رسالة إيران للسعودية.. أمريكا حليف من؟!
21 ذو القعدة 1430
أمير سعيد







[email protected]   

 

من انتابه شعور بأن الولايات المتحدة تغض طرفها عن العبث الإيراني في منطقة باب المندب الاستراتيجية، وتشجع ـ بسكوتها ـ عن تطور التمرد الحوثي ليمتد إلى داخل الأراضي السعودية، ستساوره الشكوك أكثر بأن الولايات المتحدة لا تقف فقط في منطقة الحياد، وإنما تبدو مرتاحة إلى هذه الاعتداءات التي تحدث على أكبر دولة نفطية في العالم، إذا ما قرأ هذا التصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ايان كيلي بتمعن وتدقيق حين أعرب "عن قلق الولايات المتحدة حيال توسع أعمال العنف إلى الحدود اليمنية السعودية"، و"حض الأطراف المعنية على حماية أرواح المدنيين"، بحسب راديو سوا 6 نوفمبر الحالي، معززاً ذلك بمقولة عن أنه "لا يمكن وجودُ حل عسكري على المدى الطويل في النزاع بين الحكومة اليمنية والمتمردين".

فإذا ما أردنا قراءة رد الفعل الأمريكي على اعتداء الحوثيين على الأراضي السعودية وجدناه يتلاقى مع ما نتوقعه منذ فترة طويلة على اقتراب الأمريكيين من الإيرانيين أكثر ممن يقال عنهم إنهم حلفاؤها في الشرق الأوسط، حيث واشنطن "قلقة" فقط، بلا إدانة، من "توسع"، وليس اختراقاً حدودياً، "أعمال العنف" وليس "اعتداءً"، "إلى الحدود" وليس عبرها، و"حض الأطراف المعنية"، وليس مطالبة الحوثيين بوقف حربهم بالوكالة عن الإيرانيين على القرى السعودية الآمنة. ثم الحليف اليمني للولايات المتحدة ـ مثلما هو معلن ـ ليس إلا طرفاً في "نزاع" يتحدث عنه المسؤول الأمريكي، لا بوصفه كذلك، وإنما كمحلل سياسي لا يتوقع استمرار هذا "النزاع" أو لا يتمنى أن يطول دون أن تطاله عجلة السلام!!

وربما كنا بحاجة لمقاربة كاشفة لموقف الولايات المتحدة الأمريكية عند توغل القوات العراقية إلى مدينة الخفجي في السعودية قبل 19 عاماً، وأي إجراء قامت به حينئذ، أو على الأقل، استحثاثها إعلامياً وسياسياً وعسكرياً للتحذير من احتمالات غزو عراقي للسعودية، واتخاذها إجراء فاعل لوقف العراقيين عند حدود السعودية، والموقف السلبي حيال ما يحدث في شمال اليمن، وما إذا كان الأمر ذاته مشابهاً في وجه من الوجوه على الأقل ـ وليس كلها بالطبع ـ بما يستدعي تحذيراً أمريكياً ـ كأضعف الإيمان ـ للإيرانيين من مغبة الاقتراب من الحدود السعودية الجنوبية أو تجاوزها اقتداء بما فعلته قبل أقل من عشرين عاماً مع العراق إزاء الدولة الصديقة ذاتها..

وإذا كان التاريخ لا يروق للكثيرين لاستذكار ما الذي كان يتوجب على الأمريكيين فعله إذا لم يكونوا لا يقفون على مسافة من طهران الآن أقرب منهم من الرياض، أو في الحد الأدنى، نقول، على مسافة واحدة منهما، علينا أن نقرأ هذا العبارات الخطيرة لروبرت بير خبير الـ سي آي إيه، والذي قال فيها : "سنعطي إيران النفوذ في أفغانستان وباكستان، وندعمها اقتصادياً. إن أمريكا ستتحالف مع طهران، وستتحول عن تحالفاتها السابقة في الخليج وسيتحول الهلال الشيعي إلى دائرة شيعية في الشرق الأوسط (...). وهي بالطبع دائرة شيعية تمتد في إيران والعراق وسورية ولبنان وغزة والضفة واليمن ودول الخليج وفي كل مكان. لن يوقف أحد التقدم الإيراني لمد النفوذ. وهل يستطيع أحد إيقاف المطر من السماء!! إنه قدر. إن باراك أوباما اسمه الوسط (حسين).. إنه يتماهى مع الشيعة (...) إنه ليس ابن تيمية" [مجلة الوطن العربي 4/11/2009].

وإذا كانت العبارات إنشائية أكثر منها دلالية؛ فلتسعفنا قريحة الحاضر بموقف الأمريكيين من الاجتياح الإيراني ـ عبر "حزب الله" ـ لبيروت (7/5/2008)، والذي كان خجولاً بدرجة أيقن معها تيار المستقبل أنه يلتحف السماء، ولا دونها..

أما الأخطر؛ فتلك البارجات والقطع البحرية الأمريكية التي تنقب في كل ميل بحري مربع في محيط باب المندب وقبالة الشواطئ اليمنية بحثاً عن "القراصنة"، ثم لا تعثر على أي قطعة بحرية تحمل أسلحة تهريباً إلى المتمردين الحوثيين الذين تتدفق إليهم مختلف أنواع الأسلحة بما فيها الثقيلة دون أن تقع عليها أنظار الأمريكيين الشاخصة من أكبر قاعدة أمريكية عسكرية في إفريقيا بجيبوتي على مقربة من الحدود اليمنية، للتذكير فإن إدارة تلك القاعدة سياسياً وعسكرياً في واشنطن لا تعتبر الحوثيين تنظيماً إرهابياً.

أهي أحجية تلك، أم فخ وقع فيه الجميع إذ ظنوا أن الولايات المتحدة حليفة "المعتدلين" وعدوة أحد أقطاب "محور الشر" الذي بطش بيديه في أكثر من مكان في أوطاننا، واجترح الجرائم بالقرب من أذن واشنطن الصماء، التي شابهت في عييها عينيها العمياوين اللتين لم تر إلا اليوم أن طهران تجهز وتختبر رأساً نووية فتخنس ولا تنبس ببنت شفة، وتذرنا في حسن ظنوننا الحالمة؟! إنها معركة العقلاء على كل حال، يخوضونها ضد الصهاينة وضد حلفائهم الجدد سواء بسواء، وخلاف ذلك ليس إلا أماني الغرناطيين..