المورسكيون الجدد
11 ذو الحجه 1430
عبد الباقي خليفة

ليس هناك وضع سئ يمكن أن يشبه به الوضع الفلسطيني، ولا سيما في قطاع غزة، في الذكرى السنوية ليوم التضامن مع الشعب الفلسطيني ( 28 نوفمبر من كل عام )، حيث أنه الأسوأ على الإطلاق. بينما يمكن أن نطلق على ما يجري داخل الخط الأخضر، ما ينبغي وصفه بأنه أشبه ما يكون بوضع المرسكيين في الأندلس، ويمكن بدون أي تردد وصف الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بأنهم "المركسيون الجدد ".

 

وقد يجد جميع سكان فلسطين بما في ذلك الضفة الغربية وغزة أنفسهم في نفس هذا الوضع، بعد أن كشفت أمريكا والاتحاد الأوروبي الأقنعة عن وجهيهما الحقيقي من خلال رفض إعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، في تماهي واضح مع رفض الكيان الصهيوني، ومحبطين في الوقت ذاته مساعي اللجوء إلى مجلس الأمن للحصول على حق اعلان الدولة الفلسطينية على حدود 1967 م.

 

وفي الوقت الذي حققت فيه جميع حركات التحرر من أقاصي آسيا وحتى أدغال افريقيا، ومن أميركا اللاتينية وحتى أوربا الشرقية، أماني الاستقلال. تظل قضايا مثل كشمير، والشيشان، وتركستان، وفلسطين بدون حل. بل إن الاتحاد الأوروبي لم تكفه على ما يبدو 60 سنة من الاحتلال والاضطهاد والمعاناة التي لا يزال يتجرعها الشعب الفلسطيني ليرد على مطلب الاستقلال بالقول إنه " من السابق لأوانه طلب الاعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد ". كما عبرعن ذلك وزير خارجية السويد، كارل بيلد، الذي تترأس بلاده الاتحاد الاوروبي. وكان الموقف الأميركي كعادته منحازا للكيان الصهيوني، عندما ربط الاعتراف بدولة فلسطينية بموافقة الكيان " أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي المفاوضات بين الطرفين " رغم رفض الكيان الصهيوني وقف بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة سنة 1967م، ورفض تقسيم القدس والاستمرار في تقويض المسجد الأقصى من خلال الحفريات. بل أن وفدا من الكنغرس زار فلسطين المحتلة في منتصف نوفمبر، أكد على أن واشنطن ستستخدم حق النقض، الفيتو، في مجلس الأمن ضد أي اعلان فلسطيني للدولة في مجلس الأمن. ووصف السيناتور " الديمقراطي " تيد كوفمان، المبادرة الفلسطينية بأنها " مضيعة للوقت " وأن اعلان الدولة الفلسطينية " سيكتب له الموت لحظة وصوله " أما السيناتور اليهودي جوزيف ليبرمان فقد أكد على أن أي اعلان " منفرد هو الشئ الوحيد الذين لن يحرك عملية السلام.. آمل وأفترض أن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض ضد مثل هذا الاجراء إذا حول إلى مجلس الأمن " ولم تتأخر فرنسا أحد أكبر المنافقين الدوليين في الانضمام لهذا الحلف، الرافض حتى لما يزعمون أنهم يقبلون به وهو إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 م. وبدا ذلك في تصريحات المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنارد فاليرو الذي ذكر بأن بلاده تعكف على اجراء ما وصفها بالمناقشات العميقة مع شركائها في الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بهذا الشأن، محذرا السلطة الفلسطينية ( المقبولة لديهم ) من أي اجراء آحادي ناصحا إياها بما وصفه " توخي الحذر ".. ودعك من التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير التي ذكر فيها أن الكيان الصهيوني " لم يهتم بالسلام " وأن " الرغبة اختفت تماما والناس لم تعد تؤمن بها ".. كل هذا التداعي على الحق الفلسطيني من قبل الغرب، هو صدى لما قاله رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، من أن " أي اعلان لقيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد سيعد خرقا للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين " وهدد باتخاذ اجراءات مضادة قد تشمل ضم المزيد من أراضي الضفة الغربية المحتلة.

لقد مر على احتلال فلسطين 61 سنة، ويبدو أنها غير كافية للغرب ليعترف بحق فلسطين في تقرير المصير، بينما قضايا أخرى كتيمور الشرقية مثلا لم تأخذ سوى سنتين فقط ؟!!!

 

لقد كان الرفض الصهيوني المدعوم أوروبيا وأمريكيا صفعة لمعسكر، الاعتدال العربي، وصفعة لمحمود عباس الذي فقد جميع فرص المناورة، بعد أن وصلت المفاوضات العبثية إلى طريق مسدود مع الاحتلال الصهيوني باعترافه. وأنه لم يترك أمامه خيارا سوى التقدم لمجلس الأمن بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. وقد سمع محمود عباس الرد الغربي فما هو فاعل ؟! وما قيمة دعم معسكر الاعتدال للمبادرة الفلسطينية الداعية لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بعد رفض واشنطن وبروكسل للمبادرة مما يؤكد على وجود مؤامرة على القضية الفلسطينية بتصفيتها من خلال الانقسام، وتقسيم الفلسطينيين بين راديكاليين ( حماس ) ومعتدلين ( عباس ) للعب على وتر الخلافات، وتضييع الوقت في مفاوضات عبثية لا طائل من ورائها.

 

إن الموقف الغربي، والصمت العربي على إفشال المبادرة الفلسطينية، يؤكد صحة توجهات حماس والجهاد الاسلامي، وفصائل المقاومة الأخرى، وهو ما عبر عنه خالد مشعل " الفكرة التي اقترحتها السلطة الفلسطينية غير مجدية طالما أنها مستمرة في العمل ضد المقاومة والتعاون مع العدو عندما يتعلق الأمر بالأمن ".

 

ولا بد من التأكيد أيضا على إن أي انتقادات غربية للكيان الصهيوني لن تغير الوضع على الأرض طالما لم يتخذ موقف دولي حازم مدفوع بواقع المقاومة على الأرض، وبتضحيات الشعب الفلسطيني. إذ أن المفاوضات لم تحقق أي شئ للشعب الفلسطيني، وسط استمرار الكيان الصهيوني في بناء المستوطنات، ومنها 900 وحدة استيطانية جديدة شرقي القدس. ولم تتخذ واشنطن أي اجراء ضد الكيان الصهيوني، فضلا عن تحرك الأمم المتحدة، ومجلس الأمن  في هذا الاتجاه. فعندما ظهر الجد، كشر الغرب عن أنيابه لمحمود عباس، ولمعسكر ( السلام العربي ). وإذا كان الغرب يرفض المقاومة، وفي نفس الوقت يرفض إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 م، فما الحل الذي يراه مناسبا للقضية الفلسطينية ؟

 

إن المواقف الأخيرة للدول الغربية تؤكد على أنها متواطئة مع الكيان الصهيوني، وأنها تريد تصفية القضية دون أن يحقق الفلسطينيون أي من أهدافهم بما في ذلك دولة على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية. بل إن الدولة التي يرونها في حالة وجود نية لاقامة دولة فلسطينية، هي دولة الجزر المعزولة والمنزوعة السلاح، وربما بدون القدس فضلا عن ( إلغاء ) عودة المهجرين. وحتى هذه الدولة وكما يبدو أيضا مجرد رسم على الماء، ونفخ في الهواء لإلهاء عباس ومعسكر السلام العربي. هذا إن لم يكن جميع هؤلاء شركاء في المؤامرة الكبرى. وإلا بماذا نفسر هذا الدوران في حلقة مفرغة، وطحن الماء، وحتى الهواء، منذ اتفاقية كامب ديفيد وحتى اليوم.

 

إن رفض الغرب الاعلان عن دولة فلسطينية عبر مجلس الأمن التابع للامم المتحدة، على طريقة اعلان دولة الكيان الصهيوني في نهاية أربعينات القرن الماضي يؤكد على وجود نية مبيتة لتصفية القضية واستمرار ما يسمى بالمفاوضات الملهاة إلى ما لا نهاية. وأن يتعايش المسلمون عربا وغيرهم مع ذلك، شاؤوا أم أبوا. في حين يواصل الكيان الصهيوني بناء المستوطنات بعد موافقة حكومة نتنياهو على ذلك كما لو أنها أرض بدون شعب، وهناك نية لاقامة 4 آلاف وحدة أخرى في القدس الشرقية. وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هذه الحقيقة إذ كشفت عن تغيير في الموقف الاميركي الذي عبر عنه الرئيس باراك أوباما في بداية ولايته وهو وقف الاستيطان " الاستيطان يجب أن لا يعوق استئناف المفاوضات ". أي يجب استمرار المفاوضات العبثية، بينما يقوم الكيان الصهيوني بتغييرالحقائق على الأرض، ويفرض الأمر الواقع الذي لا يمكن تغييره بعد فترة طويلة ، حيث يمنع الفلسطينيون من دخول الأراضي المحتلة سنة 1948 م بل يمنع الفلسطينيون الذين يحملون جنسيات أجنبية من دخول أراضيهم المحتلة. وينشئ الكيان الصهيوني مدينة أخرى تحت القدس لتنسجم مع المعتقدات اليهودية، مع الاستمرار في تغيير ملامح المدينة معماريا وديمغرافيا، وهو ما أشار إليه مديرة دائرة الخرائط في " جمعية الدراسات العربية " في القدس خليل تفكجي فالكيان الصهيوني " خلق واقعا سياسيا وديمغرافيا جديدا في مدينة القدس على حساب الجغرافيا الفلسطينية من خلال مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وهدم البيوت ورفض منح تراخيص البناء للسكان العرب " وأن " هذا الواقع أدى إلى حدوث انتهاكات بحق الأرض والشعب الفلسطيني، وإلى احداث خلل ديمغرافي " ولا شك من يعمل على هكذا تغييرات هيكلية ليست له النية البتة في ما يوصف بالسلام. لا سيما وأن التغيرات التي أحدثها الكيان الصهيوني قلصت الوجود الديمغرافي الفلسطيني فلم يبق من الفلسطينيين في البلدة القديمة أكثر من 12 في المائة من المجموع العام للسكان. ومنذ 1967 وحتى هذا العام 2009 م سحب الكيان الصهيوني ما يزيد عن 10 آلاف هوية من عائلات فلسطينية، إلى جانب هدم 876 منزلا منذ 1994 م وحتى منتصف هذا العام 2009 م وطرد سكانها خارج حدود المدينة حيث أصبحوا بدون مأوى. فعن أي مفاوضات وعن أي سلام يتحدثون ؟!

إنها المفاوضات الملهاة والسلام الملهاة منذ ما يزيد عن 60 سنة.

 

ولا شك فإن الأهداف الصهيونية النهائية ترمي للسيطرة على القدس والمسجد الأقصى وهدمه وإقامة هيكل سليمان بزعمهم، وما الاقتحامات المتكررة سوى تمهيد لذلك. مما يستدعي التداعي لنجدة المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، بكل ما يمكن تقديمه وعلى كافة المستويات، فمعركة الأمة بأسرها قد اقترب أوانها واستعر أوارها. فالمعركة في عنوانها الكبير صراع وجود وليس صراع حدود، وهي معركة مفروضة علينا بمواصفاتها تلك ولم نخترها، فالعدو للأسف هو من يبادر في هذا الاتجاه. وهناك كما رأينا تحالف بين أمريكا وأوربا مع الكيان الصهيوني وتواطئ واضح، وتعتبر أضحوكة المفاوضات وسراب السلام جزء لا يتجزأ منه.

 وضحايا الحصار في غزة تجاوزوا 355 ضحية إضافة لأكثر من 1400 شهيد و6 آلاف جريح في العدوان الماضي.ولا تزال التقارير تتحدث عن استعدادات صهيونية لحرب جديدة في غزة.

 

لذلك نحمل الحكومات الاسلامية عربية وغيرها مسؤولية ما يجري في فلسطين. فالأمة والتاريخ والأجيال لن ترحمهم.وندعو البرلمانات في البلاد الاسلامية للتحرك على المستوى العالمي للتعريف بمظلمة العصر وكذلك الاحزاب السياسية ووسائل الاعلام بمختلف اللغات.

 

ولعل مسيرة عالمية نصرة لغزة تنطلق في بداية العام الميلادي الجديد، تكون بداية لتسلم الأمة قضية فلسطين من المتواطئين، والسذج والعاطلين، ومن يشعرون بأن لا حول ولا قوة لهم. فلا بد من الاستعداد في جميع أرجاء العالم لاحياء محرقة غزة بداية من 27 ديسمبر القادم وحتى يوم 3 يناير 2010 م. وجميع المسيرات تنطلق نحو السفارات الغربية لايقاظ الراي العام العالمي. ولا عذر لمن يراقب ولا يشارك ولا يساهم ولو بالقليل، في أكبر تحدي نضالي منذ 1948 م يهدف لرفع الحصار الذي وصفه رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية بحق في رسالته، لبان كي مون، بأنه " جرائم ضد الانسانية " وتشارك الميآت من المنظمات الاسلامية والعالمية في هذه التظاهرة الكبرى.