حول الدعوة الرسمية لإبراز أدوار أضرحة الأولياء بالمغرب
27 ذو القعدة 1430
حسن الأشرف




أثارت مذكرة رسمية أصدرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب تدعو الوعاظ وأعضاء المجالس العلمية إلى إبراز "حقيقة الدور الريادي لمزارات الأولياء" جدلا في أوساط الوعاظ والمختصين حول غايات هذه الدعوة والمقصود منها.

واعتبر عضو في المجلس العلمي بالمغرب بأن المذكرة تسعى إلى توضيح الخطباء والعلماء للناس الدور البارز الذي لعبه الأولياء من حيث صلاحهم وإصلاحهم ونشرهم للعلم، بغية القضاء تدريجيا على البدع والمنكرات التي أضحت تنتشر في بعض أضرحة هؤلاء الأولياء.

بالمقابل وصف باحث إسلامي مقاربة مدبري الحقل الديني بالمغرب لهذا الموضوع بكونها "غير مجدية ولا ناجعة"، باعتبارها مقاربة مركزية بعيدة عن النظرة الشمولية، كما أنها لم تشرك الفاعلين الدينيين بالمغرب في هذه القضية.

 

دخول الخير على  الشر

وقال عبد الرحيم أوشن، عضو المجلس العلمي لمدينة الجديدة (التابع لوزارة الأوقاف) إن الغاية من هذه المذكرة الرسمية أن يتم الاحتفاء بالأولياء في المغرب من غير  إفراط ولا تفريط، بالإضافة إلى  إبراز الخطباء والوعاظ للناس في دروسهم الدور الإيجابي الذي قام به هؤلاء الأولياء الصالحون والتعريف بمناقبهم الكثيرة.

واعتبر هذا الواعظ أن كثيرا من الناس في المغرب كانوا يحتفلون بالأولياء حبا فيهم ولكونهم منارات شامخة في العلم، غير أنه مع مرور الزمن تحولت تلك الأفراح إلى مواسم سنوية خالطتها في السنوات الأخيرة بعض العادات والمنكرات السيئة.

والهدف، يقول المتحدث، أن يتم تقدير الأولياء المدفونين في أضرحتهم داخل وضعهم الطبيعي دون مبالغة مثل ما يحدث من طرف  البعض الذين يرون الولي بمثابة محقق الطلبات ومنفس الكربات، لكن أيضا دون غمط هؤلاء الأولياء حقهم ومكانتهم العلمية والدينية العالية.

وأوضح أوشن أن توعية الناس بهذه  الحيثيات بواسطة المحاضرات والدروس، حتى داخل المواسم والأضرحة التي تعرف شيوع بعض الانحرافات، تعتبر نوعا من دخول الخير على  الشر  ليغلبه، مشيرا إلى أن المعروف  يقضي على المنكر   بطريقة تدريجية وحكيمة وفق قول الله تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).

واستدل أوشن بالموسم الذي يقام سنويا بجانب  ضريح  "عبد الله أمغار" بمدينة الجديدة  الذي يعرف  حدوث بعض التجاوزات اللا أخلاقية، موضحا أنه شهد  إقبالا منقطع النظير من طرف زوار الضريح على  الدروس الدينية التي كانت تلقيها واعظات ومرشدات يوميا.

ولمزيد من استيضاح الموضوع، اتصلنا بأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، مرات عديدة لكن هاتفه المحمول كان يرن بدون جواب.

 

غير مجدٍ

من جانبه، يرى الباحث الإسلامي محمد منار أن المذكرة خلقت بعض الغموض  بخصوص مقاصدها وغاياتها وسط الوعاظ والخطباء وأيضا بين الفاعلين الدينيين، مبرزا أنه إذا كانت مذكرة وزارة الأوقاف تنحو إلى ترشيد الحضور في تلك الأضرحة بدل أن يكون مكانا للشعوذة والأعمال المنافية للأخلاق، فتلك  خطوة إيجابية لكونها تحاول ربط هذه الأمكنة بالعلم والعلماء وإعادتها إلى ما يوافق السنة

ويخالف البدع.

لكن، يضيف منار، إذا كانت هذه المذكرة تدعو الناس لزيارة الأضرحة التي تضم قبور الأولياء الصالحين فهذا نوع من الدعوة إلى القبورية، علما أن المغرب يشتهر بكونه بلد الأولياء الصالحين.

واسترسل منار   بأن الأضرحة في المغرب لم تعد تشهد كثيرا من الممارسات المنحرفة من قبيل الشعوذة والسحر والتبرك بالموتى، لكنها أضحت تعرف ممارسات أخطر  متمثلة في كون بعضها صارت رمزا لحمولات غير أخلاقية مثل ضريح  "علي بن حمدوش" بضواحي مدينة مكناس الذي يعتبر محجا للشواذ جنسيا في السنوات القليلة الأخيرة.

وحول  فعالية هذه المذكرة الرسمية ومدى الالتفاف حولها من طرف المعنيين بها، قال منار إنه يستغرب من كون الوزارة الوصية لم تتشاور مع الوعاظ في هذا الأمر، وكان الأولى طرح الإشكالية حول الأضرحة وتنظيم ندوات ولقاءات في هذا الشأن.

ووصف المتحدث المقاربة الرسمية في "إصلاح" الأضرحة  بأنها مقاربة مركزية تحاول  تغيير الأوضاع القائمة في هذه الفضاءات دون إشراك فعلي للفاعلين في الحقل الديني بالبلاد، وبالتالي فهي مذكرة غير مجدية وغير ناجعة.

وأردف منار بأن إنزال مذكرة رسمية عبر "المظلة" دون إشراك العلماء والخطباء في هذا الإصلاح، وإعطاء الأوامر من فوق لن يكون محفزا  لهم  على العمل، ولا يمكنه أن يفضي إلى التعبئة المطلوبة.

 

الحقل الديني والمزاج

وذكر منار بأن  دعم الزوايا ومزارات الأولياء صار من ثوابت السياسة الدينية في المغرب، بسبب ما أملته الأوضاع السياسية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية ومراكز البحث المؤثرة في العالم تميز بين أنواع من الإسلام، منها مدرسة التصوف ومدرسة السلفيين، فأقرت أن التصوف هو التيار الذي يمكنه التوافق مع مصالح هذه القوى الكبرى العالمية ولا ينتج أي تهديد لها".

وانتقد المتحدث ارتهان تدبير الحقل الديني بالمغرب بأمزجة (جمع مزاج)  الوزراء المتعاقبين عليه وبخلفياتهم الإيديولوجية، مردفا أنه لا توجد رؤية واضحة ومحددة يشارك فيها الفاعلون الدينيون من علماء وحركات إسلامية باعتبار أن تدبير الشأن الديني بالبلاد يعد من أهم مجالات استقرار المجتمع ونبذ التطرف بين مكوناته.

وطرح الباحث المغربي مسألة قدرة العلماء على تأطير المجتمع بغية تفعيل مثل هذه المذكرات والتوصيات الرسمية التي تصدر لتنظيم الحقل الديني بالبلاد، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون العلماء أداة حقيقية للتأثير على أفراد المجتمع وتنويرهم وإرشادهم إلى فعل الصواب، ولا حاجة ـ بالمقابل ـ  إلى علماء "ببغاوات" يتحركون في الغالب بجهاز التحكم عن بعد "الريموت كونترول" في قضايا تؤشر عليها الدولة أولا"، على حد تعبير المتحدث.

يذكر أن بعض الصحف المغربية نشرت مقتطفات من هذا المذكرة التي تدعو   الوعاظ والعلماء إلى إبراز  "حقيقة الدور الريادي لمزارات الأولياء في تأطير وتحصين المواطنين: عقيدة ومذهبا وسلوكا، وتبيان الوظيفة التي تؤديها في استتاب الأمن الروحي، وكونها فضاء استراتيجيا لعقد حلق ذكر الله ومدارسة كتابه وسنة وسيرة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام والتفقه في الدين، في إطار المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني والالتزام بإمارة المؤمنين".