المصالحة الفلسطينية.. كعب أخيل المقاومة *
9 ذو الحجه 1430
أمير سعيد
الانطباع الذي تتركه كلمتا "مصالحة فلسطينية" لم يعد يواطئ مدلولها الحقيقي لدى بعض الفلسطينيين والعرب ممن لم يبقوا مغترين بوقعها التفاؤلي، بل مندفعين باتجاه النظر إليها كتعبير غربت دلالته في بحر أوهام الاستسلام والخضوع لمنهج الاستسلام ذاته.
فلا المصالحة الفلسطينية حاصلة في ظل غياب الأرضية الصالحة لها، ولا التعبير ذاته بقي رياناً يحمل البشائر للقضية الفلسطينية التي ما انفكت تعالج مشاكلها الداخلية بأكبر مما تفرضه عليها استحقاقات التحرير من الاحتلال الصريح.
مصطلح المصالحة غدا جسراً إلى إلغاء أبجدية المقاومة، وفرضاً لنمطية الانهزام، وتقبلاً لإملاءات الرباعية وخامستها الصهيونية، ولم يعد يحمل على الفأل سواء أتمت المصادقة على بنوده المقترحة أم لم يحدث؛ فحيث لا تحضر المقاومة تبطل المصالحة، ولا يستقيم تلاقي خطين متوازيين ومتعاكسين معاً.
والفصائل الإسلامية والوطنية الشريفة التي تدعى إلى الإدلاء برأيها بشأن اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني سواء قبل أو بعد التعديل مخيرة بين الموافقة على صك بإلغاء المقاومة الفلسطينية، تضمنه نص يتحدث عن إلغاء كافة "الميليشيات" خارج إطار قوى الأمن التي يشرف عليها رئيس السلطة الفلسطينية، طبقاً لهذا البند (قبل التعديل أي قبل إطلاق كلمة الميليشيات على أجنحة الفصائل المقاومة): "يحظر إقامة أي تشكيلات عسكرية خارج إطار الهيكل المقرر لكل جهاز." [اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني صـ7 القاهرة 2009]، وغيره من البنود التي لا تقبل بها تلك الفصائل في أدبياتها، أو التخلي كلياً عن "المصالحة الفلسطينية" بمعناها المتضمن في الاتفاق.
لقد غدت إذن "المصالحة الفلسطينية" كعب أخيل للمقاومة، سواء تم التوقيع عليها أو رفضها، وبالذات لحركة حماس التي حشرت في زاوية التنكر للديمقراطية التي أتت بها إلى الحكومة والمجلس التشريعي، والرغبة في استمرار الانقسام، والعمل لحساب الخارج كما تلمح وسائل إعلام الوسطاء، أو الانتحار قيمياً وأخلاقياً وسياسياً وعسكرياً أيضاً في حال قبلت الانخراط في مشروع المصالحة الآني.
على الحركة أن تتصالح مع غيرها، وتتصارع ساعتئذ مع ذاتها، وتدير ظهرها لأدبياتها ونضالها، وهي مع ذلك لا تضمن صيرورة الاتفاقية حال توقيعها التزاماً لطرفي المصالحة حتى في حدودها الدنيا التي تتمثل في بعض إيجابيات الاتفاقية.
والذي يترجح بين المعقول واللامعقول، والواقعي والسريالي، هو المضي قدماً في مصالحة لا تستند إلى أرضية مشتركة للمتصالحين، وتحفها الاتهامات المتبادلة ما بين الخيانة والاستسلام وعدم الشرعية من جهة، والظلامية والانقلابية والانتحار من جهة أخرى. هذا عن الملاسنات اللفظية، أما لجهة المضمون؛ فهو الخلاف حول المشترك الأساسي بين طرف يعلي من قيمة المقاومة، وآخر يعتبرها تراثاً بائداً وعبثية لا طائل من ورائها.. بين فصائل مقاومة، وميليشيا تسعى إلى تصفيتها بكل ما أوتيت من دعم أمريكي و"إسرائيلي" وعربي.
وإزاء معادلة صفرية، يتعذر الجمع بين الشيء ونقيضه، وتتبعثر أحلام المصالحة بهبوب عاصفة التدابر، ويفتقر المتحاورون إلى طاولة يبسطون عليها أوراقهم المتنافرة، وتبدو الردهة متسعة لحزمة من التناقضات التي لم تتمكن الاتفاقية في كل أطوارها إيجاد حلول ممكنة لها، ومنها قضايا ثلاثة رئيسية:
الأولى: الأمن، وهو القضية الرئيسية في الحقيقة التي فجرت الصراع بين حركتي فتح وحماس، أو بين خط التفاوض إلى الأبد، والمقاومة بألوانها المختلفة، ولاشك ـ عندي على الأقل ـ أن حماس لم تنخرط في العملية السياسية من الأساس، غاضة طرفها عن سقفها الأوسلوي، إلا حينما أدركت أنها بحاجة إلى ترتيب البيت الداخلي قبل العبور خطوات أكثر في طريق المقاومة، بل حينما رأت أنها عاجزة عن الاستمرار في خطها بعد اغتيال أهم وأكبر زعمائها وقيادتها السياسية والعسكرية، وأبرز كوادرها التالية، وحشرها في زاوية الهدنة، ثم الانخراط في العملية السياسية، التي اعتبرتها حماس استراحة محارب يمكنها من التقاط أنفاسها وإعادة بناء كوادرها وتأهيل ساستها، والمحافظة على بنيتها، والتخفيف من ضغط الداخل "الأسلوي" عليها، سواء أكان بكثرة الاعتقالات والضربات الأمنية الإجهاضية التي كان ينفذها جهازا الأمن الوقائي في الضفة (رجوب)، وغزة (دحلان)، أم بكثرة الوشايات ضد عناصرها المطلوبة والمطاردة من قبل "إسرائيل"، والتي تعذر على الحركة ملاحقة عملاء الكيان الصهيوني حينها لأن قسماً منهم ببساطة كانوا من داخل الأجهزة الأمنية "الشرعية"، ومن ثَم، وجدت حماس نفسها بحاجة إلى غطاء شرعي، وتولي أمر الأجهزة الأمنية بذاتها، أو على الأقل تعويقها عن تنفيذ سياسة "تجفيف المنابع" التي كانت تتبعها السلطة الفلسطينية بدءًا من إغلاق الجمعيات الخيرية إلى كشف الملاحقين "إسرائيلياً" وتسليمهم (كما حدث في حادثة تسليم خلية صوريف)، وإذ نجحت في انتخابات المجلس التشريعي في 25/1/2006، عملت على إعادة ترتيب وضع الأجهزة الأمنية بما يتيح لحماس قدراً معقولاً من التمثيل بها في ظل هيمنة من الدايتونيين (حلفاء وأتباع الجنرال الأمريكي دايتون المسؤول عن تدريب الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية) على تلك الأجهزة، وحيث إنها عجزت عن تحقيق ذلك بشكل نظامي، شكل وزير الداخلية "القوة التنفيذية" لتحقيق توازن أمني مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، ما أدى إلى الرد السلطوي ـ عبر ميليشات غير نظامية ـ بإحداث ما سُمي بالفلتان الأمني، وهو ما استدعى الحسم العسكري لحركة حماس، والذي نفذته كتائب القسام في 14/06/2007 بالسيطرة على جميع مقار أجهزة أمن فتح ومربعاتها الأمنية.
والواقع أن الحركة ما كانت لتصمد في مجزرة العدوان على غزة في الشتاء الماضي (ديسمبر ـ يناير) لو لم تكن قد أمنت الجبهة الداخلية في غزة، وما استطاعت أن تبني جيشاً مصغراً، وتنوع من تكتيكاتها العسكرية والأمنية، وتطور أداءها لو لم تكن قد حققت قدراً معقولاً من الاستقرار في غزة، وهو ما جعلها رقماً أصعب مما مضى، والثابت أيضاً أن حماس لم تتحرك للحسم في غزة إلا عندما وجدت نفسها في وضع صعب في الضفة الغربية التي مضى فريق السلطة بخطى حثيثة في مساعيه لإخراجها نهائياً من معادلة القوى في الضفة، وبالتالي فضلت الاستئثار بغزة مع استحالة إيجاد وضع توافق في الضفة ذات الطبيعة السكانية والأمنية المختلفة تماماً.
إذن نحن إزاء احتكار أمني للسلطة في الضفة، وآخر لحكومة حماس في غزة، وإذ لا تقبل السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" والرباعية وبعض الدول العربية شراكة أمنية في الضفة؛ فإن المطلوب فقط أن تقبل حركة حماس بتسليم الأجهزة الأمنية في غزة إلى السلطة الفلسطينية، وهو ما يرنو إليه الاتفاق الذي ترعاه القاهرة، حيث يؤكد على ضرورة دمج القوى الأمنية النظامية التي لا ينص عليها القانون الأساسي في الأجهزة الأمنية، ثم تم تعديل ذلك أيضاً ليشمل حل ما دعاه بـ"الميليشيات" غير النظامية، والذي رفضته بالطبع مجمل الفصائل المقاومة كالجهاد والشعبية فضلاً عن حماس. 
 
الثاني: منظمة التحرير الفلسطينية: وهي المشكلة المزمنة التي لا تسعى حركة فتح، كبرى الفصائل الممثلة فيها بحلها، حيث لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني بتركيبته الحالية، ورغم أن اتفاق المصالحة جاء لينص على "تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية وفقًا لاتفاق القاهرة مارس 2005، وكما ورد في الفقرة الثانية من وثيقة الوفاق الوطني يونيو 2006 فيما يتعلق بتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وانضمام كل القوى والفصائل إليها وفق أسس ديمقراطية ترسخ مكانة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في أماكن تواجده كافة" [اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني صـ2 القاهرة 2009]، والطريف أنه عند البحث عن الاتفاق والوثيقة السابقين المشار إليهما في الاتفاق، نجد أن أحدهما ينص على "الإسراع في إنجاز ما تم الاتفاق عليه في القاهرة في مارس2005 فيما يتعلق بتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وانضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي إليها" [وثيقة الأسرى 9/6/2006]، والثاني ينص على أنه قد "وافق المجتمعون على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها.." [إعلان القاهرة 17/3/2005]، وما يستتبع ذلك لا يروي ظمأ التواقين لوضع سقف زمني محدد وملزم، ومؤثر على النقاط الأخرى التي أخذت حظاً أوفر من الإلزام والفعالية، وهو ما يعني أنه وبناء على النقطتين السابقتين؛ فإن على حماس أن تحل القوة التنفيذية في غزة، وتعيد العناصر الأمنية المتهمة بإحداث الفلتان الأمني في غزة، وتستقيل من الحياة في غزة في مقابل وعد معلق بكلمات "التفعيل" و"الإسراع" و"التطوير"، هذا مع اعتبار أن المنظمة ذاتها لم تعد في أحسن حالاتها ورقة اعتبارية تستأهل التضحية من الحركة ولا حتى من أصغر فصيل مقاوم، عدا القوى الكرتونية أو عاشقي نضال الفنادق في أوروبا، إذ لا تستشار المنظمة ـ وهي في حيازة فتح ـ في قرار مصيري، وآخرها تقرير جولدستون، ولا يؤبه لها، برغم هيمنة الفتحاويين عليها فكيف إذا شاركهم فيها غيرها بشكل فعال!!
الثالث: الانتخابات التشريعية والرئاسية: يعتبر البعض أن تلك القضية، هي أهم ما تقدمه الورقة لنظام عباس، لاعتبارها القادرة على منحه شرعية فقدها ـ رغم عدم اعترافه هو وحركته بذلك ـ في يناير 2009 عندما انتهت مدة ولايته، وبقائه في السلطة دون إجراء انتخابات، وهي البوابة التي يريد الجميع أن تخرج منها حركة المقاومة الإسلامية مثلما دخلت منها، عبر نجاحها في انتخابات 2006 بنسبة مكنتها من تشكيل الحكومة الفلسطينية، وبالتالي؛ فإن الحل الوحيد في فشل أو إفشال حماس في انتخابات 2010 عبر انتخاب حر أو مزور، ويحدد الاتفاق موعداً لإجراء تلك الانتخابات في البند ثانياً بالنص التالي: "تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني متزامنة يوم الاثنين الموافق 28/6/2010 ويلتزم الجميع بذلك." [اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني صـ4 القاهرة 2009]، ويتم تشكيل لجنة الانتخابات عن طريق عباس كما يلي، ووفقاً للاتفاقية: "عملا بما جاء في قانون الانتخابات يقوم الرئيس الفلسطيني بتشكيل لجنة الانتخابات بناء على المشاورات التي يقوم بها وعلى تنسيب القوى السياسية والشخصيات الوطنية." [اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني صـ5 القاهرة 2009].
غير أن عباس استبق ذلك الموعد، حين فاجأ الجميع بتحديد موعد مبكر لإجراء الانتخابات، لا يتوقع كثير من المراقبين قدرته على تنفيذه وعده بإجرائها في الموعد المحدد من قبله وهو 24/1/2010، لأسباب تتعلق بكون ذلك الموعد هو من قبيل التهديد أكثر من كونه واقعياً، كما أنه يناقض صراحة توقيع فتح على الورقة المصرية، وأيضاً خشية الرجل ومعاونيه، من أن يجري انتخابات بالضفة قد تأتي وفقاً لظروف غير دقيقة من جانب قواه الأمنية بمعارضين له ولو من داخل فتح ذاتها.
على كل حال؛ فالموعد المحدد في الاتفاق هو آخر يونيو القادم، ولعل المأخذ الأساسي لدى حماس على الاتفاق في ذلك يتعلق بمنح عباس وأجهزته فيها كل الصلاحيات التي تؤهله للتأثير على سير الانتخابات، لاسيما تلك المتعلقة بتشكيل لجنة الانتخابات وتشكيل محكمة قضايا الانتخابات.
 
وإذا كانت الاتفاقية ليست للأمانة مسؤولة عن إنجاز كل حيثياتها التي تعوزها لجان مشتركة، وجهود أخرى، إلا أنها كما تقدم لا تمنح كلا الطرفين قدراً متساوياً من الحقوق والواجبات، وهي لم تأت بالمناسبة على ذكر الحكومة الفلسطينية في غزة، باعتبارها غير موجودة أو مقالة، وثبتت بالتالي محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، مع أن الشرعية الانتخابية التي جاءت الاتفاقية لتبشر بها هي لم تزل لحركة حماس صاحبة أكبر نصيب في المجلس التشريعي الذي لم تنقض مدته على عكس مؤسسة الرئاسة الفلسطينية التي تعمل في الوقت الضائع بعد انتهاء ولاية عباس منذ ما يقترب من العام.
والملاحظات السابقة تليها أخرى تتعلق بحيثيات جزئية لكنها بالغة الأهمية، ويجدر إلحاقها بتلك القضايا الآنفة الذكر:
•       فالأجواء التي تظلل هذه الاتفاقية لا تبعث على الارتياح والطمأنينة اللازمين لإنضاج وثيقة قابلة للتنفيذ؛ فلقد عمل عباس على إثر إعلان فتح عن قبول الاتفاقية على شن هجوم عنيف على حركة حماس متهماً إياها بـ"الإمارة الظلامية"، وتوالت الهجمات اللفظية من العديد من أركان نظامه كياسر عبد ربه وآخرين، والاتهامات الإعلامية والرسمية الفتحاوية لحماس لا تحمل على الاعتقاد بأن التوقيع على الاتفاقية سيجد نصيبه من التنفيذ.
•       وقضية المعتقلين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي لدى نظام السلطة الفلسطينية في رام الله، لا يعطي أي زخم لقضية الانتخابات إن جرت في يونيو فضلاً عن تقديمها إلى يناير القادم، والنصوص التي حملتها الاتفاقية غائمة تماماً فيما يخص ملف المعتقلين السياسيين في الضفة والذين يزيد عددهم عن 650 معتقلاً معظمهم من حماس. وبعودة إلى نص الاتفاق نجده يقول:
"- تقوم كل من حركتي فتح وحماس بتحديد قوائم المعتقلين طبقا لآخر موقف، ويتم تسليم مصر ومؤسسة حقوقية (يتفق عليها) نسخة منها بعد التحقق منها (تثبيت الأعداد والأسماء) قبل التوقيع على اتفاقية الوفاق الوطني.
- يقوم كل طرف بالإفراج عن المعتقلين الموجودين لديه من كافة الفصائل فور توقيع الاتفاقية.
- في أعقاب عملية الإفراج عن المعتقلين يقوم كل طرف بتسليم مصر قائمة تتضمن أسماء أولئك المعتقلين المتعذر الإفراج عنهم وحيثيات عدم الإفراج ورفع تقارير بالموقف لقيادتي فتح وحماس.
- بعد توقيع الاتفاقية تستمر الجهود المبذولة بمشاركة مصرية لإغلاق ملف الاعتقالات نهائيا." [اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني صـ21 القاهرة 2009]، وبالتالي فهو يترك مسألة الإفراج تقديرية لما يكتنف مصير ما يدعون بـ"المعتقلين المتعذر الإفراج عنهم" ورفع تقارير لقيادتي الحركتين، بما لا يضمن إفراجاً عنهم في النهاية، وكان من المنطقي أن يسبق الإفراج عن المعتقلين السياسيين التوقيع على الاتفاق باعتباره الجزرة الممنوحة لحماس في مقابل حزمة من الجزر أعطيت بسخاء للسلطة الفلسطينية التابعة لفتح.
 •     كل ما يتعلق بضمانات إجراء انتخابات نزيهة في الضفة الغربية بالذات لا يبعث على الارتياح لدى حركة حماس، ولا حتى غيرها، إذ إن جملة من يتوقع حضورهم كمراقبين للعملية الانتخابية، هم في الغالب من الكارهين للحركة وبعضهم لا يعتبرها سوى حركة إرهابية يستحق الشعب الفلسطيني عقاب الحصار والدمار على انتخابها، وما قد يعتذر به بأن هؤلاء أنفسهم ـ ربما ـ راقبوا العملية الانتخابية في 2006 لا تزيل خشية المتحفظين، كون حركة حماس ذاتها قد تمكنت من حماية خيارها الانتخابي حينها وفقاً لشهادة أحد المرشحين السابقين، وهو د.فايز أبو شمالة، حيث قال: "لقد عملت حركة حماس حساب كل صغيرة وكبيرة قد تشوه نتائج الانتخابات، بدءاً من تحضير شاحن الإنارة فيما لو قطعت الكهرباء، إلى ترتيب المندوبين في كل لجنة، وعلى كل صندوق، وبث العيون في كل مكان لمتابعة الأحداث، وليس انتهاءً برجال لا تراهم العين المجردة، ولكنهم موجودون بأسلحتهم الرشاشة في محيط صناديق الاقتراع، يحرسونها من بعيد لبعيد، خشية مندسٍ، أو مزورٍ، أو متلاعبٍ، أو حالم بالفوز الكاذب."
وثمة نقطة خطيرة تتعلق بالرقابة على الانتخابات قد لا تكون باعثة على التفاؤل بشأنها، كون تلك الرقابة قد أخفقت ـ أو تواطأت ـ في انتخابات عديدة مثل الرئاسية الأفغانية، والعراقية، ما لا يجعلها فوق مستوى الشبهات، لاسيما أن طريقة اختيار المراقبين ستمر ببوابة عربية ليست كذلك "دقيقة" في هذا المجال أيضاً، وبعد نجاح السلطة الفلسطينية المنتهية ولايتها في تسديد ضربات موجعة للحركة واستمرارها في أداء هذا الدور؛ فإن الحركة في الضفة ستخوض الانتخابات ـ إن فعلت ـ وظهرها للحائط، ويلخص الأسير أنور زبون خشية الحركة من حدوث ذلك بقوله: "إن الهجمة الشرسة التي تقوم بها سلطة رام الله اللادستورية بقيادة الجنرال دايتون على حركة حماس في جميع أنحاء الضفة الغربية لهي خير برهان على أن حركة فتح حقيقة غير جادة في طرح الانتخابات إلاّ إذا كانت هي متأكدة من تزويرها لتحقيق فوز وهمي، فالانتخابات الحرة والنزيهة بحاجة إلى تهيئة أجواء وسيادة الروح الديمقراطية بين المواطنين، وكيف يتحقق ذلك، والتحقيق والتعذيب ينهمر على رؤوس أبناء حماس وقيادته وكشف الهيكلية التنظيمية ومقدرات الحركة للاحتلال، والأمر لا يقف عند هذا الحد بل ومحاسبة أبناء الحركة على مشاركتهم في الانتخابات التشريعية السابقة إعلاناً ودعاية ومشاركة بأي شكل من الأشكال، وحتى المشاركة في انتخابات الجامعة يحاسبون عليها وما يتم الآن من فصل تعسفي للموظفين على خلفية سياسية دون ذنب والتهديدات للمواطنين بشكل عام بعدم الاقتراب من أبناء الحركة ومكاتب نوابها وما اعتقال موظفي مكاتب النواب الأخير إلاّ خير دليل على ذلك"، وهي مسائل إذا ما أضيف إليها رفض حركة فتح مشاركة حماس السلطة لدى نجاح الأخيرة، ووضع العراقيل لإفشال حكومتها بما في ذلك الصمت على العدوان على غزة ـ وربما تشجيعه وفقاً لروايات حماس ـ ومحاولة اغتيال رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية في ديسمبر 2006 لدى عودته من جولة خارجية، والفلتان الأمني في أعقاب نجاح حماس خلال كل المدة التي تلت نجاح الحركة في أوائل عام 2006 وحتى الحسم العسكري في غزة بعد 18 شهراً، وفضيحة تأجيل تقرير جولدستون، وفضيحة لجنة أول أكتوبر بشأن التحقيق فيها، والتي لم تشكل لحد الآن رغم مرور الأسبوعين المعلنين من قبل عباس عنها، والفضائح التي فجرها رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطيني فاروق القدومي بشأن ضلوع رموز السلطة الفلسطينية في قتل رئيسهم ياسر عرفات، واعتقاد الحركة بعدم إيمان عباس بالديمقراطية وتطبيق القانون، لتشكيله حكومة طوارئ دون أي سند دستوري في العام 2007 برئاسة فياض (رفضها حتى كثير من الفتحاويين)، واستمراره في الحكم لمدة تقارب العام دون أي سند دستوري أيضاً، وما اكتنف الانتخابات الداخلية لفتح ذاتها من تجاوزات واضطرابات، إضافة إلى سلسلة طويلة من الممارسات لا تفتح شهية حماس للتعاطي الإيجابي مع دعوات الانتخابات.
•       وجود إجماع من أهم الفصائل الفلسطينية على رفض توقيع الاتفاقية بوضعها الحالي، حماس لإضافة تعديلات من قبل الوسيط طرأت على ما وافقت عليه تحتاج إلى "تدقيق" بحسب رئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل، وكذلك تحفظات أخرى للجهاد تتعلق بمصير جناحها العسكري سرايا القدس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على لسان عضو لجنتها المركزية جميل مزهر قال عن الاتفاقية أنها "لم تتضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين ولا حق شعبنا في المقاومة"، وأبدى تحفظه على اللجنة المشتركة وآلية تشكيلها وطبيعة النظام الانتخابي، وكذلك، وجدت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين 4 اعتراضات في الاتفاقية لم تكشف عنهم تدعوها إلى إعادة النظر في الاتفاقية.
 
وبطبيعة الحال؛ فإن الاتفاقية تتضمن نقاطاً إيجابية، لاسيما تلك المتعلقة بالجمعيات الأهلية، والإفراج عن المعتقلين (ولاشك أن قسماً من المعتقلين سيفرج عنه حال التوقيع عليها ولو كان دون الطموح المأمول)، غير أن الأمر يتعلق بأزمة ربما يتعذر حلها في الوقت الحالي، لوجود حركتين قد بدتا متباعدتين عن بعضهما أكثر من أي وقت مضى، وغدت الهوة بينهما أوسع من أن تلملم، لكن يبدو في المقابل استحقاقات وضغوط لا يمكن لصناع القرار في كلا الطرفين تجاهلهما، وهي المتعلقة بالتوقيت السيئ لهذا الوضع الشاذ المفضي إلى استئثار الصهاينة بالمسجد الأقصى، وغياب أجندة مقاومة يمكنها لجم "إسرائيل" عن المضي في خلخلة أسسه، وتعدد الاقتحامات بشكل مستفز قاهر، ومحفز على اندلاع سلسلة من الانتفاضات بيد أنه لا يحدث، بعد أن نجحت إجراءات داخلية وخارجية في شل الضفة الغربية تماماً عن العمل المقاوم، وكذلك قضية الحصار الذي لم يزل يعاني منه الغزاويون، وعدم حل قضية المعابر حتى الآن، واهتزاز صورة القضية الفلسطينية وفصائلها بكل أطيافها نتيجة حالة الانقسام بين الضفة وغزة، ما انعكس بدوره على قضايا الأقصى، واللاجئين، الأوضاع المعيشية في الداخل الفلسطيني، والانسداد الذي تعيشه المقاومة الفلسطينية، وازدياد الهوة بين أبناء الشعب الفلسطيني بغض النظر عن سلوك القادة، ونجاح الصهاينة في استغلال الموقف الفلسطيني المتأزم لصالحهم عبر إضعاف الأطراف كلها بما فيها طرف السلطة الفلسطينية المنقضية ولايتها ورئيسها عباس، ذاك الذي وصفه وزير التعليم "الإسرائيلي" الأسبق وزعيم حركة ميريتس يوسي سريد بالقول إنه يمكن اعتبار محمود عباس "إنسانا ميتا وإن الذين قتلوه هما رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الحرب باراك (..) إن كل ذلك يحدث عندما يريدون تحويل شريك إلى عميل".
ــــــــــــــ
·                    نقلاً عن مجلة البيان عدد ذو الحجة 1430هـ