جدل الاختلاط في السعودية ونتائج الدراسات الغربية!

يعيش المجتمع هذه الأيام جدلا كبيرا حول قضية (الاختلاط)، وقد فجر هذا الجدل ما سُمع وشوهد من اختلاط في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وما تلا ذلك من ملابسات قضية الهجوم على الشيخ الشثري.

 

وبالرغم من أن جميع الاطراف المتصارعة تعلن تأييدها لوجود الجامعة، إلا أن ذلك لم يمنع من تسبب مسألة (الاختلاط) الحاصلة فيها، في تكدير وشحن الأجواء، خاصة بعد حدوث تسريبات لمقاطع فيديو، يقال إنها لطلاب وأساتذة في تلك الجامعة، وهم يمارسون الرقص المختلط.

 

ويقول المدافعون عن الاختلاط إنه سنة الحياة، وأن مفردة (الاختلاط) لم توجد في الكتاب أو السنة، وإنما انحدرت من أدبيات الخطاب الصحوي، الذي عبأ هذه المفردة وخزنها خلال الثمانينات والتسعينات من العقدين الماضيين بصورة مرعبة جعلت الناس ينظرون إليها وكأنها جريمة، مشيرين إلى أنه يختلف عن الخلوة التي لا يجيزها الشرع، ويتهمون الرافضين للاختلاط بالوقوف في وجه عمل المرأة والسعي إلى تعطيل وتعويق المسيرة التنموية للبلد.

 

وفي المقابل يسوق الرافضون للاختلاط مجموعة من الأدلة الشرعية التي يرون فيها دلالات صريحة على تحريم الاختلاط، ويشيرون كذلك إلى أنهم لا يعارضون عمل المرأة وإنما الخلاف عندهم على كيفية ومكان العمل، ويتهمون المنادين للاختلاط بالسعي إلى إفساد المجتمع عن طريق بوابة المرأة.

 

وبعيداً عن موقفي الفريقين، فقد يكون من المنطقي النظر في جدوى الاختلاط من عدمه، وهل تساعد البيئة المختلطة على الإنتاجية والنجاح، أم أن ما يحدث هو العكس، وذلك من خلال استعراض بعض الدراسات الميدانية أو الشهادات الواقعية لبعض الذين مارسوا أو عايشوا العمل في بيئات مختلطة.

 

فمحلياً أجرت صحيفة اليوم السعودية تحقيقاً اشتمل على مقابلات مع موظفات تفرض طبيعة عملهن الاتصال بالرجال أو مقابلتهم، وقد اشتكين من تعرضهن لأنواع كثيرة من التحرش الجنسي الوظيفي(1).

 

أما على المستوى العربي فقد أجريت دراسة جادة وحديثة على عينة من مائة (100) من العاملات في الأجهزة الحكومية والقطاع العام من المقيمات بمدينة القاهرة الكبرى، اللائي بلغ متوسط أعمارهن (30.7 + 11.8)، وقد كشفت الدراسة أن نسبة (68%) من أفراد العينة تعرضن لأحد أشكال التحرش الجنسي اللفظي أو البدني(2).

 

أما في الغرب ففي مسح أجرى على عاملات مدنيات أمريكيات تبين أن (42%) من النساء ادعين أنهن تعرضن للتحرش الجنسي في أعمالهن(3)، وخلصت نتيجة مسح آخر إلى أن مشكلة التحرش الجنسي تعد من أهم المشكلات التي تواجه المرأة العاملة(4).

 

وفي دراسة للمؤسسة الوطنية البريطانية للبحث التعليمي, نشرت في 8 يوليو 2002، وأجريت على 2954 مدرسة ثانوية في انجلترا لدراسة مدى تأثير حجم المدرسة ونوعها (مختلطة أو غير مختلطة) على أدائها التعليمي، تبين أن أداء الطلبة الذكور والإناث كان أفضل دراسيا في المدارس غير المختلطة وأن الفتيات كن أكثر استفادة من الفصل بين الجنسين في تنمية أدائهن.

 

كذلك وجد من تحليل نتائج الامتحانات البريطانية العامة أن المدارس غير المختلطة تحقق أفضل النتائج وأعلاها بشكل روتيني. ففي سنة 2001 كان العشرون الأوائل في امتحانات البريطانية من طلاب المدارس غير المختلطة، وأغلب الخمسين الأوائل من الدارسين في تلك المدارس.(5)

 

وتقول (Lin Farley): في كتابها (الابتزاز الجنسي Sexual Shakedown): (إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشاراً ذريعاً في الولايات المتحدة وأوروبا، وهي القاعدة وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوع من الأعمال تمارس مع الرجل...) (... إنّ تاريخ ابتزاز المرأة العاملة جنسياً قد بدأ منذ ظهور الرأسمالية، ومنذ التحاق المرأة بالعمل). (6)

 

ومن المؤكد أن مثل هذه الدراسات والقناعات التي توصل إليها بعض الغربيين هي ما حدا ببعض مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها مؤسسة (Single Sex Education) إلى السعي إلى توعية المجتمع الأمريكي بخطر الاختلاط، وقد نجحت وبعد سجال دام ما يقارب 10 سنوات مع بعض المعارضين في إقناع الحكومة، فكان أن أصدر الرئيس جورج بوش في عام 2006 قانون يسمح بفتح مدارس حكومية غير مختلطة.

 

__________________

1) ttp://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=12005&I=382002
2) التحرش الجنسي بالمرأة العاملة - دراسة نفسية استكشافية على عينة من العاملات المصريات - د. طريف فرج ود. عادل محمد هريدي
3) Tang & Mccollum, 1996
4) Hay & Elig, 1999; Greenlaw & Kohl, 1996
5) كذلك من الدراسات: دراسة ما رش ورو: المنشورة في دورية Australian journal of education في العدد الثاني لسنة 1996م. ودراسة أمانويل جيمنز، ومارلين لوكهيد: المنشورة في دورية Educational evaluation and policy analysis في العدد الثاني لعام 1989م، والتي طبقت في تايلاند، وغيرها العديد من الدراسات الحديثة التي تؤكد ذلك.
6) كتاب "عمل المرأة في الميزان" للدكتور محمد علي البار.