27 محرم 1431

السؤال

توفي أبي قبل بضعة أيام ولم أستطع احتمال ذلك لأني لم أكن بارا له حيث إني كنت أعمل بعيدا عنه وقد كان أبي مريضا ولم أكن أساعده ولا حتى أتصل به إلا نادرا ليس لأني لم أكن أحبه ولكن لضعف ذات يدي وخوفي من سماع صوته المعذب من المرض في الوقت الذي لم أكن أملك له نفعا وكذلك لعدم ثباتي على الطريق السوي الذي أراده الله تعالى. أحس بغلطتي الكبيرة بل وألمسها.. إني ابكي كل يوم وأتألم لكني مازلت أحس بذنب كبير أجره ورائي أطلب منكم النصيحة.. جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الأخ السائل: آلمتني كثيرا رسالتك، تلك التي تفيض بمشاعر التقصير التي احتوتك بعد رحيل والدك، وإنها لدرس كبير لكل من يقرأ هذه المشكلة، درس ينبهنا ويوقظنا نحو اغتنام البر من والدينا حال حياتهم، إنها أبواب للجنة من البر أبواب لرضا الرحمن مفتوحة على مصراعيها، لكننا - كغالب أحوالنا فيما ينفعنا في آخرتنا - نظل نلهي أنفسنا بالتسويف والتأجيل حتى تفاجئنا المصائب والآلام فنندم حينها، ولات حين مندم.
لقد أخطأت أيها الأخ السائل أخطاء متتابعة أولها تقصير في حق والدك بالسؤال عنه ثم تقصيرك في حق بره بالوقوف بجانبه وخدمته ورعايته ثم تقصيرك في عدم انجازك ما طلبه منك وما كان يرجوه لك ثم تسويفك الأيام المتتابعات ونسيانك أن الفرصة للبر غير دائمة، واليوم تستشعر ذاك الألم حين ذهبت الفرصة واغترب الأمل.
لكن إسلامنا العظيم قد راعى كثيرا من مواقف التقصير التي تنتابنا، واعتبر كثيرا من سلوكيات الغفلة التي نسقط فيها فنغرق في حمأتها، ففتح لك ربك العظيم أبوابا في موقفك ذاك.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " فلتكن أنت ذاك الصالح الذي لا ينقطع بره بأبيه بموته، فأبدأ سبيلك إلى الصلاح من هذه اللحظة، ولتكن لحظة رحيل أبيك هي اللحظة الفارقة في حياتك، فاجعلها مبدأ صفحة جديدة ومنبثق سبيل صالح لك، تغير فيه من شأنك نحو ما يرضي ربك، ويصلح دينك ولا زال لك من البر باب مفتوح هو باب الصدقة التي تتصدقها على أبيك بنفس راضية وبنية مخلصة حيث توضع في مكانها المستحق.
كما أن الدعاء له نوع آخر من البر لم ينقطع بموته فالزم الدعاء له واستحضر معاني قبول الدعاء، فإن الله يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات.
وانظر إلى ما يمكنك أن تقيمه مما قد قصر فيه أبوك أثناء فحج عنه إن لم يكن قد حج واقضي دينه إن كان عليه دين ورد الحقوق التي في ذمته إن كانت في ذمته حقوق.
وأدم أيها الأخ السائل الاستغفار من تقصيرك في حقه والزم تذكر ذلك ولا يكن ندمك مؤقتا تنسى بعده تبعتك ومسئوليتك.
واسأل الله أن يغفر لك وأن ينبت ذريتك نبته صالحة فلا يقصرون في حقك كما قصرت أنت في حق أبيك وإن كان لك أم فالزم أقدامها فثم الجنة.