الرسائل المفخخة
12 ذو الحجه 1430
د. محمد يحيى
تلقيت منذ أيام رسالة على البريد الإلكتروني تحمل عنوان خبر خطير جدًا، وعندما فتحتها وجدتها تعلن حسب ما جاء في نصها أن ما أسمته الفيلم الإباحي حول الرسول الأكرم قد ظهر في الدنمرك وأن المسلمون مطالبون باتخاذ رد فعل مضاد له، ويتمثل رد الفعل هذا في تجديد الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الدنمركية، وعندما قرأت هذه الرسالة ثارت في نفسي عدة تساؤلات أو بالأصح شكوك وريب.
فالرسالة تتحدث عما تسميه بالفيلم الإباحي بلهجة قاطعة وباستخدام أداة التعريف كما لو أن هذا الفيلم هو أمر معروف ومشهور للكافة في أرجاء العالم وإنما الرسالة تعلن عن وصول هذا الأمر المعروف سلفًا، ولما كنت أتابع كل ما يدور في الساحة الأوروبية وبالذات فيما يتعلق بالإسلام فإنني لم أجد على قدر معلوماتي أي شيء يتعلق بهذا الفيلم المزعوم، وفي نفس الوقت فإن الرسالة اكتفت كرد فعل على هذا العمل الخطير والمذهل في إجرامه ووقاحته وتخطيه لكل الحدود؛ لم تدعو إلى إجراء أبعد من تجديد الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الدنمركية باعتبار أن هذا الفيلم الذي تشير إليه قد ظهر هناك، وبالطبع فإن الرسالة تعتمد على سمعة الدنمرك السيئة في هذا المجال لأنها هي قبل كل شيء البلد الذي بدأ فيه ظهور سلسلة ما عرف باسم الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام منذ حوالي العام أو أكثر، وعلى الرغم من أن الرسالة قد وجهت إلي كما هو واضح منها ضمن ما وجهت إلى مجموعات كبيرة من القراء أو الذين يدخلون ضمن روابط أو مجموعة تابعة للشخص الذي أرسلها وهو صديق أعرفه منذ فترة إلا أنها استمرت تثير في شكوكًا غامضة.
وفجأة تبين لي وجه الحقيقة، ففي نفس اليوم الذي وصلت فيه هذه الرسالة أو قبله بيوم واحد كانت هناك المحاولة الخطيرة التي قام بها الاحتلال الصهيوني للقدس بإدخال مجموعة ممن وصفوا بالمتطرفين اليهود، وهم في الحقيقة من أبناء هذا الكيان الغاصب المخلصين مدفوعين بحماية جنود الاحتلال وزبانيته لكي يعيثوا فسادًا في المسجد الأقصى ويحاولوا الاستيلاء على ركن منه وهدمه لإقامة مبنى لهم يقيمون فيه شعائر مزعومة تارة توصف تحت اسم مراسم إعادة بناء الهيكل وتارة توصف بأنها محاولة لإجراء مراسم عيد العرش كما يطلق عليه، وهنا طرأ على ذهني خاطر أعترف بأنه كان مدفوعًا بنوع من سوء الظن الذي هو في كثير من الأحوال يعتبر من حسن الفطن، فهل لهذه الرسالة التي جاءت بهذه الصورة المجهلة والغريبة والتي تحمل عنوانًا لافتًا للأنظار والتي تحاول إثارة قضية أثيرت من قبل وبصورة انفعالية أقول هل لهذه الرسالة علاقة ما بما حدث في يوم وصولها أو قبله بيوم من هذه المحاولة الجديدة والخطيرة هذه المرة للاعتداء على المسجد الأقصى أي هل هناك محاولة ربما حدثت بعمد وسوء نية أو حتى بحسن نية لإبعاد الأنظار عن ما كان يحدث وقتها في المسجد الأقصى من اعتداء على المصلين ومحاولة للاستيلاء على أجزاء منه، وبين هذه الرسالة التي بعدت الأنظار تمامًا وربما لثلاثة أو أربعة آلاف كيلو متر لا أدري إلى اتجاه الشمال الغربي لتعيد شغل الناس بقضية قديمة متجددة وهي قضية الإساءات إلى شخص الرسول عليه الصلاة والسلام من جانب حفنة من المجانين والمتعصبين الأوروبيين الذين أعمتهم العنصرية والصليبية عن أي اعتبار إنساني.
إن هذا التوقيت مع الصورة المجهلة والغريبة والغامضة التي جاءت بها هذه الرسالة، أثارت في نفسي على الفور ترجيح احتمال أن تكون قد أرسلت من جهة غير معلومة ثم تداولتها الأيدي الغيورة بعد ذلك بحسن نية لكي تنشرها كما تعودت أن تفعل في كل مرة تحدث فيها إساءة إلى الرسول أو صورته في الإعلام الغربي، وهي تفعل ذلك دفاعًا عن الدين وغيرة عليه بينما الأمر في الواقع هو خطة مقصود بها إبعاد الأنظار عن ما يحدث في المسجد الأقصى وهو خطير بكل المعايير.
ولا يعني هذا التقليل من خطورة هذه الإساءة الأخيرة إلى شخص الرسول لو حدثت كما لا يعني التقليل من الإساءات الأخرى التي تحدث، ولكن لابد أن يكون هناك في الأمر نوع من أنواع التدبر والحذر في ما ينشر عن مثل هذه الإساءات، فلابد أولاً من التأكد مما إذا كانت حقيقية أو مفتعلة ولابد من التأكد من حقيقة حجمها ووضعها ومصدرها ومدى خطورتها أو تأثيرها في الوسط التي ظهرت فيه قبل الإسراع بإثارة ضجة حولها، ولابد كما في هذه الحالة أن نتبين عما إذا كانت هذه الإساءات تخرج في توقيتات معينة بالذات لكي تبعد الأنظار عما يحدث للمسلمين في أماكن هنا وهناك لاسيما إذا عرفنا أنه في الوقت الذي كانت فيه الإساءات تخرج من الدنمرك وغيرها في توقيتات متقاربة كانت هناك تمر بالعالم الإسلامي في أفغانستان وفي العراق وقبل كل شيء في فلسطين وحولها في لبنان وكذلك في نيجيريا وغيرها أحداث خطيرة تضيع فيها عشرات ومئات بل آلاف الأرواح من أرواح المسلمين ويسقط فيها آلاف الجرحى وتدمر فيها ممتلكات وتغتصب فيها أراض، وتنهار فيها أوضاع إسلامية قائمة لعل أبرزها في الفترة الأخيرة كان ما حدث في تركستان الشرقية التي تحتلها الصين.
ولعل في هذه الإشارات البسيطة ما قد يغري أو يؤدي إلى التثبت من حقيقة هذه الإساءات التي نجدها فجأة تطل علينا ونجد نوبات من الغيرة المحمودة تطالها، ولابد من التأكد ما إذا كانت حقيقية أم لا وقبل كل شيء ما إذا كانت تهدف إلى ابعاد النظر عن تطورات خطيرة أخرى فعلاً تحدث في أماكن بعيدة على أيدي الصهيونية وأتباعها أوعلى أيدي الصليبية الغربية.