لماذا لم نكتب عن تونس.. ماذا نكتب عن تونس ؟
13 ذو الحجه 1430
عبد الباقي خليفة
لماذا لم ( نكتب ) عن تونس طوال هذه الفترة، أو بالأحرى ماذا علينا أن نكتب عن تونس ؟ ما الجديد الذي حدث في تونس غير التكرار الذي يكرر نفسه، حتى أصبح باليا كالحبل على الجرار من كثرة التكرار. نكتب عن الانتخابات التي كانت مهزلة ومسرحية مكشوفة. أم نكتب عن ذكرى 7 نوفمبر البائسة والتعيسة، والتي ستسجل في التاريخ كأسوأ حقبة مرت بها بلادنا في عمرها المديد.
نكتب عن المؤسسات التي كانت فاعلة نسبيا في العهد البورقيبي، فأضحت شعبا دستورية في عهد ( التغيير ) والذي كان للأسوأ وعلى كل المستويات. عهد اتسم بالكذب كما لو أنه تجسد في شخوص لا تتوانى في تدنيس كل شئ، الدين، والديمقراطية، وحقوق الانسان، وحرية الصحافة، والحريات العامة، وكل ما هو مقدس بأبعاده الروحية والبشرية.
عن ماذا نكتب ؟ عن الصحافيين الذين يتعرضون للابادة المهنية وتدنيس آدميتهم مثل الزواري، بوخذير، وبريك، ومخلوف، وغيرهم. عن الاعتداء الذي تعرض له سليم بوخذير، ونكرر ما قيل عن اختطافه وتعرضه للضرب أكثر من مرة من قبل مافيا العصابة الحاكمة أو بالتعبير المصري " صبيان بن علي " أو بالتعبير التونسي " أوباندية بن علي "، وفي نفس الوقت يدنس نظام 7 نوفمبر القيم بالكذب، وبالزعم بأنه يراعيها، ويحميها، ويدافع عنها، ويتبناها، ويطبقها. وفي نفس الاطار يؤجر "الصبيان " إمرأة لتتهم توفيق بن بريك، بالاعتداء عليها، لتلفيق تهمة جنائية للناشط السياسي، تبعد شبهة الاضطهاد السياسي الذي يتعرض له الناشطون في تونس، وذلك كرد فعل على المقالات التي كتبها.
هذه الأساليب البالية التي عرفتها جمهوريات شيوعية في أوربا الشرقية سابقا، لا تزال تطبق في تونس اليوم. ومن ذلك ما تعرض له رئيس منظمة حرية وانصاف المحامي محمد النوري، من اعتداء لفظي عن طريق الهاتف. وهو من الشخصيات التي سيكتب التاريخ حروف أسمائها بمداد من ذهب، للدور النضالي الكبير الذي يقوم به مع زملائه. وفي الوقت الذي يتحدث فيه النظام عن برلمان للشباب تكتظ السجون بالشباب، ويقدم العشرات منهم للمحاكم في ظروف تفتقد فيها المحاكمات للشفافية والمهنية والاستقلال، مثل قضية الشبان معز بوسنينة، وصابر الرحيلي، وصابر المستوري وغيرهم. ويتعرض التلميذ أمين البرويل للتعذيب وتستمر مضايقة السجين السياسي السابق حسين الجلاصي،ويتواصل اعتقال فتحي شنغل وأحمد الشايب. وتعتقل المدونة فاطمة الرياحي، ويعاني مساجين الرأي داخل الزنازين والسجون بدون أدوية، وبدون رعاية صحية، وفي ظروف قاسية للغاية، بدون إنارة، وبدون تهوية مع كثرة المدخنين.
ويستمر التعذيب خلف الدعايات، وتمنع ندوة بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي للتضامن مع زهير مخلوف، الذي لا يزال منزله محاصرا، رغم اضراب زوجته عن الطعام. ولم يقتصر عدوان " الصبيان " أو " أوباندية نظام 7 نوفمبر " أو " ارهابيي النظام " على الناشطين بل شمل ذويهم والمقربين منهم، كما هو الحال مع شقيق الناشط السياسي رمزي بن سعيد. وهناك مساجين رأي سابقين مختفين عن الانظار أو خطفوا مثل رمزي القاسمي.
 وفي ظل نظام يزعم أنه يشجع التعليم، يمنع العشرات من التعليم مثل السجين جمال الملاخ. وتستمر الاعتقالات قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها. ومن لم يعتقل أو يتعرض للاعتداء من قبل " أوباندية نظام 7 نوفمبر أو صبيانه " يتعرض للمضايقة والاضطهاد المعنوي كما حصل مع راضية النصراوي. وليس بعيدا عنا ما تعرض له الصحفي لطفي حجي، من مضايقات وتهديد واضطهاد حتى وهو في المطار، عندما قدم من الدوحة، وعندما كان يهم بالسفر إلى لبنان.
 وكل ذلك ( هين ) إلى جانب المكائد التي تؤدي إلى ما وصلت إليه قضية الاستاذ عبدالوهاب معطر حيث قامت إدارة الجباية بالشروع في إجراءات بيع محل سكناه بصورة غير قانونية، بل هي عقوبات سياسية في شكل قضايا عدلية. وهي أساليب عودنا عليها نظام دنس السياسة، والقضاء، والديمقراطية، والحرية، وكل القيم الثقافية والحقوقية المتعارف عليها.
ما الجديد الذي سنقوله، وصرخات التوانسة تسمع في كل مكان.
عن ماذا نكتب ؟ عن حصار منزل المهندس عبدالكريم الهاروني، ومراقبة الناشطين البارزين مثل عبدالله النوري، عشية مسرحية الانتخابات ؟
**
لم ( نكتب ) طوال الفترة السابقة، لأن هناك من طلب منا السكوت لمدة عامين، وسيغير بن علي موقفه منا. صدقنا على طريقة أشعب، والغريق يتعلق بقشة. قلنا لعل فلتة زمانه لديه خبر يقين. وعندما تشرفت بلقاء،الشيخ راشد، قال ضاحكا كعادته " ولماذا سنتين " ؟!!! كانت نبوءة كاذبة.. و" إذا كان الغراب دليل قوم يمر بهم على جيف الكلاب ".
وبعد مرور عامين، يردد البعض ( انجازات ) بن علي.. الحفر تملأ الشوارع.. وضحايا الطرقات يملأون المستشفيات والمقابر.. والكثير من الادوية مفقودة.. ونسب البطالة تزداد يوما بعد يوم.. وتكتظ وسائل النقل بشكل بربري.. وتزداد الجريمة في ظل حكم بن علي.. ويفر الشباب إلى الشمال موتا عبر البحر.. بل يتوجهون للدول المجاورة هربا من الجوع كما حدث مع الجزائر.. ومع ليبيا حدث ولا حرج.. لذلك نقولها بملئ الفم  " ياما جاب الغراب لامه ".
( نجح ) بن علي في انتخابات حدد ساحتها، وموعدها، وقسم الكراسي بالكوتة، وأبعد من الانتخابات من أراد إبعاده من الاسلاميين، واليسار ( حمة الهمامي ) و" الديمقراطيين " ( نجيب الشابي ) واكتفى " بالمقوذة والمتردية، والنطيحة وما أكل السبع " وهو " سبع نوفمبر ". وكان له نحو 90 في المائة (89،62 في المائة ) من الأصوات، مما يعني أن شعبيته نقصت قليلا، رغم كل ( الانجازات )، ولذلك لا نستطيع قول " تهانينا "!!!
ومما يعني أيضا أن الفرز تم ب " المليمتر " فليس هناك أرقام عشرية.. قمة في الاحتراف.
وأثناء إلقاء بن علي لخطاب تجديد اغتصاب السلطة أمام، زريبة الخنازير، المسماة زورا ( برلمان ) كان الجميع يصفق تجمعيين و( معارضة ) ! في تلك اللحظة استحضرت موقفا ديمقراطيا في برلمان ديمقراطي هو برلمان ألمانيا فعندما كانت أنجيلا ميركل، تلقي خطاب القسم بعد تجديد انتخابها بشكل ديمقراطي وبمشاركة الجميع، ودون اقصاء، أووصاية على الدولة والمجتمع، ودون كوتة للمعارضة أو النساء، كان زعيم المعارضة الاشتراكية يتململ في مكانه، ولم تصفق المعارضة، بل طلب زعيم المعارضة الكلمة وتوجه لميركل بأقسى العبارات قائلا لها إنها " تجهل الحل الذي تحتاجه ألمانيا ". لم يكن هناك " صبيان " أو " أوبانديا " وتسييس للقضاء، والشرطة، والاستخبارات، والجيش، كما هو حاصل عندنا.. لم يكن في خطاب بن علي أي جديد سوى وعوده ( للمعارضة ) المدجنة بزيادة " القهوة " وهي تعبير تونسي عن " الفساد " أي رشوة وقهوة السكوت والبصم. وزيادة نسبة النساء في ( مجلس التصفيق ) !!!
المشكلة أن تصفيق النساء سيكون أضعف قوة، ولذلك نقترح تدريب أكف النساء على التصفيق، واجراء التمرينات اللازمة لذلك. ونقول لهن " اخشوشن فإن مجلس التصفيق يحتاج لأكف غليظة، وضمائر غليظة، وذمم للبيع، كما هو الحال في تلك الزريبة.
وكانت خاتمة المسرحية، تجميع رعاع خارج مجلس التصفيق، ليتواصل التصفيق،وليعبروا عن شعبية مفقودة، وعن شرعية مفقودة، ولتعويض أوجه الدعم الخارجي المهزوزة. سواء كانت فرنسا قد تعبت من بن علي كما يبدو، أو أنها تمارس تقية سياسية معروفة، وهو كذلك احتمال ممكن.
ما جرى ويجري في تونس يؤكد بأنه لا انفراج سياسي في الأفق، ولا إطلاق لسراح الدكتور الصادق شورو ولا تعويض لضحايا سياسة القمع، ولا عودة للمحرومين من وظائفهم كالدكتور المنصف بن سالم، وإخوانه، ولا عودة للحياة السياسية الطبيعية، ولا حرية صحافة، ولا حرية تعبير حقيقية، ولا عفو تشريعي عام، ولا امكانية لمنح المواطنين التونسيين بالخارج الحق في جواز السفر.
فخلال العشريتين الماضيتين عزز بن علي نفوذه الاقتصادي عبر صهره وأسرته، ونفوذه السياسي بالتخلص ممن شاركوه الانقلاب، وتقريب القطط الجائعة التي أصبحت اليوم سمينة. وايصال أهل الثقة إلى قيادات الشرطة والجيش والاستخبارات. وهو مطمئن للبقاء في السلطة من خلال تنويع ولاءاته للخارج، وليس هناك حل لمعضلات تونس وسط هذا الظلام. رغم كل التسامح، وكل النوايا الحسنة التي أبدتها المعارضة، ولا سيما الحركة الاسلامية، حتى أن قادتها وكتابها، وصحافتها الالكترونية توقفت عن الكتابة ضد بن علي ونظامه القمعي، وقال بعضهم عنه قبيل الانتخابات ما لم يقله عمار بن ياسر في أصنام قريش، ولكنه فهم الرسالة خطأ، وهي أن " الجماعة تعبوا أو فقدوا الأمل أو انتهوا " أو بتعبير بعضهم اختلفوا !!!
 وربما هناك في تونس وخارجها من يفكر الآن فيما قاله طارق بن زياد لجيشه "البحر من ورائكم والعدو أمامكم...وقول علي عزت لشعبه " ليس لك سوى سيفك وحصانك ".
الآن... أتدرون لماذا لم ( نكتب ) ؟!
 دائرة مفرغة : بن علي يكرر نفسه، ونحن نكرر نقدنا لتكراره نفسه.. لا بد من شئ يكسر الروتين الحاصل...ويجب أن لا ينتظر أحد أن يقوم بذلك غيره.. والتوقف عن ترديد تلك الأغنية البائسة...
" من يجيبلي حبيبي " والتي ألف فيها باحث أميركي كتابا، وصف فيها مجتمع المنشأ بالتواكل  ؟