عام جديد على عملنا شهيد
29 ذو الحجه 1430
د. مبروك رمضان

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد:
(عام جديد وعلى عملنا شهيد فاغتنموه فأنه لا يعود إلي يوم القيامة) عبارة نرددها كلما أهل علينا عام جديد، وغالبا تمر كما يمر أمثالها كثير، وما أن تتأمل فيها تجد أن الستار قد أسدل على عام كامل وجزء كبير من العمر، ووقت طويل من الزمن، مضى بآماله وآلامه، وحسناته وسيئاته وأفراحه وأتراحه, وكل غائب قد يعود، وكل مفقود قد يسترد وكل ذاهب قد يسترجع....إلا العمر المنصرم والزمن المنقضي والوقت الغائب، إن هذا العام المنصرم جزءٌ من أعمارنا ونقص من آجالنا (يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يومك ذهب بعضك) قطعنا يوما من حياتنا إلى دار الآخرة ولا ندري أهي إلى الجنة أم إلى النار، إن الإحساس بالزمن مهما طالت مدته وعظمت فترته سنسأل عنه يوم القيامة (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ، قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون: 113، 114].

 

إن قطار الزمن يمضي بسرعته الفائقة، وحركته الدائمة، ولا يتوقف عند أحد ولا يحابي أحدا، ولكن إذا نحن غفلنا عن أيامنا الخالية, وأعمارنا الماضية ونسينا ما عملنا وغفلنا عما أودعنا، فإن الله تعالى لا يغفل ولا ينسى جل في علاه، الأنفاس معدودة والأعمال مرصودة (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المجادلة: 6[، فالمرء محاصرٌ من جميع جهاته، مسؤول عن كل أوقاته، سيواجه بما أودع في أعوامه، ويفاجأ بدقائق أيامه (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد) [آل عمران: 30].

 

يقول ابن عمر رضي الله عنه أخذ رسول الله صلوات الله عليه بمنكبي فقال) كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) رواه البخاري فالعمر أمانة، والعلم أمانه، والمال أمانه، والمرء مسؤول عن ذلك كله قال رسول الله صلوات الله عليه وسلم) لا تزول قدما عبدٍ حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه) إن الحصيف لا يبكي على ما فات ولكن يسأل ماذا سنقدم لهذا العام الآتي.. أشعر بقول القائل:

دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوان

 

كنا بالأمس في أول العام، ونحن اليوم في منتهاه، هل ذهبت بركة الأوقات فلم نشعر بتصرُّمها؟! أم أننا قد أدركنا علامة من علامات الساعة؟! تكون السنة فيها كالشهر، والشهر كاليوم واليوم كالساعة! فهل يشعر بمضي الساعات من سلم من الأسقام؟ وهل يحس بمرور الأيام من كُفِي هم الرزق؟ وهل يُحس بانقضاء الشهور من أمِنِ في ماله ونفسه وعرضه؟ كم منا يفقدون إحدى هذه الخصال أو كلَّها، فكيف تكون أيامهم، وكيف تمر بهم الساعات، وعلى أي شيء تنقضي الشهور؟ قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمِك, وحياتَك قبل موتِك وفراغَكَ قبل شُغْلِك,وصِحَّتَك قبل مرضِك, وغِنَاك قبل فقرك(وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) رواه البخاري.

 

سنة كاملة بساعاتها، وأيامها، وشهورها، فكم عملنا فيها من أعمال قد نسيناها، لكنها عند الله محفوظة، وفي صحائف الأعمال مرصودة، وغدًا سنوفاها، يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) عام أفل..بما فيه من خير..وبما فيه من شر.. وعام أطل.. ما يُدرى ما فيه من خير.. وما هو عمل البشر، فمرحبا بعام جديد نستقبله وكلنا همة وعزيمة على الإحسان فيه لأنفسنا، وكلنا إصرار على أن نكون فيه أفضل مما كنا، ومرحبا به عام نبذل فيه كل طاقاتنا ونقدم فيه كل جديد نستثمر أوقاتنا في طاعة ربنا وما يخدم ديننا حتى يكون على عملنا شهيد.

وفق الله تعالى الجميع لما يحب ويرضى.