لماذا تفوق أهل الباطل على أهل الحق!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد،،،
الاستفادة من كلام أهل الباطل وتصديقهم فيما يقولونه من صواب ليس بخطأ لا في العقل ولا في النقل ومن ذلك ما جاء في قصة أبي هريرة مع الشيطان وقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأبي هريرة – رضي الله عنه –: (صدقك وهو كذوب).

 

فعندما تجرأ أهل الباطل على تنفيذ مخططهم السيئ الذي يهدف إلى تدمير دين البلاد وأخلاقها، وذلك بنجاحهم في افتتاح أول جامعة مختلطة في السعودية واستبشارهم بهذه الخطوة التي طالما إنتظروها وعملوا من أجلها طويلاً بالتعاون مع سادتهم الغربيين، رفضوا أي دعوة لإصلاح وضع الجامعة لتكون منبر نور وهداية للأمة وما إرجافهم على الشيخ سعد الشثري بخافٍ على أحد. نعم ما داموا يمكلون النفوذ ويعملون من أجل نشر مبادئهم الباطلة فهذا شأنهم والله حسبنا عليهم ونعم الوكيل.

 

قد يسأل سائل لماذا تفوق أهل الباطل على أهل الحق؟ هل لضعفٍ في الحق أم لضعفٍ في أهله؟ طبعاً الإجابة لا تحتاج إلى تفكير أصلاً فالحق الذي هو الإسلام هو دين الله وهو الذي يعلو ولا يعلى عليه وهو الدين الكامل والشرعة الربانية، ولكن المشكلة تكمن في ضعف تمسك أهل الإسلام به وزهدهم في تعاليمه وشريعته! فمن يتصور أن يخرج من أهل العلم وممن يبكون الناس بمواعظهم ليقر المنكر ويثني عليه، بل من يتصور أن يبارك المنكر من أطهر بقعة على وجه الله! هي والله فتن تعصف بالناس نسأل الله الثبات على دينه والعصمة من الزلل والعصيان.

 

دعونا ندلف إلى الموضوع بذكر كلام لأحد كبراء القوم الذين يدعون إلى الإختلاط والتفسخ والبعد عن منهج الله تعالى حيث يقول في مقال هزأ فيه بأهل العلم بعنوان (الإختلاط الحرام والخلوة الحلال): (استيقظ فضيلة الشيخ من نومه في الساعة الثامنة صباحاً، وذهب لدورة المياه فغسل يديه ووجهه، ونزل للدور الأرضي، وجلس في صالة الجلوس، ونادى الخادمة... بينا... بينا... فجاءته مسرعة... (هيفاء مقبلة) فقال لها... عطيني الفطور... فانصرفت (عجزاء مدبرة) وتمطى وهو يقول... يالله صباح خير. كالعادة... لا أحد في البيت غيره والخادمة... الزوجة ذهبت إلى عملها... والأولاد إلى المدارس...).

 

ثم قال الكاتب بعد أسطر (بينا فتاة شرقية عمرها في حدود الثلاثين جميلة الوجه ممشوقة القوام، لطيفة، أنيقة، وقد احتج فضيلة الشيخ على مكتب الاستقدام عند وصولها لجمالها لكنه اضطر لقبول الأمر الواقع بعد أن ألح عليه أولاده بإبقائها ووجد صعوبة في التعويض عنها، وبعد أن انضمت زوجته للأولاد ولم تر بأساً في بقائها. انصرفت بينا وبعد ثلاث خطوات توقفت ورفعت رجلها لتلبس حذاءها الذي خلعته عند طرف الزولية، فاختل توازنها قليلاً، والتوت رجلها، وسقطت على الرخام، فهب فضيلة الشيخ لا شعورياً ليساعدها، ووقف بجوارها وهي على الأرض، وساعدها على النهوض، وسألها إن كانت بخير أو تحتاج إلى مستشفى فطمأنته أنها بخير وانصرفت، وشرع فضيلة الشيخ في تناول إفطاره.)

 

وختم مقاله بقوله: (عاد بعد الصلاة – صلاة الظهر –، ثم ذهب لكراج السيارات ليأخذ سيارته ويذهب للجامعة... وحينما دخل كانت ابنته الكبرى واقفة مع السائق في الكراج المقفل بجانب باب غرفة السائق، وكانت قد نزلت للتو من السيارة، قادمة من الجامعة، وهي تعطي السائق ورقة كتبت فيها بعض الأغراض ليشتريها من السوق، وتقول له وهو بجانبها... هاه... انتبه يا كامور.. شف... أنا كاتبة لك الأغراض كلها... لا تنسى شيء منها... فحيا ابنته... إلخ).

 

لا شك أن الكاتب متحامل على أهل الحق وسعى بمقاله لتشويه صورتهم، لكني أقول إن كلامه فيه حق! فللأسف الشديد بعض أهل العلم ناهيك عن عامة الناس قد تساهلوا وتوسعوا في أمور الدنيا لدرجة تحصل بها معارضة الشرع سعياً خلف الترف والراحة ولو على حساب الدين!!! وصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: (فوالله ‏ ‏لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم) متفق عليه.

 

إن انغماس أهل العلم والمنتسبين للدعوة في الدنيا ولهثهم في طلبها – حاشا العلماء الربانين وأهل الثبات منهم – هو الذي جعلهم أذلة لا يأبه لهم ولا يسمع لكلامهم والجزاء من جنس العمل. إن العزة التي هي صفة هذه الأمة لا تتحقق مع التقصير والبعد عن الله وعن مرضاته وإنما تحصل للمؤمنين الصادقين في إيمانهم المحققين للإيمان الصحيح الذي يجعلهم دوماً في مراقبة لله جل وعلا خوفاً منه ورجاءً ومحبةً {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139)؛ فلا بد من الصدق في الإيمان بالله بطاعته والبعد عن أسباب سخطه لتحصل الرفعة والعلو، يقول القرطبي في تفسيره – الجامع لأحكام القرآن –: (أي لكم تكون العاقبة بالنصر والظفر " إن كنتم مؤمنين " أي بصدق وَعْدِي).

 

رسولنا – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه إنتصروا ببدر مع عدم تكافؤ الجيشين لا في العدد ولا في الكيف ومع ذلك نصرهم الله على عدوهم: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّة فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (آل عمران: 123)؛ يقول الحافظ بن كثير في تفسيره – تفسير القرآن العظيم –: (أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعُدَدِ).

 

لقد بلغ التساهل لدى بعض المنتسبين للإلتزام حداً غير مرضيٍ فمنهم من تساهل في مسألة الخلوة مع الخادمة والإحتكاك بها وكذلك الحال بالنسبة للأهل مع السائق والله المستعان؛ ومنهم من تساهل في إدخال القنوات السيئة ومنهم من تساهل في إدخال الشبكة العالمية للأهل والأولاد دون رقابة ولا حماية؛ ومنهم من تساهل في السفر إلى البلاد التي فيها المنكرات ظاهرة؛ ومنهم من تساهل في لباس من تحت يده من النساء والذرية والتساهل في منكرات حفلات الزواج وقائمة طويلة من المخالفات التي عقوبتها انتشار المعاصي والمنكرات، وهذه والله أعظم العقوبات؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله! {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (النحل: 118).

 

أهل الباطل غلبونا بسبب تساهلنا في أمور ديننا لا لقوتهم؛ فالواجب على الجميع تقوى الله عز وجل في السرِّ والعلن، والثبات ثم الثبات ثم الثبات على الحق وعدم العدو خلف زهرة الحياة الدنيا وزخرفها الفاني، ومحاسبة النفس ومراجعة الممارسات والسلوك وتقويم ذلك كله بما يرضي الله عز وجل ويبعد عن أسباب سخطه ويقرب من رحمته ونصره، وأن يكونوا قدواتٍ في الثبات بدلا من أن يكونوا مقلدين لأفراد المجتمع في أخطائهم ومخالفاتهم! وتقديم محبة الله سبحانه وتعالى على كل محبوب في الحياة حتى النفس والولد! {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} (الرعد: 11).