ابعثوا بالزيت للأقصى !
16 ذو القعدة 1430
زياد آل سليمان




التصعيد الصهيوني الأخير في القدس والمسجد الأقصى مرتبط بحالة اليأس التي وصلها الصهاينة بعد فشلهم في حرب لبنان وفي حربهم على غزة بشكل خاص، الأمر الذي يجعلهم يستعجلون الخطوات في اتجاه القدس، لإدراكهم لأهميتها وخطورتها في معركتهم ضد المسلمين، لا سيما مع اعتبارهم للصمت الرسمي العربي والإسلامي وضعف التفاعل الشعبي فرصة قد لا تتكرر لتنفيذ مخططاتهم وتحقيق أحلامهم المزعومة.

ولتحقيق هذه الغايات يتحرك اليهود وفق خطط مدروسة في كل الاتجاهات والمجالات، محاصرة للمدينة بالمستوطنات وبالجدار، وتضييق الخناق على السكان بسحب الهوية، وفرض الضرائب، وهدم للبيوت؛ لتفريغ الأحياء الفلسطينيّة المحيطة بالمسجد الأقصى، تكرار الاقتحامات والحفلات اليهودية حتى داخل الأقصى، وافتتاح الكنس وحفر للأنفاق من حوله وأسفل منه، وما المتطرف اليهودي الذي تم القبض عليه فجر الأحد 13/11/1430هـ 1/11/2009م وهو يحاول التسلل للمسجد الأقصى ومعه أسلحة إلا دليل واضح على المؤامرة التي يرسمها اليهود اليوم، وهي استنساخ لما وقع في المسجد الإبراهيمي في الخليل سنة 1994م مجزرة ثم تدخل للجيش، وإقامة مناطق عازلة تحت ذريعة حفظ الأمن، سرعان ما تصبح مصلى لليهود ويتم تقسيم المسجد.

ولعل الإعلان الأخير لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في المؤتمر الصحفي الذي عقدته في القدس يوم السبت 12/11/1430هـ 31/10/2009م بأن قرار "إسرائيل" وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية - باستثناء إكمال بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية يجري العمل فيها- بأنه "تنازل غير مسبوق"، وبأنه لا ينبغي اشتراط تجميد الاستيطان مقابل استئناف ما يسمى بـ"محادثات السلام"، مؤشر على تصعيد خطير، وهو بمثابة ضوء أخضر للاحتلال لارتكاب المزيد من الجرائم، ودليل واضح على مدى الاستهتار والتجاهل الكبير للحد الأدنى من المطالب العربية.

يجب مواجهة هذه الأطماع الصهيونية بقوة وبكل الوسائل الممكنة، كما يجب أن ندرك أن حصار قطاع غزة جزء من المعركة ضد مدينة القدس، وأن إضعاف المقاومة تمهيد للاحتلال ليمارس جرائمه وعنجهيته بلا رادع.

والواجب علينا ألا نتجاهل القوة الموجودة لدى المسلمين والعرب سواء على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي، كما أن أوراق الضغط على الاحتلال وحلفائه كثيرة، وسكان مدينة القدس بحاجة ماسة لتدفق الأموال العربية والإسلامية للمحافظة على ما تبقى منها، بل واستعادة ما يمكن استعادته عبر المؤسسات والجمعيات الأهلية العاملة في داخل فلسطين، وعبر دعم المشاريع المتنوعة التي تتولاها تلك المؤسسات والجمعيات.

أما من يحاول تجاهل ما يجري ويتقاعس عن نصرة مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليه أن يعلم أن أطماع اليهود تمتد ولا تقف عند حدود فلسطين، وأن فسادهم سيلحقه، ونار حربهم ستطاله، قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

وعلينا جميعاً ألا ننسى وصية رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما سألته ميمونة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أرض المحشر والمنشر"، وفي رواية أبي داود: "ائتوه فصلوا فيه -وكانت البلاد إذ ذاك حربًا– فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله"، رجاله ثقات وقواه النووي في المجموع، إنها وصية نبوية كريمة بعمارته والعناية به، وها هي ذي أجيال المسلمين تبعث بالزيت لقناديله، بل وتبعث بالدماء للذود عنه وصونه من انتهاكات الصليبيين واليهود من بعدهم، فلعلنا نبعث بالكلمات والمال وبكل ما نقدر عليه لنصرة أهلنا المجاهدين والمرابطين في فلسطين الحبيبة وحول أكناف مسرى رسولنا عليه الصلاة والسلام، وهي أمانة سوف نسأل عنها أمام رب العالمين.