د. سعيد المصري للمسلم : غياب الدور التطبيقي والمشاركة سبب انتشار السلبية في المجتمع

يرصد كثير من المراقبين مظاهر عديدة للسلبية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، منها الإهمال واللامبالاة وعدم مراعاة الآداب أو مشاعر الآخرين ..
 
وعلى الرغم من ميل المجتمعات العربية إلى حالة التدين واعتزازها بدينها الإسلامي إلا أننا نرى في أحيان كثيرة انفصالا تطبيقيا عن تعاليمه , وقد شهد الشارع العربي في الآونة الأخيرة أحداثاً ساخنة على المستوى الإجتماعي من إنتشار حالات السرقة أو الإختطاف نهاراً جهاراً أمام المواطنين مما أعطى الإنطباع بإنهيار منظومة الأخلاق والمبادئ التي كان يُعرف بها المجتمع العربي المسلم بأنه مجتمع النخوة والشهامة والغيرة والنجدة.
 
ثم جاءت المظاهرات التي قامت للدفاع عن أهلنا في غزة لتدفع عن مجتمعاتنا هذه النظرة السلبية بعض الشىء ، ولتؤكد أن قيم الشعوب يمكن إحياؤها ، وأنها وإن كانت ساكنة أو نائمة إلا أنها النار تحت الرماد تنتظر لحظة الإنطلاق.
 
ولكن ظلت الحيرة من تصنيف المجتمع العربي إن كان سلبياً أم إيجابياً قائمة ، فبينما يرى البعض أن الشعوب العربية في طريقها للاستيقاظ وأن الشباب على وجه الخصوص استطاع أن يتخذ مواقف إيجابية في كثير من القضايا في الفترة الاخيرة، يرى آخرون أن مظاهر السلبية هي الغالبة وهي صاحبة النسبة الأعلى في حياتنا ....
 
ويأتي رأي العلماء ليرجح جانبا على الآخر ، وفي حوارنا مع أستاذ الإجتماع بكلية الآداب بجامعة القاهرة الدكتور سعيد المصري نستطيع أن ننظر بعينيه لنرى كيف يُقيّم الشارع العربي المسلم والشباب العربي المسلم .
 
* د. سعيد ... كيف ترى مظاهر السلبية في الشارع العربي المسلم ؟
ماذا تقصدين بالشارع العربي؟ هل الشارع ذاته .. أم الحياة العامة؟
 
* فلنتحدث عن الحياة العامة والشارع جزء منها
حتى نتحدث عن السلبية في الحياة العامة في المجتمع العربي المسلم وخاصة الشباب علينا أن نقيمها من وجوه عديدة وأهمها الحياة العملية والممارسة التطبيقية والسياسية، لأن الشعوب عادة تتجلى إيجابيتهم من سلبيتهم في الحياة العامة من خلال العمل التطبيقي والذي لا يشارك فيه من المواطنين العرب إلا أقل القليل، والأسباب هنا متعددة، فمجالات العمل السياسي ذاتها في الأوطان العربية قليلة ونسبة المهتمين أيضاً أقل القليل، كما أن التليفزيون وأنماط الإستهلاك تمتص طاقة الشباب بعيداً عن العمل السياسي، وعلينا أن نضع في اعتبارنا انعدام التربية السياسية منذ الصغر.
 
* هل انعدام التربية التطبيقية والسياسية مرتبط بضعف إعطاء الفرص للمشاركة في أوطاننا العربية؟
الثقافة العربية والمجتمع العربي مجتمع تقليدي إلى حد كبير , فيه مركزية شديدة، فنحن نعيش منذ قرون إما تحت سيطرة دولة مركزية أو من خلال مجتمع قبلي وبالتالي فالتنشئة عند الأجيال لا يوجد بها أنواع المشاركة أو الشورى أو الديمقراطية ، وهو ما نتج عنه أن الديمقراطية لا تُعد مطلباً شعبياً، فأغلب الشعوب العربية - في واقع الأمر وبعيداً عن كلام المجاملات – تريد أن تأكل وتشرب وتحقق طموحاتها بدون مشاركة ، وفي رأيي أننا لو أجرينا استفتاء بين المواطنين العرب وطرحنا عليهم السؤال: هل توافقون على تحقيق إحتياجاتكم من أكل وشرب ورفاهية دون مشاركة أو ديمقراطية . الغالبية ستوافق.
 
* لعل هذا بسبب الظروف الإقتصادية السيئة في أغلب الدول العربية.
غير صحيح، فالدول العربية ذات المستوى الاقتصادي المرتفع ينطبق عليها نفس الكلام، ثم إننا إذا طبقنا نفس الاستفتاء في دول أخرى كثيرة سواء أوروبية أو من أمريكا اللاتينية لن يقبل المواطنون بها أياً كان وضعهم الاقتصادي , التضحية بالديموقراطية – أو ما يمكن ان يكون أفضل منها كممارسة ديمقراطية إسلامية مثلا او شورى أو أيا كان -  أياً كان المقابل ، بل سيشترطون توفيرها قبل توفير الطعام لأنهم يجدون فيها صمام الأمان في حياتهم وتمت تربيتهم عليها منذ الصغر، وأنا عندما أتحدث هنا عن المشاركة فأنا لا أعني بها فقط الانتخابات والنشاط السياسي المؤثر ، ولكني أعني الممارسة الحياتية في حياتنا اليومية وهو ما يتجلى انعدامه في الشارع العربي الذي نتحدث عنه والذي أعتبره السبب الرئيسي للسلبية.
 
*وكيف تُعرّف هذه السلبية؟
السلبية أن أرى الخطأ ولا أتحرك لتغييره، وأن أمارس هذا الخطأ، فالسلبية ليست فقط الصمت أو عدم الفعل، ولكن هناك ما هو أخطر وهو أن أتحول إلى أداة لهدم النظام الاجتماعي من الداخل، فالأفراد الذين لا يؤدون ما عليهم في أعمالهم ... المدرس الذي يعطي رُبع طاقته للطلبة في المدرسة ويوفر باقي هذه الطاقة للدروس الخصوصية، والطبيب الذي يُفضل أداء العملية الجراحية بالمستشفى الخاص بآلاف الجنيهات ويتهرب منها في المستشفى العام، هذه وغيرها نماذج تؤكد السلبية الفاعلة لا الصامتة، فالتباطوء وعدم الدقة في العمل والإهمال واللامبالاة سلبية صامتة، ثم الإساءة والهدم والتغيير للأسوأ وإرساء مبادئ فاشلة كالدروس الخصوصية سلبية فاعلة، وأنا أعتبر أن أكبر عملية مقاومة سلبية حدثت في تاريخ مصر وهي أساس كل السلبية في حياتنا هي ما حدث للمؤسسة التعليمية في مصر ونقل التعليم إلى البيوت بدلاً من المدارس.
 
*معنى كلامك أن فشل التعليم هو سبب السلبية؟
هو من أهم أسبابها، فمشكلة التعليم في مصر الآن لم تعد تمويل ولا كوادر ولكن مفاهيم، والدليل على هذا أن التعليم الخاص ايضاً يُعاني وحتى بعد أن دخل التعليم الدولي لا تزال المشكلة قائمة داخل كل البيوت، نحن أمام وباء لا أدري كيف أو متى يمكن أن نعالجه، فكيف نغير المفاهيم السلبية التي ترسخت لدى الطلبة والمدرسين والادارات والأهالي؟؟!!
 
*وأين ترى السلبية في حياتنا الإجتماعية؟
بالرغم من أن علماء الإجتماع يهتمون بما يسمونه "رأس المال الاجتماعي"، وهو العلاقات الإجتماعية بين المواطنين المرتبطة بالهم المشترك والخوف المشترك ويعتبرونها من أهم عوامل ترابط المجتمعات، إلا أننا نجد أن الإنسان العربي تمت تنشئته على الاهتمام بشأنه الشخصي فقط لا غير، فما يعنيه هو ما يمس مصلحته الشخصية، ولم يعد أحد يهتم بالقضايا العامة أو الأخلاق أو حتى النظافة، فطالما أن مسكنه نظيفا لا يهم إن كان الشارع نظيفاً أو العمارة نظيفة، ولا يستطيع أن يرى أن تأثير التلوث سيتراكم ويصل إلى داخل مسكنه على المدى البعيد، فأصبح المواطن متشرنقاً حول ذاته، ونعود هنا للممارسة السياسية لنجد أنها سبب السلبية الإجتماعية.
 
*كيف؟
الموروث الثقافي للمواطنين في الوطن العربي هو أن الشأن العام مسئولية الحكومة أو مسئولية الحاكم، لم يحدث أن تم أخذ رأي المواطنين في مشروع سيتم تنفيذه في أحيائهم السكنية، لم يشعروا منذ وقت طويل أن من حقهم الاعتراض على قانون أو قضية وأن اعتراضهم سيغير شيئا، لم يعد المواطنون جزءا من صناعة الوطن، وبالتالي فقدوا اهتمامهم وأصبح من الصعب تغيير شعورهم بأنهم أطفال يحتاجون لكبار ليسيروا حياتهم.
 
*وما هو علاج هذه الحالة؟
لا توجد روشتة جاهزة لتغيير واقع ترسخ على مدى سنين طويلة ، لكن يجب أن نصبح طرفا أساسيا في قضايانا وشئوننا حتى نهتم بها، يجب أن تُستعاد الثقة المفقودة من المجتمع، المجتمع الصحي هو المجتمع الذي تحتل فيه الثقة مساحة كبيرة، فالمواطنون يثقون في بعضهم البعض، ويثقون في أن الشرطة سترد لهم حقوقهم وتدافع عنهم ولن تظلمهم، يثقون في أن المدرسة ستقدم لهم التعليم الذي يحتاجونه وأن المستشفى ستقدم لهم العلاج الصحيح وان الطبيب سيؤدي واجبه كأفضل ما يكون ، هذه الثقة تحتاج نهضة قيمية شاملة، لأن صناع الثقة أطراف متعددة، والكل مُطالب أن يكون له دور .. يستوي في هذا الدولة أوالمثقفين أوالنخبة أوالمواطنين أنفسهم
 
*كيف ترى المستقبل؟ وهل تتوقع أن تقل السلبية في المجتمع أم أن تزيد؟
المؤشرات الأولية تشير إلى أن هذه الظاهرة في طريقها للزيادة ولكني أحلم أن تقل وأتمنى أن تكون الحركة المجتمعية والتغييرات التي حدثت في مجتمع الشباب والإيجابية التي بدأت تُعبر عن نفسها بشكل مختلف بينهم وخاصة مع انتشار النت والفضائيات لكن أن يتم كل ذلك في ظل ضوابط يرضاها الله ويقبلها العرف وتطمئن إليها القلوب ... أتمنى أن تكون بداية تغيير إيجابي في حياتنا الإجتماعية والسياسية.