رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا:نحن بحاجة لإعلام مضاد..منع المآذن أحد تجليات موقف ضد الإسلام نفسه..لا استقرار دون "الأسرة"
24 ذو الحجه 1430
إيمان يس




يقدر عدد المسلمين في أوروبا بنحو 60 مليون نسمة بحسب إحصائيات أجريت عام 2009 ، كما تتوقع هذه الإحصائية أن يمثل المسلمون خمس سكان أوروبا عام 2050 ، فهل هذا المد الإسلامي هو المسؤول عن ظاهرة الإسلاموفوبيا ؟ ولماذا يتمسك المسلمون ببناء المآذن على الرغم من أنها ليست جزءا أساسيا من المسجد ؟ ومن يقف وراء حظر المآذن ؟ ولماذا في هذا الوقت تحديدا؟ وفي ظل هذه الموجة من العداء كيف ينظر المسلمون لمستقبل الإسلام في أوروبا؟

 

هذه التساؤلات وأسئلة أخرى كثيرة يجيبنا عليها الدكتور شكيب بن مخلوف رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا في حوار خاص لموقع المسلم ، فإلى نص الحوار:

 

ذكرتم في تصريحاتكم أن الأزمة جاءت بعد حرب إعلامية استمرت 3 أشهر قام بها اليمين المتطرف برسم المآذن على هيئة صواريخ ، لماذا لم تبدؤوا التحرك مبكرا كي تتجنبوا هذه النتائج ؟

نحن بالفعل قمنا بالتواصل مع رابطة مسلمي  سويسرا والمؤسسات الإسلامية الأخرى وقاموا بجهود ، ولكن هذه المجهود لا ترقى إلى مواجهة الطرف الآخر بما لديه من إمكانيات مادية ، فهذه الصور كانت منتشرة فى العديد من المدن السويسرية المؤسسات الإسلامية فى سويسرا ليست لديها مثل هذه الإمكانيات لذلك أرى أن الوقت بات مناسباً لإيجاد إعلام مضاد.

 

البعض قد يرى أن قرار منع المآذن غير مجحف للمسلمين وأنه لا يمكن في بلد غير إسلامي أن ترتفع المئذنة وإلا فهذا يعني السماح لكل أصحاب العقائد الأخرى بممارسة طقوسهم كما يشاؤون؟

ليس صحيحا ، فنحن في أوروبا لدينا مجموعة من المواثيق والقانون الأوروبى يسمح لكل صاحب دين أن يمارس شئونه التعبدية بغير تدخل فيها وإلا فما معنى العلمانية ؟!! ، فالعلمانية تنص على عدم التدخل في الدين وتعتبر الوطن للجميع والكل يعيش فيه دون أن تضغط أي جهة على جهة أخرى ولا تجبرها على تبني عقيدة معينة ، كما أن الإسلام واليهودية والنصرانية لهم مكانة معينة لأنهم "ديانات سماوية" منزلة من عند الله تعالى ، وقد عقدنا لقاءات مع يهود ونصارى ومسلمين كلهم لديهم عقيدة أننا جميعا نعبد الله تعالى ، فهنا ليست هناك سبيل للمقارنة بين الإسلام وغيره من المعتقدات ، فالمآذن رغم أنها ليست جزءًا من العقيدة ولكنها رمز إسلامي فاليوم تمنع المئذنة وغدا يمنع المسجد؛ فمن وجهة نظرهم المنحرفة سنجد أن المسجد أخطر من المئذنة لأنه عبارة عن صومعة ، وتنشئة شبابنا على الإسلام وكل أشكال العبادة إنما تأتى في المسجد ، لذلك هذا الأمر يجب عدم السكوت عليه من قبلنا نحن المسلمين ومن قبل المؤسسات الرسمية الأوروبية وهذا ما حدث بالفعل ،فرئاسة الاتحاد الأوروبي هي الآن بالسويد ورئيس وزراء السويد تحدث بشكل صريح أنه يرفض هذا القرار الخاطىء وغير مقبول عرض هكذا استفتاء وكانت تصريح غاية في الجودة ، كذلك وزير الخارجية السويدي كان له تصريحات فى هذا الاطار ، ووزير خارجية فرنسا ذكر فى تصريح أن هذه المآذن موجودة بين جبال سويسرية معروفة باسم جبال هاشامى أفلم يجدوا غير المآذن ليمنعوها ؟!!

 

هل معنى هذا أن هناك نية للتراجع عن القرار ؟

القرارات السياسية تأخذ وقتا، والآن في سويسرا حيث توجد رابطة مسلمي سويسرا بالإضافة إلى عدد من  المنظمات الإسلامية الأخرى وهناك لجنة من القانونيين يبحثون فى إمكانية رفع دعوى قضائية من أجل التراجع عن هذا الأمر.

 

لكن هناك العديد من الدول الأوروبية ممنوع فيها المآذن فلماذا فى سويسرا تحديدا حدثت هذه الضجة ؟ولماذا الآن؟

لم نكن نتوقع أن يحدث هذا الشىء فى سويسرا ؛ففى السابق منع الحجاب وكان منعه أخطر من منع المآذن فالحجاب فرض والمئذنة ليست بفرضية الحجاب ، فمنع المئذنة هو أحد تجليات لموقف سلبي تجاه الإسلام وليس ضد المسلمين لأن التخوف من الإسلام نفسه وليس من المسلمين ، والشعب السويسري لم يصوت كله لرفض المآذن؛ فالذين ذهبوا للاستفتاء ما يقارب53% والذين صوتوا منهم لصالح منع المآذن هم 57% ، أي أن الذين يرفضون بناء لمآذن هم ما يقارب 25% أو 26% من المجتمع السويسرى ، أما عن التوقيت فقد تعودنا  قبل الانتخابات أن تقوم التيارات المتطرفة التى تبتعد عن ساحة المنافسة الشريفة أن تجد هذا الطريق للوصول إلى مبتغاها وأهدافها السياسية لا تجد أمامها سوى التعرض للإسلام والمسلمين فأصبح الإسلام بضاعة رائجة فى أوروبا ليصل أمثال هؤلاء إلى أهدافهم من خلال الهجوم على الإسلام كما حدث مع صاحب الرسوم الكاريكاتيرية فى الدنمارك وغيرها فهذه التيارات اليمينية المتطرفة تحاول تبنى هذه الوسائل.

 

 البعض يقول في عالمنا الإسلامي أننا بقدر ما نطالب بحقوق الأقليات ـ الإسلامية تحديدا ـ في أوروبا علينا أيضا أن نعطي نفس الحقوق للأقليات في بلادنا الإسلامية ؟

الإسلام والمسلمون أعطوا حقوق الأقليات منذ قرون، وإلا لو كان المسلمون يضطهدون غيرهم لما بقي نصراني فى أرض مصر على سبيل المثال ، فمع احترامنا للمسيحيين فى مصر ولكنهم لديهم من الحقوق ما ليس لدينا نحن من مسلمي أوروبا .

 

نعم ، ولكن البعض يقول إنكم تمارسون الدعوة في أوروبا في حين أننا لا نسمح بحملات التنصير في بلادنا الإسلامية ؟ فما تعليقكم ؟

يجب أولا أن نميز بين الدعوة والتعريف بالإسلام نحن لا نمارس الدعوة بين غير المسلمين في أوروبا وما نقوم به أننا نعرف بالإسلام، لأننا  كمسلمين لدينا مجموعة من الآيات تبين أن المسلم ليس هو الذي يُدْخِل الناس فى الإسلام ، فالله تعالى يقول " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " ، ويقول أيضا " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ " ، مما يعني أن قضية الهداية غير مرتبطة بصاحب الدعوة الأولى وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فمن باب أولى هي غير مرتبطة بشخصنا نحن المسلمين ، وإنما الهداية بيد الله ونحن كمسلمين مطالبون بالتعريف بالإسلام ،  ومن جهتنا نحن لا نذهب ونطرق أبواب البيوت أو المؤسسات وغيرها ، وإنما نجلس في المساجد ومن يأتي إلينا ليسألنا نجيبه ونقوم بتعريفه بالإسلام ، وكذلك في العالم الإسلامي لا يُمْنَع المسلم من دخول الكنيسة والتعرف على الديانة النصرانية ، وثالثا :نحن نعيش هنا ولا نعتبر أنفسنا مهاجرين ، فأنا أعتبر نفسى من أهل البلد والوقت الذي عشته هنا أكثر من الوقت الذي عشته فى بلدي الأصلي وأولادنا وُلِدوا هنا ونعتبر أن لنا من الحقوق ما هو للآخرين ويجب علينا أن نعمل في هذا الاتجاه ولا يأتى شخص يحاسبنى على ما يفعله غيرنا ، هل اليهود فى أوروبا دفعوا ثمن ممارسات الصهاينة فى حق أهل غزة؟!!، نحن نرفض أن يأتي أي شخص ويطالبنا بالاعتذار عما يفعله أي مسلم خارج أوروبا لأننا نعتبر أنفسنا أوروبيون ونريد التعامل معنا على هذا الأساس وهذا ما نطالب به ونعمل من أجل تحقيقه فنحن لسنا مطالبون بتحمل مسئولية مليار ونصف المليار مسلم .

 

هل تعني أن ولاء المسلم لوطنه الأوروبي مقدم على ولائه لوطنه الأصلي أو لدينه الإسلامي؟

لا. الولاء لله ؛ والعقيدة هي الأساس ، فالمسلم إذا استطاع أن يحافظ على عقيدته فجميع الكون أصبح لنا وطناً ،لأن الأرض لله وهذه الحدود من صنيع البشر والمسلم أينما حل وارتحل وتمكن من عبادة الله تعالى دون خوف على عقيدته وديانته فقد أصبح هذا البلد له وطنا ، فالولاء لله فى البداية لكن بالنسبة للوطن الأوروبي فإن ديننا يدعونا إلى الوفاء ،ونحن تزوجنا من الأوروبيين وأصبح لأولادنا أخوال وأعمام منهم وصاهرناهم وأكلنا معهم وشربنا معهم وأصبح هناك اندماج بيننا وبينهم والله تعالى يقول فى كتابه عز وجل:" وإلى عاد أخاهم هوداً .." أى ان الله تعالى أرسل لهؤلاء الإخوة إخوانهم فى البشرية ليتواصل معهم ، فهم يتعرفون على الإسلام من خلالنا فالواجب يملى علينا أن نكون أوفياء لهم ، ولكن ليس على حساب العقيدة ونحن نتمتع هنا بحريات لا نحصل عليها في بلدانا الإسلامية نفسها، ونحن هنا نستطيع أن نرفع أصواتنا ونطالب بحقوقنا والدليل على ذلك في أحداث غزة؛ فالمظاهرات التي خرجت من أوروبا في أحداث غزة أكثر بكثير من التي خرجت في بعض الدول الإسلامية نفسها ،والضغوطات التي مورست من قبل المسلمين من أجل إيقاف الحرب على غزة كانت كبيرة ، ويوميا كانت عشرات المظاهرات في أوروبا للمطالبة بوقف الحرب حتى بلغت حوالي 700 أو 800 مظاهرة فى أوروبا فمساحة الحرية موجودة ونحن نتمتع بها ونريد أن نحافظ عليها ،وما عرف بأحداث مدريد أو لندن نحن نرفضه بشكل قاطع ، فمثل هذه الممارسات لا يحق لمسلم أن يغدر بأناس وثقوا بهم وتفجر وتقتل وهذا غير مقبول .

 

عودة إلى الإسلاموفوبيا ....هناك العديد من الدراسات التي تفيد بأن التمييز الذي يتعرض له المسلمون ليس بسبب الدين وإنما بسبب العرق فهي مشاكل مرتبطة بالمهاجرين في أى مكان ما تعليقكم؟

عموماً هذه النظرية قد تكون صحيحة بعض الشيء ؛ ولكن الواقع غير ذلك، لأنه رغم استقدام العديد من الجنسيات إلا أن هذا التمييز لا يتعرض له سوى المسلمون بما يؤكد أن السبب الرئيسي هو الدين، ومن الملاحظ أن الاضطهاد يُمارس الآن فى أوروبا الغربية وليس فى أوروبا الشرقية ، والسبب ان أوروبا الغربية كانت وحدة ثقافية ودينية متقاربة لكن الحضور الإسلامي أعطى أوروبا شيئاً من التمايز على المستوى الثقافى والفكري والسياسي ، فنجد طرح المسلم على المستوى السياسى يختلف عن طرح غيره من المواطنين ، كذلك الحجاب أصبح ظاهرة ملحوظة ، حتى في الأكل أصبح  أبناؤنا فى المدارس يطالبون بوجبات حلال ،ومنهم من يرفض المشاركة في الرياضة أو السباحة المختلطة فأصبح لهم مطالبهم التى يتميزون بها ويطالبون بالحصول عليها في أي مكان حتى لو كانت حفلة ينتقى فيها المكان الذى لا توجد به الخمور وهكذا ،وهذا يبرر للمسلم أن له خصوصية معينة ، فهناك من قبل بهذه الخصوصية ومنهم من يرفض هذا التنوع، وصمودنا وتحملنا لهذه الأشياء أمر واجب والتعامل معه بشىء من المرونة مطلوب ، فالوجود الإسلامي في أوروبا اقترب من الـ60 عام ، وهناك نوع من الحراك لمواجهة مثل هذه الأشياء، ولعل المحنة تتحول إلى منحة إن استطعنا توظيفها بالشكل المطلوب .

 

في ظل هذه الأوضاع .....هل ترون الأفضل لمسلمي أوروبا أن يشكلوا منبراً موحداً يتحدثون من خلاله أم الأفضل أن ينخرط كل مسلم فى مجتمعه ومؤسساته وبلده ويتعايش بشكل طبيعى؟

هذا لا يلغى ذاك؛ على المستوى الفردي نطالب كل المسلمين بالاندماج فى مجتمعاتهم ونحن لا ندعو للانطواء والعزلة بالإضافة إلى أننا نطالبه بالمحافظة على عقيدته وهويته من خلال كيان ، ونحن لدينا فى أوروبا نظام الجمعيات التي تعمل على الحفاظ على الهوية والإندماج في المجتمع في الوقت نفسه ، فليس هناك تعارض .

 

ماذا عن المؤسسات الرسمية ؛ ماهى طبيعة العلاقة بين مؤسساتكم وأجهزة الدولة المختلفة؟

معظم المؤسسات الإسلامية في أوروبا لها علاقات جيدة بالأجهزة الرسمية في بلادها، وأنا شخصيا اطلعت على هذه العلاقات وقمت بزيارة 30 دولة أوروبية لتقييم أداء مؤسساتنا والحمد لله وجدت أنها تربط بعلاقات متميزة تصل إلى مستوى العلاقة مع رؤساء الدول ، وعلى مستوى البرلمان وعلى مستوى أقل وهو البلدية ، وفي المحافظات وعلاقات على المستوى الديني بالمؤسسات الكنسية وعلى المستوى الثقافى والمستوى الفكري والمعاهد والجامعات ، هذا على الرغم من أن هذه العلاقات لا تقوم بها إلا فئة قليلة ؛ لأنه ينبغي في من يقوم بها أن يكون من الكفاءات المتميزة ، ونطمح أن يعمم ذلك ويصبح على مستوى أوسع ويتم استدعاء رجال الدين للمناسبات الإجتماعية والمسئولون فى هذه الدول متحمسون إلى هذه العلاقة التى تساهم فى التقليل من سوء التفاهم الموجود بين الإسلام والغرب عموماً .

 

هذا يدفعنا للسؤال عن مشاركة المسلمين في المجالس النيابية والبلدية ، كيف ترونه؟

بالنسبة للمشاركة هي موجودة الآن رغم أنها جاءت متأخرة بعض الشىء لأن عدد المسلمين فى البرلمانات الأوروبية محدود ولكن هي بداية طيبة الآن وأرى أنها في الاتجاه الصحيح ،ففى الفترات السابقة كان السؤال مطروحاً بين المسلمين عموماً والصوت المسلم هذا لم يكن واصل بالشكل المطلوب بحيث أنه كان هناك سؤال مطروح على مؤسساتنا الإسلامية: هل المشاركة في برلمانات فى بلدان لا تدين بالاسلام هل هذا جائز شرعا أم لا ؟ ورغم أن هذه الجزئية أخذت منا وقت ومجهود إلا أن قناعة الأغلبية أنها مشاركات إيجابية ليس عليها اعتراض شرعى وهذا الأمر أخذ منا حوالي عشر سنوات إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن والأمر نفسه تكرر فى المجالس البلدية والمحافظات، خدمة الإسلام والمسلمين تتم عن طريق البلديات والمحافظات والحضور الاسلامى هنا حضور رمزى ولكنه نواة لوجود الرأى الآخر الذى سيطرح وسيدافع ويستطيع أن يشكل نوعا من اللوبيات داخل البرلمان نفسه .

 

أعلنتم عام 2009 عام الأسرة المسلمة في أوروبا. لماذا اخترتم هذا الشعار؟ وماهى أهداف الحملة؟ وماذا حققتم منها حتى الآن؟

نحن مقتنعون بأن المسلمين لن يكتب لهم الاستقرار إلا من خلال استقرار الأسرة ولاحظنا أن الأسر المسلمة بدأ يتسلل إليها ما يعانيه غيرها من الدول غير الإسلامية بسبب الاحتكاك بينهما ونحن حاولنا من خلال هذه المبادرة تثبيت هذا الكيان ودعمه والمحافظة عليه حتى تتمكن من المحافظة على رسالتها مع الأجيال القادمة فمجال عملها واسع جداً مع الأطفال والشباب والبنات وكبار السن والنساء والرجال فى المجال الشرعى ومجال الفتوى وشارك فيه العديد من المؤسسات وطالبنا كل المساجد بالتدخل بنشاطاتها ليجتمعوا فى النهاية مكونين 10 آلاف منشط وهذه الحملة ليست نواتها فقط كانت عام 2009 ولكن ما يميز هذا العام هو انطلاق الحملة المنظمة في هذا العام ونسعى إلى إنشاء مؤسسة تحت مسمى المركز الأوروبي للأسرة المسلمة، وهذا المركز سيضم فى عضويته 30 شخصية تمثل مختلف التخصصات التي تحتاج إليها الأسرة المسلمة في كل المجالات ومختلف التخصصات وهذه المؤسسة ستتولى متابعة الحملة لتحقيق أهدافها ونحن في هذه الفترة بصدد إعداد تقرير لتقييم أداء الحملة هذا العام بالاضافة إلى اختيار لجنة مسئولة عن تعيين الـ30 عضواً السابق الإشارة لهم، وهذه الحملة شارك فيه العديد من المؤسسات في أوروبا.

 

فى بداية تولى الرئيس الامريكى أوباما برئاسة أمريكا قمتم بتهنئته وأعربتم عن أملكم فى تصحيح الكثير من الأفكار تجاه قضايا الشرق الأوسط ، هل بعد انقضاء هذه الفترة على تولى الرئيس أوباما تلحظ تغييراً فى السياسات الأمريكية ؟

نحن عايشنا حقبة بوش الأب والإبن وكان عهدهما طامة كبرى ليس على المسلمين فقط بل على الإنسانية جمعاء، وسيأتي يوم وسيكتب التاريخ ما اقترفه هؤلاء في حق الإنسانية وبحق المسلمين، ومجيء أوباما كان متنفساً بالنسبة لنا، وسياسة بوش كانت تؤثر سلباً حتى على عملنا ومؤسساتنا فى أوروبا؛ فكان الارتباط وثيقاً جداً، وبعض الدول الأوروبية خضعت للسياسات الأمريكية، واختطف بعض الناس وسلموا هنا وهناك وكنا نتعرض للكثير من المضايقات، وأحياناً كنا نتهم بدعم الإرهاب فى حالة التحرك فى الأمور المادية ، حقبة بوش الابن كانت مرحلة صعبة بالنسبة للعمل الإسلامي في أوروبا، وأوباما حمل شعار التغيير، وكانت له مواقف إيجابية فيما يتعلق بالشرق الأوسط والعراق؛ فكنا نتوسم فيه "الخير"، وبعد مرور عام لم نلمس هذا التغيير المطلوب لسببين: أوباما كان لابد أن يحصل على الدعم من حكومات الدول العربية والإسلامية ونحن لا ننتظر من رئيس أمريكى أن يقف بمفرده فى وجه رئيس الكيان الصهيوني، والذي نراه الآن أن أوباما يحاول، ولكن الذي يقدمه الآن مجرد شعارات لم يتم ترجمتها إلى واقع ملموس، أضف أن اللوبيات اليهودية في أمريكا كلها لوبيات قوية واللوبى الإسلامي لا يرقى لمستواها، والضغط العربي والإسلامي لا يرقى إلى المطلوب فى حين أن الضغط الصهيوني لازال فاعلاً، وأكبر دليل لقاء باراك مع ناتنياهو ومواقف أبو مازن فيما يتعلق بحرب غزة وتقرير جولدستون؛ فنجد أن التوازن مختلف بعض الشىء؛ فنحن لا نتوقع من أوباما أن يعيد حقوق المسلمين منفرداً إن لم يتحرك المسلمون أنفسهم لاستعادة حقوقهم  للضغط على المؤسسة الأمريكية لتتبنى مواقف أكثر إيجابية لذلك نحن لا نستطيع أن نطالب أوباما بتغيير الأوضاع، والكل يعترف أن الواقع الأمريكى غير مهيأ بشكل واضح ليخوض حرباً ضد باسم العرب والمسلمين لمواجهة الآلة العسكرية الصهيونية، وبالأخص أن الدولة الصهيونية تعتبر محمية، وحتى التغيير الذى طرأ على مستوى السياسة الأوروبية والأمريكية فى الفترة الأخيرة فيما يتعلق بأوضاع غزة والشرق الأوسط ككل هو انفتاح ليس من أجل وضع حد لهذه الأزمة وإنما التخفيف من آثارها على المستوى الإقتصادى لأن الولايات المتحدة الأمريكية خسرت الكثير فى المعارك التى خاضها بوش وإن استمرت فى خوضها لهذه المعارك الخارجية بهذا الشكل فإن اقتصادها ليس فقط سيتدهور بل سينهار؛ لأنه من المستحيل أن تخوض حروبا بهذه القوة وتحافظ علي سيطرتها على العالم كله من خلال الحل العسكري بل تحتاج إلى وسائل أخري وأوباما أذكى من بوش  لأنه يريد أن يكون الدور الأمريكي فى العالم ليس دور الشرطى بل يأمل أن يكون دوره دور الموجه والمرشد للتغيير من صورة أمريكا وهو نشيط في هذا المجال. وهناك لقاءات عديدة تتم سواء على مستوى أوروبا أو علي مستوى العالم الإسلامى ونحن نتحدث عن أوروبا فى برامج داخل أمريكا بشكل واضح ، وأوباما تناول بشكل واضح قضية منع الحجاب فى فرنسا ليتقرب إلى العالم الإسلامي، ونحن باسم مسلمي أوروبا نعترف أن السياسة الأمريكية تخدمنا على الساحة الأوروبية لأن للولايات المتحدة دورا رئيسيا في توجيه القرار السياسي الأوروبي، وكلما تبنت السياسة الأمريكية نهجاً معتدلاً فى التعامل مع الملف الاسلامي كلما كان ذلك يخدمنا، وهذا لمسناه بعد انتهاء حقبة بوش، ولم نكن نستدعى فى السابق لمثل هذه اللقاءات، ومن الدراسات التي حصلنا على نسخة منها أنه كانت توجد معاهد تنتقد اوروبا لتعاملها مع مسلمين معتدلين وكانوا يعتبرنه يمثل خطراً ويحذرون أوروبا من التعامل معنا لاحظنا أن هذا التحذير أعطى بعض الثمار، إلا أن الأمر تغير في عهد أوباما، وإن كنا نرى أن فى ذلك صعوبة فى حالة عدم وجود دعم من أوباما للمنظمات الأوروبية .

 

ما هي أولوياتكم للتخطيط لمستقبل أوروبا ومواجهة التحديات التي تواجهكم في القارة العجوز؟

أهم هدف عندنا هو تثبيت الحضور الإسلامي على المستوى الفكرى والمؤسسى وعلى كل المستويات ليصبح الحضور الإسلامي حضورا طبيعيا عاديا لا ينظر فيه إلى المسلمين على أنهم فئة مهاجرة. ونسعى فى خدمة هذا المشروع لتجميع المسلمين بشكل عام ليبقى المستهدف هم فئة الشباب لأن الشباب هم الذين سيؤول إليهم كل ما أنشأناه ، فيجب أن يكون هؤلاء بحجم المسؤولية التي ستلقى على عاتقهم فبعد غياب الجيل الأول سيأتي الجيل الثاني الذي يجب أن يكون فاهما لدينه ملتزما بعباداته وشعائره وفاهماً لواقعه بجميع أبعاده على المستوى المحلي و الأوروبي والعام نريد أن يكون لدينا جيل من المسلمين الذين يتحملون أعباء هذا العمل وبالتالي يعتبر من أولى أولوياتنا هو العمل فى صفوف الشباب وكل الأشياء الأخرى كالعمل الثقافي والرياضى والتربوي بين مستوى شرائح المسلمين، وتصبح هذه آليات العمل والهدف الأكبر أن يتحول الإسلام إلى أحد المكونات الطبيعية للمجتمع الأوروبي، وكل هذه التحركات الموجودة الآن (ضد الإسلام) والمتمثلة في الرسوم الكاريكاتورية وقضية منع الحجاب ومنع المآذن كلها قضايا تبين تحاول أن تقصى المسلمين وتضعهم فى الزاوية الضيقة وتحاول أن تبين لمكونات المجتمع أن وجود هؤلاء ليس أمرا طبيعيا وإنما هم فئة مهاجرة وسيبقون مهاجرين مهما تتابعت أجيالهم، ونحن نريد أن نعمل في الاتجاه الآخر وبثبت تواجدنا .

والتحديات التي تواجهنا (كثيرة) وأكبر تحدى هو التحدي المادي؛ فثمة قوانين كثيرة تحكمنا فمثلا أن تنشأ جمعية ليس بالسهولة التي نتصورها ، فقوانين البلد تسمح لأي شخص أن ينشيء جمعية لكن أن يكون له مقر ويقوم بمناشط هنا يبرز التحدي القانوني، وهذا ليس بالسهل تأمينه على مستوى أوروبا فهو يتطلب أن يكون لدينا حضور على مستوى المساجد ليس فقط جمعيات ومراكز حتى يكون الحضور الإسلامي حضوراً رسمياً ، هذا أيضاً من التحديات التي تواجهنا.

أيضا قلة الكفاءات، فنحن لدينا كفاءات لا بأس بها من حيث النوع ، لكن من حيث الكم هي لا تفي بالمطلوب بسبب كبر حجم الساحة  وتزايد أعداد المسلمين فنحن بحاجة إلى مئات الآلاف من المتفرغين للعمل ، والتفريغ ليس عملية سهلة ، فنحن بحاجة إلى  مالا يقل عن 4 آلاف يورو شهرياً ليعيش في مستوى متوسط ، وبالتالي ليست كل الجمعيات لديها إمكانية توظيف ، لذلك نحن نعتمد على التطوع فهناك ضغط كبير على العاملين في الحقل الإسلامي ، فهم يبذلون جهوداً ضخمة ومن خلال لقاءاتنا مع مؤسسات مشابهة ، وبمقارنة أنشطتنا وإمكاناتنا بهم وجدنا أننا نقوم بأضعاف العمل بإمكانات لا تصل 1% مما لديهم ، وأنا أرى أن قدرة الله النافذة هي التي تحرك ، فنحن نخطط والله يدبر وتدبير الله فوق تخطيط البشر ومثل هذه التحديات لا نقول فيها إلا " لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم " ، فالله لطيف وخبير وقدير وفعال لما يريد .