها بهذا التعبير ليست في الأعداد التي تتعلق بها هذه الأخبار بقدر ما هي في طبيعة الظاهرة نفسها ووقاحتها وإبرازها على صفحات الإعلام وفي صدارة الصحف.

 

إن بعض هؤلاء المتنصرين يأتون من وظائف منها محامية وضابط سابق وعميد بإحدى كليات الدراسات الإسلامية في صعيد مصر، كما أن هذه التقارير تتحدث أيضًا عن أشخاص اعتنقوا الإسلام وظن المسلمون أن هذا الاعتناق إنما يأتي إيمانًا منهم بالإسلام أو على الأقل قبولاً منهم بعقيدته السمحة وشريعته التي تكرم الإنسان ومع ذلك فنفاجأ بهم في حركة أقل ما توصف بهم أنها نوع من الغدر أو أنه استسلام لضغوط الكنيسة القوية عليهم وتخلي الحكومة والجهات الرسمية عنهم يعودون إلى المسيحية ويعلنون ذلك بكل تظاهر وبكل وقاحة وبجاحة، وفي تحرك يستهدف كما هو واضح الإعلان عن أنهم يحتقرون ألإسلام أو أن الإسلام لم يعد هو في رأيهم الدين  الحقيقي بعد أن كانوا قد أقبلوا عليه.

 

إن هذه الظاهرة التي يمكن أن نسميها ظاهرة الهجمة التنصيرية الجديدة والتي تختلف من بلد إلى بلد في أبعادها وربما في أسبابها أيضًا إنما تدل على وجود خلل معين وعلى وجود أسباب جوهرية مهدت لها وسهلت لها السبيل وهي أسباب غير موضوعية كما قد يتيسر لنا متابعته في مقال لاحق بإذن الله.