آراء الدعاة والمفكرين عن رد الفعل الشعبي السلبي تجاه الأقصى
26 شوال 1430
إيمان يس




على مدار أسبوع كامل تناقلت وسائل الإعلام أحداث تصعيد شهدها المسجد الأقصى ومدينة القدس وصلت إلى حد إغلاق المدينة واعتبارها منطقة عسكرية ، ووسط زخم الأحداث وتسارعها ... لجأ المئات من المسلمين في القدس ومن فلسطينيي الداخل إلى الاعتكاف داخل المسجد الأقصى ليدافعوا عنه بأجسادهم التي لا يملكون غيرها محتسبين أعمارهم وصحتهم وأسرهم عند الله سبحانه وتعالى فداءاً لأولى القبلتين وثاني الحرمين .... وفي المقابل وأمام تضحياتهم بما يستطيعون لم تجد هذه الأحداث في العالم الإسلامي رد فعل إيجابياً، أو حتى شيئاً من الشجب والإدانة الصوتية التي اعتدنا عليها ... بل إنها لم تجد أذنا صاغية .. ولا عينا واعية .. ولا قلبا ينبض بالحزن أو الدعاء .. ولا لساناً هاتفاً بكلمة واحدة فقط وهي  .... "كفى" .

 

حول أسباب الظاهرة استطلعنا آراء أحد المعتكفين في المسجد وعدد من علماء الأمة ومثقفيها ...

 

الشيخ يوسف الباز إمام المسجد الكبير بمدينة اللد وأحد المعتكفين المرابطين داخل المسجد الأقصى المبارك ؛ عزا ضعف ردود الأفعال على المستوى الشعبي إلى قهر الشعوب العربية المغلوبة والمقموعة من قبل الحكومات العربية ، وشددّ على ضرورة أن يتصالح الحكام العرب مع شعوبهم ويرفعوا أيديهم عنهم لتتكاتف جميع الجهود  وتتوحد كل القوى في العالم العربي من أجل إنقاذ الأقصى ، وأضاف : " ليس لدي أدنى شك أن الشعوب العربية لو أطلقت يديها لرأينا منهم العجب العجاب ".

ووجه الباز نداءه إلى الحكومات العربية قائلا : " من قلب الحصار ومن داخل الأرض المباركة التي نرابط فيها الآن أطالب الحكومات العربية برفع مستوى النضال من أجل تحرير المسجد الأقصى" ، وتساءل كيف يطيب لكم  عيش وكيف يهنأ لكم  نوم  مادام الاحتلال الصهيوني جاثما على صدر المسجد الأقصى المبارك ؟؟.

 

ومن لندن اتفق معه الدكتور إبراهيم حمّامي الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني في أن للمنع الرسمي دوراً في ضعف ردود الأفعال، مشيراً إلى أن بعض الدول قامت باعتقال بعض الأشخاص ممن نظموا حملات تأييد للأقصى، وأكد أن هناك نوعاً من الضغط غير الطبيعي لمنع أي ردود فعل على الإطلاق ... فلا تظاهرات ... ولا وقفات احتجاجية ... ولا خطب في المساجد ... ولا حتى التعبير بشكل حر ، فبقي القدس وحيدا في مواجهة الهجمة الاستيطانية الجديدة ومحاولة انتزاع الأقصى من أصحابه الحقيقيين. ونبه إلى أهمية دور الإعلام في مثل هذه القضايا، مشيراً إلى أن الإعلام عندما يتبنى قضية  ويركز عليها تأخذ مجراها ويتفاعل معها الجميع، وضرب المثال بما حدث مع تقرير جولدستون وأضاف بحسرة : "أن هذا يخضع لبعض الحسابات الخاصة بكل دولة للأسف الشديد".

وأشار حمّامي إلى سبب آخر لضعف ردود الأفعال الشعبية وهو أن الشعوب العربية عاطفية ، وعندما يتكرر الحدث المأساوي يصبح عادة ، ودلل على ذلك بالرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت في الدانمارك منذ عدة أعوام وأدت إلى ضجة كبيرة جدا ، ثم يتم نشر رسوم كثيرة بعدها ، وأسوأ منها وتصدر أفلام مسيئة ولا نجد ردود فعل شعبية، ويتكرر الأمر بالنسبة للعراق وفلسطين ، وأضاف قائلاً :"ربما هو الملل .. وربما هي العاطفة التي تحرك الناس ، فهم لا يتحركون إلا إذا جاءت مأساة أكبر من التي تعودوا عليها ".

 وتابع حمّامي :"إن محاولة اقتحام المسجد الأقصى أصبحت عادة بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية ، والاشتباكات في القدس أصبحت عادة ، فما لم يكن هناك حدث أكبر من ذلك بكثير لن يتحرك الشارع العربي والإسلامي مرة أخرى.

 

ويرى حمّامي أن الأحداث التي سبقت أحداث المسجد الأقصى طغت على الاهتمام والتركيز بشكل كبير، إلا أنه عاد وأكد أن الأقصى سيظل دائماً في قلب الجميع وفي قلب القضية الفلسطينية بشكل كبير رغم ما حدث خلال الفترة الماضية .

 

 

ومن القاهرة  يرى الداعية المصري الدكتور راغب السرجانى أن تضاؤل ردود أفعال الشارع العربي تجاه ما يحدث في القدس في الآونة الأخيرة يرجع إلى عدة أسباب أولها اعتبارات الحدث نفسه .... والتي وصفها بأنها حرب تصعيد نفسي وسياسة يتبعها الصهاينة في إدارة الحرب على القدس بالإضافة إلى إجهاد الناس وخمود طاقتهم وحميتهم واستنزافها في أحداث غزة الأخيرة من دعاء ومقاطعة وتبرعات وهدأ الناس بعدما هدأت الأمور.

وأكد أن السبب الأهم كان متمثلاً في إصابة العالم الإسلامي بداء "غياب الرؤية" فأصبح المسلمون لا يلتفتون إلا إلى الكوارث وسقوط الضحايا والشهداء بالآلاف ، وأدت إصابتهم بهذا الداء إلى عجزهم عن فهم المقاييس والمعايير الحقيقية للأحداث .

 

وأوضح السرجانى أن العلماء المسلمين انقسموا إلى ثلاثة فرق، الأول منهم يصرخ بصوت مرتفع في حجرة مغلقة ويتحدث بجهود بسيطة في قنوات ووسائل إعلام غير منتشرة بالشكل الذي يحقق الهدف المرجو ، والفريق الثاني يقصر فهم الدين على بعض الأمور العقائدية ويظن أن القضية الفلسطينية قضية سياسية بالرغم من أنها دينية في المقام الأول فغياب هذه الرؤية عنهم ضيّع القضية!

أما بالنسبة للفريق الثالث فيتمثل في علماء السلطة والذين تصل أصواتهم بشكل أوسع انتشاراً ولكن ليس بالصورة  المطلوبة، واستنكر الدكتور السرجانى عدم التفاعل الكامل من جانب القنوات في تغطيتها الإخبارية لأحداث الأقصى مضيفاً أن القنوات المعنية بالقضية في المقام الأول لا يتابعها إلا عدد محدود من المشاهدين.

 

وأكد أن سبب تصعيد الأحداث على الأقصى بشكل متكرر في الأيام الماضية ما هو إلا تفسير للسياسة الصهيونية المسماة "سياسة التطعيم"، وتهديدها بضرب المسجد بشكل متكرر، وكأنها تطعم الجسم السليم ببكتريا ضعيفة وميكروب قليل ليتعود جسده على الأمراض حتى إذا جاء المسلم ليقاوم الضرب يقول لنفسه وما الجديد والضرب مستمر يومياً! وهكذا تمهيداً لهدم الأقصى.

 

وحذر الدكتور السرجانى من سقوط الأقصى مؤكدا أنه راية المسلمين الأولى التي إذا سقطت ستسقط معها معنويات المسلمين ، وهذه هي الغاية التي يسعى إليه العدو الصهيوني.

 

وأبدى أسفه من عدم وضوح القضية الفلسطينية في أذهان الناس بأبعادها الحقيقية ، موضحاً أن القضية تحمل بعدا عقائديا يحتم على المسلمين ضرورة تحرير الأراضي الإسلامية بشكل كامل ، وأضاف "هذا لا ينفى وجود أولويات ... فعلينا أن نبدأ بتحرير القدس وفلسطين بأكملها وسائر البلدان الإسلامية إلا أن هذا البعد العقائدي غائب عن الأذهان للأسف الشديد" .

 

وطالب السرجانى باستغلال الأحداث الحالية في نشر الوعي والفكر بين الناس وعدم الركون إلى التفاعلات الوقتية اللحظية التي تخمد وتثار بمجرد الحدث ، كما ناشد المسؤولين والعلماء أن يقوموا بتصحيح هذه الصورة المغلوطة في أذهان الكثيرين ؛ مؤكداً أن الدفاع عن الأراضي الفلسطينية فرض على كل مسلم مثل الصوم والصلاة وسائر التكليفات.

 

وأكد أنه بدون هذا الفهم الراقي والصحيح والمتكامل للقضية لن نسترد أراضينا ولا عزتنا الإسلامية.

 

ومن القاهرة أيضاً أتهم الدكتور جمال عبد الهادى- أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى سابقاً - ضعف الثقافة الإسلامية عند المسلمين بأنها هي المسئول الأول عما يحدث الآن ؛ واصفاً الأمة بأنها تعاني  من جهل بالتاريخ وضعف بالعقيدة .

 

وشدد على ضرورة التأصيل الشرعي التاريخي للقضية  وتوضيح أن نصرة فلسطين جزء من العقيدة الإسلامية فلا يجوز التفريط ولو في حبة رمل واحدة من هذه الأرض المقدسة، وأضاف قائلاً :"لقد قام أبونا آدم بوضع قواعدها كما قام بوضع قواعد البيت الحرام فهل نقبل بالتفريط في البيت الحرام "؟!!

 

وحول التأكيد على قدسية هذه الأرض قال عبد الهادي :" تنعمت هذه الأرض بحكم المسلمين ورعايتهم لها قرون طويلة كما أنها شهدت ميلاد العديد من الأنبياء والمرسلين مثل يوسف وسليمان ويحيى وزكريا ومريم عليهم السلام وكانوا جميعاً مسلمين وكانت لهم الإمامة في المسجد الأقصى "

 

ونادى بضرورة تربية النشء على هذه القضية ونصرة الأراضي الفلسطينية والإسلامية بالمال والنفس والسلاح استناداً إلى فتوى علماء المسلمين الصادرة في يناير 1956، جمادى 1275.

 

كما أكد أنه في حالة وعى الأمة بهذه القضية ومعرفتها حقيقة دورها فإنها لن تتأخر عن نصرتها حتى لو دفعت أرواح أبنائها ثمنا لذلك .

 

ولفت إلى ضرورة نصرة القضية كل حسب موضعه ، فلكل منّا له دوره الذي ينبغي عليه أن يفعله وعليه ألا يستهين بهذا الدور، مشيراً إلى أن الدعاء والمقاطعة والإنكار بالقلب والتبرع يُعدّوا من المقاومة عندما يتعذر السلاح؛ وتابع :" إن قادة العالم الإسلامي فقط هم من يملكون السلاح ولا يعذر من ذلك أحد ومن يتخاذل عن دوره فمسئوليته عظيمة بين يدي ربه" .

 

وواصل عبد الهادي تأكيده على ضرورة التأصيل الشرعي للقضية مستندا إلى ما قاله ابن كثير في تفسير إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء ليلة الإسراء ؛ بأن هذا يعد دليلا على أنه الإمام الأعظم .

 

وعن استراتيجية تحرير القدس، يرى عبد الهادي أنها الاستراتيجية التي وضعها المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما أرسل للرومان رسولا تلو الرسول حتى بلغ عدد من قتل من الرسل آنذاك 15 !! فلم يتراجع عن عزمه بل جمع المسلمين و"فتح باب الاكتتاب" وجهز جيش العسرة الذي تجلت فيه تضحيات الصحابة رضوان الله عليهم .

 

وأضاف :" فهم الصحابة هذه الاستراتيجية ما دفع أبا بكر الصديق رضي الله عنه إلى إنفاذ جيش أسامه الذي عقد لواءه المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل أن يلقى ربه ؛ رغم ما كان يعانيه المسلمون آنذاك حتى أن عائشة رضي الله عنها وصفت حالهم قائلة : كالمعزة المطيّرة في الليلة الشاتية المظلمة والسباع من حولها ، وأجاب الصديق من دعوه إلى حل اللواء مراعاة لحال المسلمين قائلا : لا أحل راية عقدها رسول الله ولو جرت الكلاب في خلاخيل أمهات المسلمين ".

 

 

وأشار إلى أن قضية الأقصى تجددت عام 48 بصرف النظر عن الخيانة التي حدثت ؛وخرجت الجيوش العربية وقتها - رغم وقوعها تحت وطأة الاحتلال - في مظاهرات متكررة ، والتي أشار أنها وسيلة جيدة للتعبير والإدانة طالما تمت بانضباط ولم تندس إليها الأيدي المخربة.

 

 

وأكد عبد الهادي أن الأمن المصري يرتبط بصورة مباشرة بالقضية الفلسطينية واصفاً اتفاقيات أوسلو ومدريد واتفاقية غزة واريحا بأنها كانت حيادا عن النهج والاستراتيجية التي وضعها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم .

 

من جانبها أرجعت  الدكتورة داليا الشيمى المدرس المنتدب للتدريس بكلية الآداب جامعة عين شمس؛ حالة اللامبالاة التي تعامل بها الشارع العربي مع أحداث الأقصى الحالية بلا مبالاة إلى شدة الوضع الكارثي الذي يعيشه المواطن بدءًا بارتفاع الأسعار الذي وصل إلى حد صعوبة توفير لقمة العيش وانتهاءً بالخوف من الأمراض الوبائية التي تهددهم وأولادهم ، فاعتلت هذه الهموم اليومية قمة سلم أولوياتهم وتراجعت لديهم قيمة الأقصى .

 

كما أعربت الشيمي عن استيائها من ردود الأفعال التي جاءت لتلومها على زيارتها لغزة في فترة الحرب كطبيبة نفسية ؛ مؤكدة أن هذا الرد ما جاء إلا نتيجة  لغياب المفاهيم وانعدام الثقافات الصحيحة عند المسلمين الأمر الذي يحتاج إلى مشقة لتصبح القضية الفلسطينية هي القضية الرئيسية في حياة الشعوب الإسلامية والمجتمعات الإنسانية بأكملها.

 

وأوضحت الدكتورة داليا الشيمى أن الشعوب الآن أصبحت تتبع سياسة الإدارة بالأزمات ، وكأن الأزمات هي التي ترسم لنا طريقنا فلا نتحرك إلا بعد تفاقم الكارثة لدرجة  يستحيل معها السيطرة عليها فالتحرك دائما يأتي متأخرا على جميع الأصعدة .

 

وأضافت أن أحداث غزة الأخيرة وصور المجزرة الوحشية أصابت الناس بالتبلد وحققت نتائج سلبية بحيث تعودت عين المشاهد على رؤيتها وأصبح الالتفات إليها لا يحرك لهم ساكناً.

 

أما الدكتور صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة فقد أعتبر أن التغطية الإعلامية لأحداث الأقصى تعتبر تغطية محدودة وغير متناسبة مع مستوى الحدث من جميع الجوانب من حيث قرارات المسئولين والكتابات الصحفية والحملات الإعلامية بمحتواها الشامل من تغطية مستمرة  للحدث وتحليلات المتخصصين والحوارات المباشرة مع قادة الرأي وأناشيد حماسية توقظ الرأي العام وتلهب مشاعره وتدفعه للتحرك ونبذ حالة السكون والصمت التي هو عليها الآن!

 

مفسراً هذا الدور السلبي للإعلام بأنه انعكاس لسياسات الأنظمة الحاكمة على الأقل فيما يخص الإعلام الرسمي للدول، خاصة مع انعدام ردود الأفعال الحقيقية والجهود الدبلوماسية في المحافل الدولية، بهدف وقف الاعتداءات الصهيونية على الأراضي المقدسة، الأمر الذي ترك له الحبل على غاربه في التفنن في ترويع الفلسطينيين، وانتهاك حرمة المقدسات، والعمل على إزالة الطابع الإسلامي من المسجد الأقصى، محذراً من تكرار محرقة غزة بفظائعها غير الإنسانية التي استطاعت تحريك الضمير الإنساني في كل مكان.